الدولة الحزبية

> وائل لكو

>
وائل لكو
وائل لكو
منذ أن بدأت الحزبية بالظهور في الركن الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية، لم ينعم سكان تلك المنطقة بالهدوء والاستقرار، وأصبحت بلدهم معرضة للانقلابات والصراعات الدموية، التي زرعت الأحقاد وولَّدت الثأرات السياسية، على عكس جيرانهم في المنطقة الذين لم يستخدموا الحزبية، ولم يسمحوا بممارستها في مجتمعهم القبلي المليء بالنزاعات..
وتفرغ حكام تلك الدول - الناشئة حديثا - للتنمية والنماء، وحصدوا الخير لشعوبهم. فالناظر لحال اليمن سيجد أن الحزبية الحاكمة ظهرت بظهور الجمهورية في الشمال والجنوب، حيث أتت بالقوى التقليدية في الشمال للمشاركة وتعزيز نفوذها في الحكم، بينما ظهرت القوى المستقوية بالمناطقية كطرف حاكم في الجنوب، محدثة في شطري اليمن عامل عدم الاستقرار، الأمر الذي أدى إلى كثرة الصراعات وعدم الخضوع لدولة قوية تعزز من قيم الشراكة والتنمية.
ومع بداية المراحل المؤدية لإعلان الوحدة اليمنية، نهاية الثمانينات، بدأ الحديث حول ضرورة إشراك جميع القوى السياسية في صنع القرار والسماح بتعددية حزبية تنهي حكم الحزب الواحد في شطري اليمن.. إلا أن تلك الحالة سمحت للقوى الشمالية المستغلة لعامل الدين والمستقوية بالقبيلة بالظهور والمشاركة في الحكم، بعد أن أزاحت الشريك الجنوبي الموقّع على اتفاق الوحدة عقب حرب العام 94، لتنفرد قوى الشمال بحكم اليمن (شمالا وجنوبا).. وكان من نتائج ذلك عدم استقرار في المنطقة، تمثّل في رفض الجنوبيين لهذه الحالة التي أقصتهم من الحكم ومطالبتهم باستعادة دولتهم التي دخلت في شراكة مع الدولة في شمال اليمن.
ومع الصراع الذي نشب بين قوى الحكم الشمالي في العام 2011 وحتى يومنا هذا، وما أحدثته من تغيير في رأس هرم السلطة، وما أحدثته التغييرات الحاصلة بعد حرب العام 2015 صار لازما على المجتمع الدولي التعاطي مع المتغيرات بالاعتراف بالقوى الناشئة على الأرض، وعدم السماح بانفراد قوى معينة في اتخاذ القرار، خاصة إذا ما كانت تلك القوى هي المتسببة بكل المشاكل التي يعاني منها المواطن اليمني.. لذلك فإن التعاطي مع ملف الأزمة اليمنية يجب أن ينبني وفق أساسيات محددة بالنقاط الآتية:
1- الاعتراف بالقوى الفاعلة على الأرض، باعتبارها قوى تحظى بالتأييد الشعبي في المناطق التي تسيطر عليها تلك القوى.
2- تقسيم البلد إلى أقاليم بحسب سيطرة كل طرف من أطراف الأزمة اليمنية، حتى تسهل عملية الجلوس على طاولة حوار واحدة، وتعزيز البقاء لتلك القوى في إطار الدولة الاتحادية المراد إنشاؤها في اليمن الاتحادي.
3- اعتراف القوى المسيطرة على الأرض بشرعية الرئيس هادي كرئيس توافقي، وإلغاء صلاحية المجالس المنتخبة، والتي انتهت صلاحية العمل بها اصلا.
4- تكوين حكومات مصغرة في كل إقليم لإدارة شؤون تلك الأقاليم، تؤدي اليمين أمام الرئيس التوافقي لفترة مؤقتة حتى ينتهي الحوار.
5- وقف نشاط الأحزاب السياسية في اليمن لفترة مؤقتة، إلى أن تنتهي القوى الفاعلة على الأرض من وضع آلية توافقية لإنهاء الأزمة اليمنية على قاعدة "لا ضرر ولا ضرار".
يجب عودة الأخوَّة بين اليمنيين التي فرقتهم الحزبية وبرامجها الفضفاضة التي لم تطبق أصلا من الناحية العملية، بسبب عدم ممارسة الأحزاب للديمقراطية وغياب الشفافية مما جعلها معزولة لا تمثل جميع اليمنيين وليست وصية عليهم.
كما أن منشأ هذه الأحزاب يجعلها غير محايدة ولا تبدي أي توافق إن كان ضد رغباتها ومصالحها الحزبية الضيقة، حتى ولو كانت لمصلحة الوطن والمواطن.. وقد عمدت كثير من الدول التي مرت بظروف مشابهة إلى حظر النشاط الحزبي حتى تسهل عملية الحوار وتنتهي الى توافق يرضي جميع الأطراف التي تحظى بالقبول الشعبي وتسيطر بفعالية على الأرض.
أما القول بالعودة إلى مخرجات الحوار الذي سيطرت عليه الأحزاب والقوى السياسية التي فقدت شعبيتها ولم تعد تقوى قيادتها على العودة إلى داخل الوطن، فهذا القول لم يعد مقبولا عند الجنوبيين والشماليين، على حد سواء.. فقد أدخلتهم الصراعات الحزبية في دوامة لا قرار لها، بينما فرّت قيادات الأحزاب إلى الخارج، واكتفت بترتيب وضعها ووضع أنصارها، تاركةً المواطن في الداخل لمصيره المجهول دون حماية أو القيام بتنازلات وتضحيات تنهي معاناته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى