الإرهاب.. أوروبي المولد - أمريكي التهجين (5)

> أ. د. علوي عمر مبلغ*

> الإرهاب الدولي في السبعينيات ومطلع الثمانينيات
أ. د. علوي عمر مبلغ
أ. د. علوي عمر مبلغ

لقد استمرت ظاهرة الإرهاب في الوجود كمشكلة خطيرة في الثمانينيات خاصة مع استمرار وجود المشكلات الدولية الساخنة مثل الموقف في الشرق الأوسط، واستمرار احتلال إسرائيل للأراضي العربية، وظهور العناصر الإسرائيلية الإرهابية المتطرفة، والموقف المتفجر في المنطقة، ثم الصراع في أفريقيا، وأمريكا اللاتينية، والهند، وأفغانستان، والعراق، وجنوب شرق آسيا.
أما في أوربا فما زالت نشاطات الحركة الوطنية الانفصالية قائمة ومستمرة، مثل منظمة تحرير الباسك في إسبانيا، والمنظمات الانفصالية بإيرلندا الشمالية وكرواتيا بيوغسلافيا، والمنظمات الأرمينية الانتقامية، ثم أيضًا حركات المعارضة الأوربية القوية لوجود الولايات المتحدة الأمريكية وسياستها في أوروبا، وحركة معارضة التسليح النووي، والاتجاهات المعادية لحلف الأطلنطي، “وسجلت العمليات الإرهابية الدولية التي أعلن عنها العالم وحتى قبل عقدين من الزمن أي حتى عام 1982م حوالي 794 عملية إرهابية دولية، حيث تفيد الدراسة الإحصائية أن الإرهاب الدولي قد أصبح أوسع انتشارًا من الناحية الجغرافية حيث يشمل حوالي 71 دولة من دول العالم، ووقع ثلث العمليات الإرهابية في أوروبا".
"ولقد توزعت هذه العمليات الإرهابية" على النحو الآتي:

"التوزيع الجغرافي للعمليات الإرهابية":

"أنواع المجني عليهم في عمليات الإرهاب الدولي":

وأخيرًا يلاحظ أن الأعمال التي يقوم بها ضحايا الأفعال الإرهابية المذكورة أعلاه ليست محللة أو مبرأة بصورة عامة، بل إنها تبقى أعمالاً إرهابية، غير أن دوافعها وهو كونها مضادة للإرهاب يمكن النظر إليه بوصفه عاملاً منخفضًا لو أن قضية الفاعلين المظلومين المقهورين تم عرضها ضد قاهريهم وظالميهم الأصليين على محكمة جنايات دولية، “وهناك حاجة شديدة لوجود مثل هذه المحكمة" أو لو أن القضية عرضت للتحكيم أمام سلطة محايدة غير منحازة.
ومن هذا المنظور نكون قد عبّرنا عن وجهة نظرنا تجاه الإرهاب كظاهرة تاريخية.
خصائص ومميزات الإرهاب
إن العنف الذي يمارسه الإرهاب ليس مقصودًا في حد ذاته، فهو وسيلة وليس غاية، فأعمال القتل والاغتيال التي توجه للقادة السياسيين أو ممثلين السلطة أو الأشخاص الرمزيين، إنما تهدف إلى إنشاء حالة من الرعب والخوف، أكثر من مجرد التخلص من بعض الأشخاص، الذين قد لا يكونون في موتهم تحقيقا لأي هدف. إذ إن القول بضرورة استخدام العنف، يخرج عن نطاق الإرهاب العديد من الأفعال التي تعد من صميم الأفعال الإرهابية، مثل تعطيل الاتصالات باستخدام الوسائل الإلكترونية، أو غمر البلاد بالعملات النقدية المزيفة التي تلحق الضرر بالاقتصاد الوطني، أو إرسال خطابات بريدية تحمل ميكروبات وبائية.. إلى غير ذلك من صور الضرر البالغ التي لا يستخدم فيها العنف.
وما دام العنف في حد ذاته أقل أهمية من نتائج استخدامه، لأن المقصود في استخدام العنف هو إنشاء حالة من الذعر والرعب تؤثر في اتخاذ القرار فالأثر النفسي الذي تحدثه الواقعة الإرهابية هو الهدف من الواقعة وليس ضحاياها، فالعنف الحقيقي موجه في رسالة إلى المجتمع أو المجموعة السياسية المناهضة أو متخذي القرار في الدولة، وهذه الرسالة تتمثل في حادث القتل أو الخطف أو الحريق، حيث يحمل ضحاياها معنىً موجهًا للآخرين بأن كل شخص وكل مكان معرض لهجوم الإرهاب.
وعلى هذا الأساس يحمل تعبير “التهديد بالعنف” خاصة جوهرية من خصائص الإرهاب، وهي العامل النفسي الذي يحدثه فعل العنف وما يحمله من تهديد مسلط، يحقق على المدى هدف الإرهاب من تحقيق ما يسمى بمحصلة الرعب، وهذه المحصلة أو النتيجة لا تحقق إلا إذا أنتج العنف تهديدًا متصلاً.
التنظيم المتصل للعنف
وهذه هي الخاصية الثانية، حيث أن العنف في النشاط الإرهابي لا يمكن أن يحدث أثرًا في خلق حالة التهديد كمحصلة أو منتج للعنف الإرهابي، إلاّ إذا كان ذلك العنف منظمًا من خلال حملة إرهاب مستمرة فالعمل العنيف مهما كانت نتائجه وآثاره على المستوى الوطني والدولي، لا ينتج أثرًا في إحداث حالة التهديد إلا إذا كان جزءًا من مجموعة منظمة من النشاطات الإرهابية، والمقصود بكلمة المنظمة، أن يكون النشاط متصلاً ومتسعًا من خلال عمليات أو مشروعات إرهابية تؤدي إلى خلق حالة الرعب، فعمليات الاغتيال السياسي الفردي التي يقوم بها شخص أو مجموعة أشخاص مدفوعين بفكرة وطنية أو متطرفة، لا تخلق حالة تهديد إن لم تكن متصلة بأنشطة أخرى أو جزءًا من نشاط منظم، فاغتيالات الرؤساء الأمريكيين ابتداءً من إبرهام لنكولن حتى جون كيندي، والشروع في اغتيال ريغان، كانت جميعًا عمليات فردية أو مجموعة من الأفراد إلاّ أنها لم تحقق أثرًا في إحداث التهديد العام، ولكن حادث اغتيال الأمير رودلف ولي عهد النمسا عام 1914م أدى إلى قيام الحرب العالمية الأولى لأن الواقعة ارتكبت من مجموعة منظمة تسمى جبهة تحرير صربيا، التي كانت تسعى – بتأييد خارجي إلى استقلال الصرب عن إمبراطورية النمسا.
هناك خطأ شائع في كثير من الدراسات نتج عن وقوع بعض العمليات الإرهابية على أشخاص لا دخل لهم في النزاع، وإنما وقعوا ضحايا بالصدفة لمجرد وجودهم على ظهر طائرة أو في مبنى أو منشأة وقعت عليها عملية إرهابية مما يجعل هؤلاء يقعون قتلى أو جرحى في قضية لا يعرفون عنها شيئًا، أو أن تقع العملية الإرهابية على أرض دولة ثالثة لا دخل لها في الصراع، مما دعا الكثير من الباحثين في الإرهاب إلى القول بأن “الإرهاب هو جرائم عشوائية تقع في أهداف غير منتقاة في العادة”، ولكن الحقيقة أن هذه العشوائية في عمليات الإرهاب مقصودة
أيضًا لكي تعطي الانطباع بأن كل إنسان في أي مكان معرض لأن يكون ضحية للإرهاب، وهذا ما يعطي لمفهوم التهديد أثرًا عميقًا وفعالاً ومنتجًا للرعب.
إن الخاصية الأخرى في أن ما يميز الإرهاب عن صور عديدة من الجريمة المنظمة هو أن الإرهاب يسعى إلى تحقيق أهداف سياسية، وليس الحصول على مكاسب مادية من وراء عملياته، إن هدف العمليات الإرهابية النهائي هو القرار السياسي، أي إرغام دولة أو جماعة سياسية على اتخاذ قرار معين أو الامتناع عن اتخاذ قرار تراه في مصلحتها، ما كانت تتخذه أو تمتنع عن اتخاذه لولا الإرهاب.
- إن هذه الخاصية السياسية للإرهاب تعطيه القدر من الأهمية والخطورة التي يحظى بها، فالجرائم العادية أو المنظمة مهما بلغت درجتها من العنف والتنظيم، لا تشكل في العادة ضغطًا مؤثرًا على اتخاذ القرار السياسي، فقد تؤثر الجريمة المنظمة بصورة أو بأخرى على سلامة الجناة السياسية في الدولة، حيث تحمي العصابات بعض رجال السياسة، وتفرضهم على المجالس النيابية أو تستخدم نفوذها لتحقيق مصالح لها في الدوائر الحكومية، ولكن ذلك كله يمكن أن يندرج تحت وصف الفساد السياسي في الدولة، وعادة ما ينصب على إتاحة الفرصة لتلك العصابات لممارسة نشاطها بقدر من الحرية يحقق لها مصالح مالية في الكسب غير المشروع، إلا أن ذلك لا يمثل صورة من صور الصراع السياسي، بل هو ظاهرة اجتماعية داخلية، تتطلب تضافر قوى الإصلاح في المجتمع لمحاربة تلك الظواهر والقضاء عليها.
- الإرهاب كبديل للاستخدام العادي للقوة التقليدية في الصراع، فقد يكون الإرهاب سلاحًا للضعيف الذي لا يملك عناصر القوة التقليدية لغرض أهدافه، وقد يكون سلاحًا تستخدمه دولة أو قوة إقليمية أو عالمية، لتحقيق أغراض سياسية بالنسبة لدولة أو قوة إقليمية أو عالمية أخرى، حيث لا تستطيع أو لا ترغب في استخدام القوة العسكرية التقليدية في هذا المجال لسبب أو لآخر، وهذا ما يجعل الإرهاب وسيلة أو أسلوبًا أو سلاحًا في نطاق الصراع الداخلي أو الدولي، ومن هذا المنطلق فإنه لا يمكن الخلط بين استخدام الإرهاب بواسطة الدولة في نطاق العلاقات الدولية، وبين دكتاتورية الدولة أو أعمالها غير المشروعة في التعامل مع خصوم النظام السياسي في الداخل، إن هذه الخاصية للإرهاب تؤكد على دوره في الصراع، وتفرق بينه وبين أعمال العنف الأخرى التي ترتكب لأسباب فردية أو جنائية أو حتى سياسية، لأن استخدام البديل للقوة العادية يستلزم أيضًا التنظيم والنسق والاستمرارية وهو ما تفتقر إليه الجريمة السياسية العادية، حتى إذا ما افترضنا جدلاً أن جرائم العنف تدخل في نطاق الجريمة السياسية.
ومما سبق ذكره نستطيع أن نلخص خصائص الإرهاب في التعريف الآتي:
- الإرهاب هو عنف منظم ومتصل بقصد خلق حالة من التهديد العام، الموجه إلى دولة أو جماعة سياسية، والذي ترتكبه جماعة منظمة بقصد تحقيق أهداف سياسية.
- لا يمكن تصور ظاهرة الإرهاب وحدوثها في فرد واحد، وإنما تتطلب توافر تنظيم قادر على القيام بالعمليات الإرهابية التي أصبحت أمرًا معقدًا يحتاج إلى درجة عالية من التخطيط والتمويل والتسلح، كما أن العملية الإرهابية في أيامنا هذه، تحتاج إلى العديد من الخبرات والمهارات المتعاونة التي تنفذ خطة دقيقة ومحكمة وإلا قضي عليها بالفشل، ونتيجة لتطور وسائل التأمين والاتصال والانتقال، وتعقد استخدام الأدوات المركبة، أصبح تصدي فرد واحد لعملية إرهابية نوعًا من الانتحار، فإن لم يكن وراءه تنظيم فإن عمله يفقد الاستمرارية والتواصل، ومن ثم يصبح عملية فردية وليست إرهابًا.. ومعنى ذلك أنه وإن كان من الممكن أن يقوم فرد واحد بتنفيذ عملية إرهابية، فإن عمله هذا يجب أن يكون جزءًا من حملة منظمة للعنف حتى يصبح عملاً إرهابيًا.
“والواقع أن الإرهاب أصبح نشاطًا بالغ التعقيد حيث تديره منظمات على قدر عالٍ من التنظيم والتدريب والتسليح والمعرفة الفنية، بل الأكثر من ذلك تديره أحيانًا مخابرات بعض الدول، كأحد أساليب الصراع على الساحة الدولية”.
"إن حوادث العنف الأخيرة “العنف والعنف المضاد”، تدمير مركز التجارة العالمي، وجزء من البنتاجون والعدوان على الشعب الأفغاني بالرغم من الضحايا الأبرياء من الطرفين كانت صدمة لكل الأطراف وربما نقطة تحول في تاريخ العالم، إنها الحرب العالمية الثالثة في أول القرن الحادي والعشرين في صيغ جديدة تتجاوز الجبهات التقليدية بين الجيوش والدول والمعسكرات بين عدوين معروفين، يختلط فيها الواقع بالخيال، وتمتزج فيها الحقائق بالأشباح، ويخلق العدو من الوهم”، “ويتعلم العرب أن الإحباط يولد الانفجار وأن العجز يؤدي إلى العنف وأن الصمت ينتهي إلى الصراخ، وأن حوادث سبتمبر الأخيرة إنما كانت رد فعل طبيعي على الصمت الغربي على ما يحدث في فلسطين بعد عام من انتفاضة الاستقلال، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ وتصفية القيادة، وتجريف الأراضي، وهدم المنازل، وتأييد أمريكا لما تفعله إسرائيل بالإعلان أو الصمت، ووصف المقاومة الفلسطينية بأنها إرهاب”. يتعلم العرب أن المقاومة أفضل من الصمت وأن العمل خير من السكون، فالعدوان الصهيوني على فلسطين نتيجة طبيعية للعجز العربي، والصمت العربي واستجداء الولايات المتحدة الأمريكية والرأي العام الدولي، والمنظمات الدولية. وتعود القضية الفلسطينية إلى مسارها الصحيح بعد أن رأى العالم كله آثار الإرهاب الصهيوني عليها، وعرف الفرق بين إرهاب الأفراد وإرهاب الدول، بين الإرهاب كفعل والإرهاب المضاد كرد فعل بين الإرهاب القاهر والإرهاب المحرر.
* عميد كلية الآداب - جامعة عدن
المراجع في الكتاب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى