ما الذي يخيف الشعب من محاسبة الفساد والفاسدين؟

> جمال مسعود

>
جمال مسعود
جمال مسعود
غريبة هي الأوضاع عندنا في هذه البلاد المسحوقة سحقا بجنازير الفساد ودكاكات الإفساد، لقد أصابها داؤه في كل مفاصلها، وانتشر مرضه في كل جزء من جسدها، وصار وباؤه يجري فيها مجرى الدم ويستنشقه أهلها منذ الصباح الباكر مع تغريدة كل طير وهبة كل نسمة، استولى عليها وأصابها بإعاقة وشلل تام يكاد يقضي عليها ويفنيها لولا عناية الله ورعايته وبقايا الصالحات من عهد قديم حفظت هذه البلدة وحدت من سقوطها التام في الوباء الاختياري والعدوى المقصودة التي أصاب الشعب بها نفسه وهلك بسببها.
لا يتصور أحد في أي بقعة من العالم حال الفساد والإفساد الذي أصاب هذا البلد في ظل وجود الخبراء والمختصين من الكوادر المحلية المؤهلة والمشكلة لمكافحة الفساد والمتطوعين من دول الجوار والأصدقاء في العالم الذين أبدوا استعدادهم للمساهمة في رصد ومحاصرة وباء الفساد.
إن حال الفساد أصبح عامل قلق، ومؤشرا خطيرا يهدد أمن وسلامة البلد، ويدفع بشكل متسارع نحو انهيار الدولة، ولم تتغير مؤشراته في فترات الحرب أو في أيام السلم، ما يؤكد عمق بؤر الفساد وتوغلها السرطاني في جسد الدولة والشعب.
أسئلة كثيرة تراود المهتمين والمتتبعين لأحوال البلد من قريب أو من بعيد: ما مدى عمق الفساد في جسد الدولة؟ وهل أصاب الفساد الروح المعنوية لأفراد الشعب وقتل فيهم النخوة والكرامة والغيرة على الوطن؟ وهل فقد الشعب زمام المبادرة والرغبة في التغيير وتجاوب وانسجم مع مظاهر الفساد وتماشى معها؟ لماذا كل هذا التعتيم والتكتيم والتخوف من فتح ملف واحد من ملفات الفساد الكثيرة؟ هل الأجهزة الرقابية والمحاسبية وأجهزة الضبط القضائي مصابة أيضا بفيروس الفساد وتتخوف بأن تفوح رائحة الفساد العفن منها وتسقط أهليتها لمقاضاة الفساد والفاسدين؟ وهل صمتْ الأئمة والخطباء والدعاة عن فضح الفساد وتعريته أمام الملأ في الخطب والمواعظ هو بسبب قول الشاعر: (لا تنهَ عن خلق وتأت مثله .. عار عليك إذا فعلت عظيم!!).. أو بسبب الضعف والخوف والتهرب من المسؤولية كما في قوله «ولا يخافون في الله لومة لائم».
ولماذا يصمت المعلم ويتحاشى التطرق لصور الفساد ومحاربته وينمي روح الشجاعة والنقاء وحب الوطن ونبذ الفساد بكل صوره وأشكاله؟ هل صمته بسبب إصابته هو أيضا بفيروس الفساد ويخاف من أن يستصغره الطالب ويقول له: يا أستاذ من أين لك هذا؟.. وهكذا الطبيب والمحامي والصحفي والإنسان البسيط لماذا يصمت كل هؤلاء ولا يكادون ينطقون ببنت شفة؟! ما يخيفهم؟ لماذا لا يتصدى الشعب للفساد ويحاربه ولو بالقلب، وذلك أضعف الإيمان؟ لماذا لا يتوجه أبناء الشعب إلى مولاهم في دجى الليل ويتضرعون إلى الله أن يفك أسرهم من قبضة غول الفساد المجرم ويطلق حرية الشعب لينهض بخيراته وثرواته؟ هل غرق الشعب أيضا في الوحل وأصيب بفيروس الفساد وهو يخجل أن يناجي ربه وهو غارق في الفساد؟
إذن من هو الفاسد؟ وما هو الفساد؟ ومن الذي سيحاسب الفاسد ويمنع الفساد؟ ومن الذي يخشى الآخر؟ هل يخشى الفاسد من المراقب والمحاسب المكلف بأمر رئاسي أو وزاري أو إداري، أو العكس يخشى المراقب والمحاسب الفاسد أن يفتضح أمره؟ فكيف إذن سننتهي من الفساد والفاسدين وسنخلص بلدنا من فيروساتهم المدمرة لاقتصاد ومصالح البلد سياسيا واجتماعيا وثقافيا وفكريا ومستقبليا؟
ما هو الحل إذن حتى يعود الشعب إلى رشده ويدرك أن الشعوب الحية تحترم وإن كانت فقيرة.
أما الشعوب الميتة فتهدر كرامتها وتنهب ثرواتها وتستباح أرضها وسيادتها حتى وإن كان فيها علماء ومفكرون وقادة وسياسيون وأكاديميون ومثقفون وفنانون ومبدعون وتراث وتاريخ وحضارة وعراقة وأصالة وموقع جغرافي وفلكي وزراعة وصيد أسماك وثروات نفطية ومعدنية ومقدرات طبيعية وبشرية، كل ذلك ماذا يعني؟ لا شيء.. لا شيء في ظل وجود جسد ميت وشيطان أخرس وانبطاح وهوان.
الشعوب الميتة ليس لها إلا أن تنتظر جرعة التطعيم ضد مرض البلادة والانكسار الذي لن تتحصل عليه بالهبات والتبرعات والمنح والقروض، لن تتحصل إلا على لقاحات الحصبة وشلل الأطفال، أما لقاحات العزة والكبرياء وحب الوطن والغيرة عليه وعلى مقدراته المنهوبة فهذه ليست لها لقاحات وتطعيم تحيي الشعوب الميتة التي سيقضي عليها فأر صغير لو تسنى له ذلك، كما حصل سابقا في التاريخ القديم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى