الإرهاب.. أوروبي المولد - أمريكي التهجين (2)

> أ. د. علوي عمر مبلغ*

> أ- المحاولات السياسية
أ. د. علوي عمر مبلغ
أ. د. علوي عمر مبلغ

لتعريف الإرهاب
«كان السيد جاك شيراك رئيس جمهورية فرنسا حاليًا وعمدة مدينة باريس عام 1986م قد صرح بأن: «الإرهاب هو الحرب» لكننا لا نعتقد أن السيد شيراك أو غيره من القادة السياسيين، كان يعتقد أن عملية إرهابية أيًّا كان حجمها سوف تُعد حربًا تستوجب وبمجرد الظن بمرتكبيها – إعلان حرب حقيقية هذه المرة، ولتتحول أفغانستان بعد أيلول 2001م إلى مسرح عمليات حربية تقترف فيه أعمال تعَد جرائم حرب»، وذلك باسم الحرب على الإرهاب.
وتظهر أولى حروب القرن أن الولايات المتحدة الأمريكية بعد ما ذاقت بعضًا من الإرهاب لم تغير سياستها بهذا الشأن، فهي غير راغبة بوضع تعريف واضح للإرهاب، ومن ثم القضاء الداخلي أو الدولي يأخذ مجراه، وها هي الولايات المتحدة اليوم تريد حشد قوى تحالف دولي يطال كل دول العالم وإن استطاعت لمحاربة الإرهاب دون أن تعلم هذه الأخيرة ماذا تحارب؟ ومن تحارب؟ وإلى متى ستحارب؟ ولم يعد الإرهاب بمعنى الجريمة التي لها عناصر وأركان تميزُها عن غيرها من مفاهيم محرمة داخليًا ودوليًا، من حيث إنهاء استخدام العنف بصورة غير مشروعة ضد مصالح محددة في خدمة أيديولوجية معينة بل أصبح مفهومًا أعم وأشمل، فهو إرهاب سياسي، اقتصادي، اجتماعي، انفصالي، أيديولوجي، وديني».
«كما أصبح مصطلحًا مألوفًا للتعبير عن كل ظاهرة غير مألوفة أو مزعجة، فهناك إرهاب في الموسيقى وفي الأدب، كما أنه يمكن أن يكون حرب يُردّ عليها بحرب أخرى».
ولهذه الأسباب وغيرها، وجب تجريد الإرهاب من الأثواب التي أرهقت كاهله، حيث أصبح من الصعوبة بمكان معرفته، أو تحديد أسبابه حتى يصبح بمقدور المشرّع الدولي أن يعطي هذه الظاهرة – القديمة – الحديثة أبعادها الحقيقية ويقدر درجة خرقها للأمن والسلم الدوليين.
ب- المحاولات القانونية لتعريف الإرهاب
بذلت الأسرة الدولية جهودًا كبيرة من أجل تعريف عالمي وموحد لظاهرة الإرهاب، إلا أن مساعيها لم تنجح حتى اليوم، لكن اتفاقيات عدة كانت قد أعطت تعاريف مختلفة لهذا المفهوم كما أن القوانين الوطنية التي كانت أكثر نجاحًا في هذا الإطار قد عرفّت هذا المفهوم، ومن هذه التعريفات:
1 - التعريف الوارد في اتفاقية جنيف لقمع ومعاقبة الإرهاب لعام 1937م الذي ينص على أن الأعمال الإرهابية هي «الأعمال الإجرامية الموجهة ضد دولة ما وتستهدف، أو يقصد بها، خلق حالة من الرعب في أذهان أشخاص معينين، أو مجموعة من الأشخاص، أو عامة الجمهور».
ويؤخذ على هذا التعريف عدم إرضائه الدول الموقعة، وذلك لعدم مصادقة أية دولة على الاتفاقية بأنه يرى أن ضحايا الإرهاب هي دول على الرغم من أن الإرهاب يقع ضد حركات تحرير وطنية، أو ضد حركات ثورية، وضد كيانات لم تصبح لسبب أو لآخر دولاً بعد كالسلطة الفلسطينية مثلاً، وعلى شعوب مشردة من أراضيها كما تعمله إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، ويحصر هذا التعريف بالإرهاب في بث الرعب بين الأشخاص أو بين العامة، لكن الحقيقة تشير إلى أن للإرهاب أهدافًا أبعد وأكثر أهمية بالنسبة إلى المنفذين، التي تبدأ بمجرد الرغبة بالانتقام من نظام ما أو من فئة أو شعب ما، حتى زعزعته ومحاولة الإطاحة به.
2 - التعريف الوارد في الاتفاقية الأوربية لعام 1977م: لم تأتِ هذه الاتفاقية بتعريف محدد «لمفهوم الإرهاب بل عددت مجموعة من الأفعال، منها ما كان قد حُرم سابقًا باتفاقيات دولية»، أو كان التعامل الدولي حرمّها، وأضاف إليها كل الأفعال الخطرة التي تهدد حياة الأشخاص أو أموالهم، إذا كانت تخلق خطرًا جماعيًا، لتخرج كل هذه الأفعال من طائفة الجرائم السياسية منعًا لتطبيق مبدأ «عدم تسليم المجرمين الذين كانت قد نصت عليه اتفاقية تسليم المجرمين لعام 1957م». ومن هذا المنطلق فإن هذا المفهوم الذي أوردته هذه الاتفاقية حول الأفعال الخطرة والموجهة ضد الممتلكات «إذا كان من شأنها خلق خطر جماعي ذلك بعد أن عددت مجموعة من الأفعال المحرمة دوليًا، ليكون الأساس في اعتبار طائفة من الأفعال أعمالاً إرهابية، معيارًا غامضًا وواسعًا في آنٍ معًا، إضافة إلى أنه يفتح بابًا للتقدير التعسفي من جانب الدول في تحديد ما يُعد إرهابيًا وما هو ليس كذلك”.
3 - الاتفاقية العربية وتعريف الإرهاب: جاءت الاتفاقية العربية لعام 1998م في مادتها الأولى فقرة (2) بالتعريف التالي للإرهاب بأنه: «كل فعل من أفعال العنف أو التهديد أيًا كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذًا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلغاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر».
ويلاحظ على تعريف هذه الاتفاقية أنه لم يشر لا من قريب ولا من بعيد للبعد السياسي الذي يحيط بمفهوم الإرهاب، عاكسًا بذلك رغبة الدول الموقعة في هذا المضمار، بل إنه ساوى بين كل الأفعال العنيفة أيًّا كان باعثها إذا كانت تخلق الرعب بين الناس أو تعرض حياتهم للخطر.
كما أن ما ذهب إليه المشروع من اعتبار الاحتلال، والاستيلاء على المرافق والممتلكات العامة والخاصة عملاً إرهابيًا هو مصطلح يشوبه الكثير من الغموض وعدم الدقة، لأن احتلال أراضي الآخرين هو جريمة عدوان مستمر وهي أخطر وأشد عنفًا وخرقًا لقواعد القانون الدولي من الإرهاب.
وكنموذج من هذه الاتفاقية العربية فإن تعريف قانون العقوبات السوري لجريمة الإرهاب: عرّفت المادة (304) من قانون العقوبات السوري لعام 1949م الأعمال الإرهابية على أنها «جميع الأفعال التي ترمي إلى إيجاد حالة ذعر وتركب بوسائل كالأدوات المتفجرة والأسلحة الحربية والمواد الملتهبة والمنتجات السامة أو المحرقة والعوامل الوبائية أو الجرثومية التي من شأنها أن تحدث خطرًا عامًا».
وعليه فإن المشروع السوري كان قد قام بتعداد الوسائل التي يمكن لمرتكب الفعل الإرهابي استخدام واقتراف فعله، لكن لم يشر في هذا التعريف إلى البعد السياسي للمجرم من هذا القانون، ونرى أن المشروع كان استبعد من مفهوم الجريمة السياسية «أشد الجنايات خطورة من حيث الأخلاق والحق العام كالقتل، والجرح الجسيم، والاعتداء على الأملاك إحراقًا أو نسفًا أو إغراقًا، والسرقات الجسيمة، ولاسيما ما ارتكب منها بالسلاح والعنف وكذلك الشروع في هذه الجنايات؟».
إننا نعتقد أن الإرهاب مفهوم قانوني ذو بعد سياسي، وأن انعدام الرغبة في الوصول إلى تعريف موحد يعكس حقيقة الوضع السياسي العالمي إضافة إلى المكاسب التي استطاعت الدول الصغيرة أن تحققها في ظل نظام تعدد الأقطاب كتعريف العدوان مثلاً الذي أصبح منذ بداية التسعينات من القرن العشرين أمرًا يصعب تحقيقه في ظل سياسة القطب الواحد، وتظهر الأزمة الأمريكية الأخيرة خاصة أحداث الحادي عشر من أيلول مدى صحّة هذا الاستنتاج، فالرغبة الواضحة لدى الولايات المتحدة الأمريكية هي فقط إنشاء تحالف دولي تقود به العالم لخدمة مصالح خاصة بها، كانت تخطط لها منذ زمن بعيد، مستفيدة من أعمال إرهابية لم يقم الدليل القاطع على ارتكابها من جهة معينة، لتشن حربًا حقيقية ضد شعب سحقته حروب مستمرة منذ أكثر من عقدين من الزمن. لذلك يمكننا أن نؤكد مرة أخرى على أن اتهام النازيين للمقاتلين الفرنسيين أيام الاحتلال الألماني لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية بأنهم إرهابيون لم يغير يومًا من أن هؤلاء كانوا ولازالوا بنظر الجميع مقاتلي حرية، وينسحب الوضع بصورة أكثر وضوحًا، نظرًا للتآمر الدولي على مناضلي الحرية داخل فلسطين وخارجها، وكما أن اتهام البريطانيين لليهود يومًا بأنهم إرهابيون لم يثن بريطانيا عن إمدادهم عسكريًا وبشريًا بآلاف اليهود الذين سُمح لهم بالهجرة إلى فلسطين، على الرغم من اقترافهم لكل صور الإرهاب «حيث لم يثنهم يومًا هذا الإرهاب عن متابعة مسيرتهم، فذهبوا يعيثون في الأرض فسادًا حتى أسسوا دولتهم في جزء من فلسطين، واحتلوا الباقي من أراضيها، وباتوا يقترفون يوميًا، وفي كل أراضي فلسطين كل أنواع الجرائم الدولية ومنها الإرهاب، وذلك دون حسيب أو رقيب، اللهم إلاَّ بعضًا من الضمير العالمي الذي يعي تمامًا أنهم غزاة – طغاة، وأنهم عنصريون يحتقرون الآخرين، ويعتبرونهم أدوات لتنفيذ سياستهم وتحقيق مصالحهم».
وبذلك يمكننا القول دون مغالاة إن الدعوات التي تطلقها بعض الدول من أجل عقد مؤتمر دولي يسعى إلى تعريف الإرهاب، لن تجد آذانًا صاغية، ولكن ذلك لا يمنع، إطلاقًا المنظمات غير الحكومية من أن تلعب دورًا مهمًا في الحث على ضرورة اتخاذ الأمم المتحدة أن تواصل جهودها بعيدًا عن تأثير الدول، إن أمكنها ذلك، من أجل التوصل إلى مشروع تعريف، ويدفع الدول غير الراغبة في تعريف الإرهاب إلى التفكير مليًا قبل رفض مثل هذا التعريف، ومن هذا الاتجاه يعبر العدد الكبير في تعريفات الإرهاب بصورة عامة، عن التأكيد الانتقائي للمفسر. وإذًا ليس من المبالغة القول إن «مصطلح الإرهاب أصبح يعني في أوساط الإدارات المتعاقبة في الولايات المتحدة، وخصوصًا طيلة عهد ريغان معاداة الولايات المتحدة، كما تحددها السلطة التنفيذية الأمريكية وحدها، وعلى الرغم من ذلك، فإن واضعي السياسة الأمريكية وعلماءها يرددون صدى هذا التفكير بقوة حينما يرفضون الفكرة القائلة بأن من يعتبر إرهابيًا من وجهة نظر أحدهم، يعتبر بطلاً أو مناضلاً في سبيل الحريّة من وجهة نظر أخرى».
وهكذا فإن جميع تعريفات الإرهاب التي قدمت حتى الآن من مختلف سلطات الحكومة الأمريكية، نجد أن العامل المشترك الذي لم يتغير هو صفة الفاعل، أي الفرد أو الأفراد العاملين بصفتهم الشخصية فمن تلك التعريفات الشائعة في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً:
1 - تعريف الكونغرس، 1977م «الإرهاب الدولي يشمل... بغض النظر عن جنسية الفاعلين المزعومين».
2 - تعريف وكالة الاستخبارات المركزية 1980م «التهديد الناشئ من العنف... من قبل أفراد أو جماعات».
3 - تعريف مكتب التحقيقات الفيدرالي 1983م «الإرهاب هو ... عمل عنيف أو عمل يشكل خطرًا على الحياة الإنسانية، وينتهك حرمة القوانين الجنائية في أية دولة”.
4 - تعريف وزارة العدل 1984م «سلوك جنائي عنيف يقصد به بوضوح... التأثير على سلوك حكومة ما عن طريق الاغتيال أو الخطف».
ويذهب عدد من تشريعات الولايات المتحدة الأمريكية بعيدًا لدرجة أنه يربط الإرهاب ليس بالأفراد فحسب، وإنما بالأفراد من جنسية معينة أيضًا، فالإرهاب في هذه التشريعات هو نشاط موجه ضد أشخاص من الولايات المتحدة يمارس من قبل فرد ليس من مواطني الولايات المتحدة الأمريكية أو من الأجانب المقيمين فيها بصورة دائمة، وما زلنا نتذكر كيف اتجهت الأنظار لساعات إلى أشخاص بملامح شرق أوسطية عقب تفجير المبنى الاتحادي في مدينة أوكلاهوما حتى تبين أن الفاعل أمريكي مسيحي أصولي.
ومن يدري فقد يُكشف أن الفاعلين في أحداث 11 أيلول لا علاقة لهم مباشرة أو غير مباشرة بابن لادن وحركة الطالبان، فيكون ضرب أفغانستان حتى الإبادة مجرد خطيئة مادية ارتكبتها الولايات المتحدة، وهي تتصرف بغطاء شرعية القرار 1373 الصادر عن مجلس الأمن، هذا إن احتاجت لتغطية قوتها الغاشمة.
ومن خلال ما سبق يمكن القول إن الإرهاب هو استعمال منظم للعنف بشتى مظاهره المادية والمعنوية بشكل يثير الرعب والخوف، ويخلف خسائر جسيمة في الفئات والمنشآت والآليات المستهدفة، بغية تحقيق أهداف سياسية أو شخصية بالشكل الذي يتنافى مع قواعد القانون المحلي والدولي.
إن صعوبة الاتفاق الدولي على تعريف الإرهاب يقودنا إلى نتيجة مفادها أن عملية مكافحة الإرهاب تنبع بالضرورة من وحي التعريف بالإرهاب، وبالتالي فإن المكافحة الدولية للإرهاب وفي غياب مفهوم جاد ترضى عنه شعوب العالم، تظل نسبية، بل عديمة الجدوى، وفي مجتمع دولي تتضارب فيه المصالح بشكل كبير، ويتم بتباين قاتل بين وضع شمال متطور يغزو الفضاء، وجنوب متخلف وفقير يصارع من أجل البقاء، وما دامت شعوب بريئة تقتل، وقرارات أمريكية تصدر باسم الأمم المتحدة، وأخرى ملحّة تُمنع، وأنساق فكرية وتعليمية محلية تُعدّل وتُلغى، وأموال شخصية تجمّد لمجرد الاشتباه بها بذريعة مكافحة الإرهاب.
عوامل وممهدات نشوء الإرهاب
إن من الطبيعي أن تكون الإجراءات التي تطرحها هذه الدول لمنع الإرهاب الدولي كما هو متوقع نتيجة حتمية لفهمها للإرهاب.
وحتى هذه الأعمال الإرهابية، المعنية كان يجب – بتفكير الولايات المتحدة ومؤيديها – أن يرتكبها الآخرون، أي حركات التحرر الوطني ولاسيما في الشرق الأوسط وأفريقيا، بالإضافة إلى ذلك لا توسم هذه الأعمال نفسها بأنها إرهابية إذا كانت أعمالنا، أي إذا كان مرتكبوها أصدقاءنا وفي مثل هذه الحالة كانت عبارات المناضلين من أجل الحرية والديمقراطية مناسبة لوصفهم بالإرهابيين ولا يوجد أي مكان في القاموس الأمريكي الرسمي لأي نوع آخر من الإرهاب مثل إرهاب الدولة المباشر أو غير المباشر، أو الإرهاب الذي يرتكبه المناضلون أو يتعرضون له، كما أن الأسباب الكامنة وراء العنف الإرهابي لا تَرد في خاطرهم، لأنهم يرونها غير ذات موضوع، فالبحث عن هذه الأسباب في نظرهم مضيعة للوقت والجهد، ولا يجب أن يضعف مكافحة الإرهاب كما تعرف حكومات قوية الإرهاب تعريفًا تعسفيًا حسبما يحلو لها، وهذا يفسر رد الفعل السلبي الفوري الذي بدر من دور العالم الثالث وخبرائها القانونيين. ومن الواضح أن طريقة المعالجة هذه التي يراها العالم الثالث هي النقيض الكامل على طول الخط لطريقة أمريكا وغيرها من الدول الغربية. إن ما هو إرهاب حقًا في نظر دول عدم الانحياز حقًا هو العنف الإرهابي الذي تستخدمه أولاً وقبل كل شيء الدول أو عملاؤها ضد الشعوب المناضلة من أجل الاستقلال السياسي، ومن البديهي أن كل طرف حائر حول ما الإرهاب؟ وما الشكل الذي يتخذه آخر الأمر؟ إنما يدافع عن قضية سياسية محضة يطرحها كل طرف ضمن خططه المحددة جيدًا في منظومة العلاقات الدولية.
وتجد دول العالم الثالث الصرخة الأمريكية ضد الإرهاب نفاقًا، وأنها لقضية نبيلة حقًا أن يهتم المرء بالحياة الإنسانية وحرية الإنسان وكرامته. “ولكن من غير المفهوم تركيز الانتباه كله على النظام الواقع على بعض الرهائن على طائرة مخطوفة مثلاً بينما يتم تجاهل الكوارث الواقعة على الأمم التي هي رهائن كلها في جنوب أفريقيا وناميبيا “سابقًا” وفلسطين والبوسنة، والعالم المتحضر لا يقدم لمآسي هذه الشعوب كلها سوى الكلمات الجوفاء والآذان الصماء، وأحيانًا كلمات رنانة لا تقدم ولا تؤخر، مثلما حصل من معظم الدول حيال مجزرة “قانا” في لبنان عام 1996م”.
إن ما يستعصي على فهم دول العالم الثالث أكثر حتى من ذلك هو إطلاق اسم “الإرهاب” على عمل يائس له دوافع سياسية أو وطنية يقوم به فرد أو جماعة أفراد، بينما لا تطلق هذه التسمية على أعمال مماثلة يرتكبها مجرمون يعملون لدوافع ذاتية خاصة، وعندما تزول الأسباب الكامنة، وعندما تطبق الإدانة بعدالة ومساواة فإن الإرهاب سوف يتلاشى من تلقاء نفسه.
إن نقض التقدم أو بُطئه تجاه هذه الأهداف قد أسهم في البؤس وخيبة الأمل والإحساس بالظلم واليأس التي قد لا تكون بحد ذاتها أسبابًا للإرهاب إلاّ أنها أحوال وأوضاع نفسية تؤدي أحيانًا وبشكل مباشر وغير مباشر إلى ارتكاب أعمال العنف “من ذلك موقف الولايات المتحدة من الإرهاب الإسرائيلي مؤخرًا على لبنان وإصرارها على أن سببه هو مقاومة (حزب الله) للاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان منذ 1978م، وليس هذا الاحتلال”.
إن العمل الإرهابي يركز الانتباه العالمي على الإرهابي، وعلى أية قضية قد تزعم أنه يمثلها، وفي هذه الظروف فإن بعض الأعمال لا يمكنها أبدًا بحد ذاتها أن تُحدث تغيرات اجتماعية جذرية، وهي في الحقيقة عمليات اتصال، إن المقصود منها هو جعل العالم يرى أن تصميم الإرهابيين وتفانيهم يكفيان على المدى الطويل لتعويض النقص الظاهر في قوتهم، وبأن قضيتهم مقدسة لديهم أكثر من الحياة نفسها، ويجب النظر إليها بعين الجد والاهتمام، وأنها تستحق التأييد وأنه لا الصديق، ولا العدو، ولا العالم كله قادر على منع نجاحهم في مسعاهم، ولا على ضمان معاقبة أعمالهم وأعمال شركائهم "الموقف العقائدي لحزب الله، وحماس، الجهاد الإسلامي”.
إن البؤس والشعور بالإحباط والظلم واليأس والفساد، والفقر والرشوة، والاختلاسات – الرذيلة، وخيبة الأمل في الأنظمة وقياداتها المتنفذة والجهل، والأمية والمرض، كل هذه المشكلات تؤدي إلى الإرهاب، وهي مشكلات لها جذور كثيرة في الأوضاع المحلية والدولية، الاقتصادية والاجتماعية بالإضافة إلى الظروف الشخصية والنفسية.
* عميد كلية الآداب - جامعة عدن
المراجع في الكتاب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى