المراجحة.. ظاهرة أفرزها الواقع النقدي الجديد في اليمن

> د.محمد عمر باناجه

>
د.محمد عمر باناجه
د.محمد عمر باناجه
عرف التبادل بالعملات (المتاجرة بها بيعا وشراء) ظاهرتين ارتبطتا بتقلبات سعر الصرف الأجنبي في ظل أنظمة الصرف المرنة، الأولى عرفت بظاهرة "المضاربة"، وتعني فيما تعنيه، بيع وشراء العملات الأجنبية في السوق المحلية في ظل تقلبات سعر صرفها أمام العملة المحلية، بغية تحقيق مكاسب عند المتاجرة بها (بيعها) لاحقا.
بكلمات بسيطة، شراء الدولار أو الريال السعودي بكميات معينة من الريالات اليمنية، والاحتفاظ بها لحين يرتفع سعرها لاحقا، وبيعها لقاء كميات أكبر من الريالات التي دفعت عند شرائها، وتحقيق مكاسب مالية من وراء ذلك.
انتشرت هذه الظاهرة بصورة ملحوظة في ظل أنظمة الصرف المرنة، ولعبت دورا سلبيا خطيرا في اقتصاديات البلدان النامية التي قامت بتنفيذ مصفوفة إجراءات التحرير المالي، ضمن برامج الإصلاح الاقتصادي التي تبناها صندوق النقد والبنك الدوليان منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي.
ومن بين أبرز الآثار السلبية التي تسببت-وتتسبب- بها هذه الظاهرة:
- إعادة توزيع الموارد المجتمعية المتاحة لغير صالح التنمية.
- تعطيل الدورة النقدية، وإعاقة انسياب السيولة النقدية إلى القنوات المصرفية.
- الحد من النمو الاقتصادي المستهدف في القطاعات الإنتاجية.
- ارتفاع معدل البطالة.
- سوء توزيع الدخل والثروة، الذي ينجم عنه تكريس التفاوت بين فئات المجتمع.
- انتشار ظاهرة "الدولرة"، التي تعني تحول الدولار إلى وسيلة للدفع بدلا عن العملة المحلية، بل وأحيانا يقوم الدولار بوظيفة النقود القانونية (العملة المحلية) كمقياس للقيمة وأداة للادخار...وغيرها من الآثار السلبية.
أما الظاهرة الثانية التي غالبا ما تكون ملازمة لتقلبات أسعار صرف العملات في بلدان مختلفة، والتي يطلق عليها ظاهرة “المراجحة” أو “المراجحة المضاربية”، وتعني فيما تعنيه، المتاجرة بالنقود القابلة للتحويل (التي يمكن تداولها كمدفوعات دولية) فيما بين البلدان بهدف تحقيق أرباح من وراء تفاوت أسعار صرفها من بلد لآخر.
ويزخر التاريخ النقدي بنماذج من المراجحة المضاربية في أسواق الصرف العالمية (فوركس) كانت وراء بروز أزمات العملات في عدد من البلدان.
و لعل الأزمة الآسيوية التي حدثت في عام 1997 م من بين أبرز تلك الأزمات التي كادت أن تتحول إلى أزمة اقتصادية عالمية لولا تضييق الخناق عليها بعدد من الإجراءات.
ظاهرة المراجحة لا تحدث في السوق الواحدة، بل يشير عدد من التجارب القطرية إمكانية حدوثها فيما بين البلدان، بعد التطور التكنولوجي الذي أتاح سرعة انتقال الأموال. كما أن حدوثها مرهون بلحظات زمنية تغيب فيها المعلومة فيما بين المتعاملين في أسواق الصرف في بلدان مختلفة. بيد أنه سرعان ما يتم اختفاء الفروقات في أسعار الصرف نتيجة لسرعة انتشار وتداول المعلومات في أسواق صرف العملات العالمية (فوركس).
المشهد الاقتصادي في اليمن اليوم وتحديدا في الجانب النقدي جعل ظاهرة المراجحة المضاربية تبرز في داخل البلد الواحد، كحالة فريدة لم يشهد التاريخ النقدي لها مثيلا في أي بلد آخر في أي زمن.
فالمتابع للتغيرات التي طرأت- وتطرأ- بشكل شبه يومي، بل وأحيانا في اليوم الواحد، لأسعار صرف العملات في السوق المحلية، يجد أنها تتفاوت فيما بين المحافظات أحيانا. حيث- مثلا- نجد سعرا للدولار في محافظة يقل عن سعره في محافظة أخرى في ذات اللحظة، الأمر الذي يغري المتاجرين بالعملات في المحافظات التي ينخفض فيها السعر لبيعه في المحافظة التي يرتفع فيها السعر، وذلك بغية تحقيق مكاسب مالية من هذه العملية.
هذا الوضع غير السوي لابد له من معالجة لأنه مع الزمن تستفحل هذه الظاهرة وتكون لها تداعيات غير صحية على مجمل النشاط الاقتصادي.
لاسيما وأننا الآن قادمون على تنفيذ خطة في تصحيح الواقع النقدي، كان قد أعلن عنها محافظ البنك المركزي الجديد، تبدو من ملامحها الجدية في رغبة المحافظ في أن يعيد الثقة بالجهاز المصرفي ليلعب دوره التمويلي في التنمية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى