المقاومة الجنوبية والجيش يتوغلان في الأراضي الشمالية.. كرش تتحرر بــ 305 شهداء و757 جريحا منهم 244 معاقا

> تقرير / عبدالله مجيد

> ما إن وصل المواطن خالد أحمد سريع مشارف منطقة الجُريبة بكرش حتى توقف للحظة واضعًا يده على جبهته وصوّب نظره جهة قريته التي نزح منها جراء الحرب الدائرة بين أفراد المقاومة الجنوبية المسنودة بالجيش، ومليشيات الحوثي وقوات علي عبدالله صالح، وسرعان ما أدار وجهه إليّ بعد أن أخذ نفساً عميقاً، وقال: «هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها منطقتي التي تركتها كرها منذ ثلاث سنوات.. انظر إلى هناك حيث تُعمم الغيوم ذلك الجبل تقع قريتي (الشعب الأسود) مسقط رأسي، ولدت وترعرت وكبرت فيها، لم أُغادرها في حياتي إلا هذه المرة مرغماً، وأتمنّى أن لا تتكرر».
وبينما يمسح سريع بنظره مناطق الجُريبة يمنة ويسرة من حيث وقوفه بمنطقة الحدب التي تبعُد عن قريته بنحو ثلاثة كيلومترات، يشاهد المرء كثيرا من الأسر العائدة لقرى: السفيلي، وحبيل عُباد، وهيجة المر، والحبيل، وحرذ، والنجد، على امتداد ودي حدابة عائدين مشياً على الأقدام من مناطق النزوح بالأعشار والربوع والقبيطة، بعد أن تم تحريرها مطلع الأسبوع الماضي.
يقول سريع (47 عاما) في حديثه لـ «الأيام»: «لم نتوقع أن تطول الحرب هكذا، كنا نظن بأنها ستأخذ وقتًا قصيرًا كأي أزمة شهدتها البلاد خلال العقود الماضية وسرعان ما تنتهي وتعود الأمور إلى طبيعتها».
وبدأ نزوح وتشرد أبناء كرش شمال محافظة لحج والتي يبلغ تعداد سكانها نحو 25 ألف نسمة منذ اليوم الأول لاجتياح مليشيات الحوثي وقوات صالح المديرية بتاريخ 23 مارس 2015م.
وشهدت مناطق كرش ذات الطبيعة الجغرافية الريفية مترامية الأطراف أعنف المواجهات، كما شهدت معارك كر وفر طيلة السنوات الثلاث الماضية، وتسببت بتشريد وتهجير أكثر من ثلاثة آلاف أسرة عنوة إلى مديريات المحافظة الأخرى: كالمسيمير، والحوطة، وتُبن، ومديريات ردفان، ويافع، والعاصمة عدن، فضلاً عن تسببها بهدم الكثير من المنازل وتفخيخ الطرقات الرئيسة والفرعية والأراضي الزراعية، من قبل المليشيات لمنع تقدم أفراد المقاومة، الأمر الذي سقط على إثره قتلى وجرحى معظمهم من المدنيين.
يقول خالد سريع، بعد أن أشعل سيجارة «الأمور تجاوزت هذه المرة حدها في كل شيء، فلا مرتبات منتظمة للموظفين ولا أمن ولا استقرار، وأزمات اقتصادية متفاقمة اثقلت كاهل الموظف فما بالك بنا نحن غير الموظفين».
وسريع خريج جامعي تخصص تربية إسلامية من كلية التربية صبر جامعة عدن عام 2001م، ومازال عاطلا عن العمل، ويُمني النفس منذ 18 عاما بالحصول على وظيفة حكومية طال انتظارها.
يقول: «السمسرة والوساطة وغياب القانون حال دون توظيفي حتى الآن رغم أنني من اقدم خريجي المديرية بشكل عام.. أنا مؤهل للوظيفة وبدون أي منازع ولكن الفقر وقلة الحيلة وغياب الوساطة أبرز الأسباب لحرماني منها».
ويضيف ضاحكا في حديثه لـ«الأيام» بعد أن ربّت بيده على كتفي «خِدمة الموظف تنتهي بأحد الأجلين: إما التقاعد أو تجاوز السن القانوني، ونحن على ما يبدو، إن لم يكن مؤكدا، سيطبق علينا أحد الأجلين قبل أن نتحصل على الوظيفة، التي أضحت ضربًا من ضروب الخيال والأحلام المستحيل تحقيقها».
وأضطر سريع إلى النزوح من قريته أواخر مارس 2015م إلى منطقة الأعشار بسبب الحرب بمعية أفراد أسرته ووالده الطاعن في السن وكل أهالي المنطقة للنجاة بأرواحهم، ولم يتمكن وقت نزوحه من اخراج أي شيء معه».
*مرارة النزوح
وقال المواطن توفيق مهدي سالم، وهو أحد أهالي المنطقة بعد أن أخذ جولة استطلاعية سريعة على المنازل المجاورة لبيته، «يا فرحة ما تمت، عُدنا ونحن نتحرق شوقًا لمنازلنا، ولكننا وجدنا بعضها مهدمة الأسقف أو الأركان وبلا أبواب أو نوافذ، جراء القصف المستمر على المنطقة من قبل مليشيات الحوثي.
ويضيف في حديثه لـ«الأيام» أصبحنا غير قادرين على تحمل المزيد من المعاناة، نحن تشردنا ومنازلنا التي بنيناها بشق الأنفس دمرت بقذائق الهاون والهوزر المتساقطة عليها خلال السنوات الثلاث الماضية».
وزار توفيق سالم منزله من منطقة نزوحه بالبساتين مديرية دار سعد بعدن، للاطلاع على اوضاعها قبل أن يعود بأهله إليها، غير أنه تفاجأ بمدى الأضرار التي تعرضت لها القرية.
ويضيف: «أضطررنا لمغادرتها إلى منطقة البساتين بعدن، وهناك نُعاني الأمرين منذ ثلاث سنين حيث تكاليف العيش مضاعفة، وايجار السكن وغيرها، وكل اعتمادنا على مرتب الوالد التقاعدي من السلك العسكري وليته يأتي باستمرار».

وشكا توفيق مهدي لـ«الأيام» تجاهل المنظمات الدولية المعنية بعدم تمكينهم من ايجار المساكن كغيرهم من النازحين بمنطقة صبر مديرية تٌبن، ومناطق نزوح كثيرة»، مطالبًاً في الوقت ذاته الجهات المسؤولة باعادة الإعمار بسرعة، والنظر في قضية المنازل المهدمة ومساعدة الأهالي بإعادة بنائها وترميمها، ليتمكنوا من العودة إليها، والتخفيف من المعاناة التي يكتوون بنيرانها منذ بدء الحرب في مارس 2015م».
واسفرت المعارك عن سقوط مئات الشهداء والجرحى من أفراد المقاومة الجنوبية والجيش، وخسائر بشرية ومادية فادحة في صفوف المليشيات وقوات صالح.
وأوضح مسؤول الشهداء والجرحى في المنطقة العسكرية الرابعة فهمي العامري أن عدد شهداء جبهة كرش من الجيش والمقاومة منذ بدء الحرب بلغ 305 شهداء و757 جريحا، المعاقون منهم 244».
وأشار في تصريحه لـ«الأيام» إلى أن المشكلة الأبرز التي تواجههم تتمثل بتسفير الجرحى، حيث بلغ من تم تسفيرهم حتى الآن 40 من أصل 90 جريحاً بحاجة للعلاج في الخارج».
*مئات الشهداء والجرحى
فيما أوضح مدير مكتب شهداء وجرحى المقاومة في كرش والقبيطة علي حمود يزيد أن عدد الشهداء من أبناء مقاومة كرش لوحدها منذ اندلاع الحرب بلغ 109 شهداء و348 جريحا».
ولفت يزيد في تصريحه لـ«الأيام» الى أن عدد الجرحى المعاقين جراء الألغام 33 معاقاً، بالإضافة إلى 11 مشلولاً جراء الاصابة في الرأس والعمود الفقري، تم تسفير 17 مصابا منهم للعلاج في الخارج».
وأضاف: «أما عدد شهداء جبهات القبيطة ممن سلمت ملفاتهم لمكتبنا، فبلغ 73 شهيدًا و96 جريحا».
*الطريق إلى الحد
ظهيرة أمس الأول الخميس، زارت «الأيام» بمعية عدد من قيادات المجلس الانتقالي بمحافظة لحج وبقيادة رئيس المجلس د. فضل هماش ومدير عام المديرية عماد غانم خطوط التماس للمديرية إلى الحدود مع منطقة الشريجة أولى مناطق محافظة تعز، للاطلاع على أوضاع الجبهة وآخر المستجدات فيها.
والوصول إلى الحد الفاصل بالشريجة على متن سيارات عدة في وقت واحد يعني شيئا من المغامرة في الوقت الحاضر لاسيما أن المنطقة ما تزال تحت القصف عن بعد بصواريخ الكاتيوشا والهاون والهاوزر، ومحط أنظار استطلاع قوات العدو، ولهذا كان تقدمنا غير مجتمعين، يرافقنا خلالها عدد من أفراد الجيش والمقاومة.
ولجأت المليشيات قبل هزيمتها واضطرارها للفرار من هدم أجزاء كبيرة من نفق الشريجة، وتفجير الجسور الصغير الخاصة بقنوات السيول، لاعاقة التقدم، وتلغيم مناطق واسعة منها، الأمر الذي يجعل الوصول إلى منطقة الشريجة صعبا لوسائل النقل وخطراً أيضاَ.
وعلى امتداد السلاسل الجبلية المحطية بالطريق العام الرابطة بين محافظة لحج وتعز يشاهد المرء أبطال المقاومة والجيش، يلوحون بإشارة النصر، فيما يردد آخرون أغاني وزوامل خاصة بالثورة الجنوبية».
ومن يتفحص وجوه المقاتلين يقرأ في صفحاتها بشائر النصر والثبات والعزيمة المتقدة، والصمود الأسطوري.
وفي مطلع الأسبوع الماضي، بدأوا بتنفيذ عملية تحرير واسعة لمِا تبقى من مناطق المديرية من المليشيات، وخلال يومين اثنين فقط توغلوا في مساحة كبيرة من مناطق الشريجة التابعة لمحافظة تعز، وما يزال التقدم والنصر يتوالى تباعاً، فيما تشهد قوات العدو تقهقراً وفراراً متواصلين.
*أهمية الموقع
وتمثل مديرية كرش خط الدفاع الأول لقاعدة العند الاستراتيجية (16 كيلومترا)، وتحريرها يعني تأمين القاعدة والعاصمة عدن على حدٍ سواء.
وحسمت المعارك في العاصمة وبقية المحافظات الجنوبية خلال 120 يوما، غير أن مناطق الحدود ومنها كرش ظلت ملتهبة طيلة السنوات الثلاث الماضية، وهو ما نتج عنه تفاقم معاناتهم، بشكل كبير جداً، وفي مقدمتها الأوضاع المعيشية والصحية وتعرض الكثير من النازحين للاصابة بالعديد من الأمراض كالقلب والضغط والاصابة بالشلل النصفي بسبب الجلطات.
تقرير / عبدالله مجيد

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى