قصة بطولة وحكاية مؤلمة لجندي بمقاومة تعز.. حسين البيضاني المقاتل ثم الأسير الجريح فالشهيد

> تقرير/ صلاح الجندي

> بوجع عميق يحدثني ودموعه لا تتوقف عن الهطول على وجنتيه الشاحبتين السمراوين، يُحدثني بكلمتين ثم يحاول يُلملم كبرياءه منعًا للبكاء ولا ينجح، ثم يواصل بمرارة سرد حكاية فلذة كبده الذي لم يعُد.. عن ولده الذي قاتل في صفوف المقاومة مستبسلًا وشجاعًا حتى جرح وتم أسره في المعركة ذات يوم إلى أن اُستشهد وهو يحاول إنقاذ رفاق الأسر الذين استهدفتهم طائرات التحالف في مقر البحث الجنائي بصنعاء، ليكون هو ضحية الضربة الثانية.
"أُريد راتب ابني وإثبات اسمه في كشوفات الجندية"، هي الجملة التي ستسمعها من الحاج أحمد حسين البيضاني عشرات المرات إذا ما أوقفك يحدثك عن خيباته وهو يراجع معسكرات اللواء 17 ومقر قيادته وقيادة المحور بتعز طلبًا لإنفاذ وعود تلقاها بتضمين اسم ولده في كشوفات الرواتب، باعتباره أحد المقاومين ومن ثم أسيرا فشهيدا.
ترك الشهيد حسين البيضاني مهنته كمهندس بالخبرة ليلتحق بتشكيلات المقاومة في وقت مبكر من إعلان المقاومة ضد مليشيا الانقلاب التي زحفت إلى تعز، وفي الخطوط الأمامية شارك في كثير من المعارك التي دارت بين قوات المقاومة ومليشيا في الجبهة الغربية، حيث ظل ملازمًا مواقع القتال إلى أن أُسر في ذات الجبهة بتاريخ 9/8/2016 .
يقول والده : "أُسر ولدي بعد أن جرح وهو يقاتل، وقد أبلغ قائد عمليات اللواء 17 عن جرحه وأسره، والوثيقة التي تثبت ذلك موجودة لدي".
وجرح الشهيد حسين بطلقة نارية بالخصر، وأسر يوم إصابته، غير أنه لم يُبح بذلك لأسرته مراعيًا وضعهم النفسي، وظل يتحمل الآلام والأوجاع بصبر ووعي المناضل.
*أسر وتعذيب لسنتين
استمر حسين في الأسر لمدة عامين، ولم يتمكن من الخروج بسبب إسقاط اسمه من كشف تبادل الأسرى، يقول والده : "يبادلون بالأسرى الذين أُسروا بسبب تلفونات أو بأشياء لاعلاقة لها بالمقاومة، وابني الذي أُسر وهو في مترسه يسقطون اسمه في كل مرة، وكأنهم يتعمدون فعل ذلك".
حاول الحاج أحمد البيضاني أكثر من مرة مع قيادة محور تعز وقيادة اللواء 17 إدراج اسم ولده ضمن صفقات تبادل الأسرى، وكل ما يجده وعود عرقوبية، بل إنه وجد ابنه خارج كشوفات الترقيم.
يقول البيضاني وهو يتحدث بمرارة: "أخبرت ابني بهذا الأمر فقال لي: كيف مش مرقم يا أباه وأنا مقاتل وجريح والآن أسير".
حينها اكتشف الحاج أحمد أن ابنه جريح أيضًا، بعد مشاهدته لصورة أثبت بها حسين من زنزانته أنه جريح ليساعد والده في إعطاء الدليل لقيادة المحور وقيادة اللواء 17 أنه مستحق بأن يدرج اسمه ضمن كشوفات صفقات تبادل الأسرى وكشوفات الجندية.
*المال مقابل جثة ابنه
استنفد الحاج البيضاني كل طاقته مع المعنيين وقد سرد لي أسماء كثيرة تابعها ولم توليه أي اهتمام، منها كما ذكر: ضياء الحق الأهدل، وعبده حمود الصغير، وعبداللطيف المرادي، وشرف الدين، ورامي الخليدي. وكل ما أجده منهم سوى وعود لا تنفذ، حتى فقدت الأمل، وبعد طول متابعة يقول لي ضياء الحق "أنا ماليش دخل".
ثم واصل الحاج أحمد بمتابعة قيادة محور تعز وقيادة اللواء 17 لتضمين اسم ابنه ضمن صفقات تبادل الجثث، غير أن تلك المتابعات أيضاً باءت هي الأخرى بالفشل.
وعنها يقول: "خمس مرات يسقطون اسم جثة ابني من كشوفات التبادل، مع أنهم في كل مرة كانوا يعطوني وعدا باستلامها"، وبعد أن صمت لبرهة من الوقت قال: "يا ابني يشتوا مني 500 ألف ريال، من أين أجيبها لهم؟ وكلت أمري لله وهو حسبي".
وأضاف: “ في إحدى المرات ذهبت إلى قيادة اللواء 17 ، وأحد الأفراد ممن تعهدوني أتردد عليهم قال لي: "يا عم حسين كم طلبوا منك؟! قلت له ليش يطلبوا فلوس من أجل فك الأسرى فقال: "أيش بلاش! أخبرته كم يعني خمسين ألف أو مائة ألف؟ باروح استلفها من أجل ابني.." فقال: "يا عم أحمد أقلها 500 ألف يدفعوها الناس لإخراج أولادهم، أو إذ معك وساطة وتزكية !".
ويواصل: “سنة وثلاثة أشهر وأنا أتابع قائد المحور وقيادة اللواء 17، وكان آخر ذلك أثناء استشهاد الإعلامي محمد القدسي ذهبت إلى الشمساني بقدس جبت له الملف حقي كامل مثل هذا، وقلت له يا فندم هذا ابني حسين قاتلَ وأُسر وجرح، ورغم الأمر الذي أصدره خالد فاضل للمعنين قبل سنة إلا أن ذلك لم يشفع لي أن أحصل على ابني الذي عذب أشد تعذيبا في سجون المليشيات قبل استشهاده".
*معاناة الأم وفقر الأب
المعاناة والأوجاع لم تنتهِ عند ذلك الحد، بل إن والدة الشهيد حينما علمت باستشهاده تعرضت لأزمة نفسية أفقدتها الوعي.
والد الشهيد: كل صفقات تبادل الأسرى استثنت ابني عمدا حتى استشهد
والد الشهيد: كل صفقات تبادل الأسرى استثنت ابني عمدا حتى استشهد

يقول الحاج أحمد وعيناه تذرفان الدموع "كان خبر استشهاد حسين صادمًا، لكني تصبرت وشكرت الله على استشهاده، ووكلته على اللصوص اللي اشتروا وباعوا بأرواح أبنائنا..
أما والدته التي تجرعت خيبات كثيرة في أمل عودة ابنها أفقدتها توازنها، وأُصيبت بجلطة جعلتها طريحة الفراش لفترة طويلة بعد أن فقدت الأمل من عودة ابنها وحتى من رؤيت جثته".
ويضيف الحاج البيضاني في روايته "أم حسين أصبحت بحالة نفسية صعبة، بعد تعرضها لجلطة، وقبل أيام مشت حافية القدمين مسافة طويلة وأرجعها أحدهم بعد أن سألها إلى أين هي ذاهبة فقالت له: إلى عند حسين ابني في صنعاء، وتقول حسين لم يمت اشتي اطلع عند حسين، وإذا مات أين جثته اقبروه!".
غادرت والدة حسين إلى القرية بعد أن أثقلها التعب والمرض، وظل والده يتخبط هنا وهنا، باحثا عمن ينصف قضية ابنه، وعما يسد به جوعه بعد أن فقد كل ما يملك وهو يبحث عن ابنه الأسير والشهيد غير المرقم.
*مقاوم وأسير وشهيد بلا رقم عسكري
لم يشفع لوالد حسين تقديم ابنه فداء لتعز، ولم يشفع له أيضًا أسر ابنه لأكثر من سنتين وكذا استشهاده في سجون المليشيات، لتكافئه قيادة المحور وقيادة اللواء 17 بإسقاط اسم ابنه العائل الوحيد للأسرة من الترقيم ومن كشوفات الرواتب.
لم يهتم بنا أحد
يقول والده: "كثيراً ما تابع أركان حرب اللواء 17 العقيد عبده حمود الصغير، وقدمت له كل الوثائق والأدلة التي تُثبت أن ابني مقاوم وأسير، وكان رده لي في حينها بأن أمور ولدي ستحل وجاهزة، ولكنه لم يفِ بوعده".
ويضيف في حديثه لـ«الأيام»: "عبده الصغير قال لي: خلاص قد عالجنا موضوع ابنك، وأكتشف بعد ذلك أنهم لم يعالجوا موضوعه ولم يرقموه ولا وجود لاسمه في كشوفات اللواء، بل إنني كنتُ دائما أقول له يا فندم هذا الأسير ليش مالوش حقوقه مالوش راتب فيقول لي: لمن يخرج بيستلم مستحقاته كامل.
لقد ترددت عليه لأكثر من عشر مرات ولم يصنع لي أي حل، رغم أن ظروفنا صعبة وأم حسين باعت كل ذهبها بخسارة من أجل المتابعة بعد ابنها، واستشهد حسين ولم يلتفت لنا أحد".
*استلام الجثة
عندما كان حسين أسيرًا، كان والده يتنقل من قائد لآخر لإدراج اسم ابنه في كشوفات تبادل الأسرى، وفي كل مرة يدرج فيها اسمه يتم إسقاطه من قبل المعنيين.
يقول والده: "أسقطوا اسم ابني من كشف التبادل لخمس مرات متتالية، حتى استشهد في إحدى الغارات الجوية في صنعاء وهو أسير”. وتحولت جثث الكثير من رفاقه في السجن إلى أشلاء، إلا جثة حسين كانت متكاملة، لأن استشهاده كان وهو خارج السجن مع سقوط الصاروخ الثاني، حسب رواية زميله الذي نجى من تلك الصواريخ.
وبدأت معاناة والده من البحث عن ابنه الأسير، إلى البحث عن جثة ابنه الشهيد لفترة طويلة حتى تسلمها قبل أسبوع إثر صفقة تم خلالها إطلاق جثته ليدفنها بتعز، ودفن معها حقوقه ومستحقاته.
*معاناة وقلة حيلة
أصبح الحاج أحمد البيضاني بلا دخل وعاطلا عن العمل، وبحالة مادية يرثى لها، وما أن تجده وهو بذلك الشحوب والملامح التي تخبرك أنه يحمل هموماً كالجبال، ستعرف أن خلفه قصة وجع بدأت بأسر ابنه مرورًا بإسقاط اسمه من كشف الراتب، وانتهت بالاستشهاد.
يقول البيضاني عن حالته: "أضحيت عاطلا وأجلس في أرصفة تعز، وتتصل لي زوجتي من القرية أنها بلا دقيق ولا شيء، فأقول لها الله كريم، وأجلس ألوي (أدور) في الشارع، وإذا حصلت لي زايد ناقص أرسل لهم وإذا ما حصلت أجلس أتحسر على نفسي وعلى ابني وأسرتي”.
ويضيف: " كنا قبل الحرب مرتاحين وكان ولدي حسين مهندس مكانيك وسائق باصات، وكان يشقي (يصرف) علينا وعايشين في تعز من زمان بحمد الله، وشوف إلى أين وصلنا، رغم أن ابني حسين من مواليد تعز ودرس في تعز".
تقرير/ صلاح الجندي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى