المأساة الإنسانية فيها متواصلة للعام الثاني.. قرى مريس الغربية بالضالع.. 20 قتيلا وأكثر من 40 جريحا من الأهالي بقصف حوثي

> تقرير/ علي الأسمر

> للعام الثاني على التوالي يعيش المواطن قاسم المريسي (سبعيني العمر) وأحد أبناء منطقة مريس شمال محافظة الضالع مع أفراد أسرته في قرية القرين بمديرية الحصين، بعيدًا عن مسقط رأسه بقرية سون، بعد أن أجبر على النزوح عقب سيطرة المليشيا على جبلي ناصة ومرمق المطلان على قرى مريس، وفرضها حصارا على أهالي القرى واستهداف كل ما يتحرك بالقصف والقنص.. تاركا خلفه منزله ومزارعة التي أتُلفت بالقصف والإحراق عمداً من قبل المليشيات.
أجبر الحنين للديار الشاب محمد (20 عاما) وهو نجل الحاج قاسم المريسي على زيارة قريته ومنزله ومزارعه الخاصة، وما أن وطأت قدماه وادي سون إلا وأمطره مسلحو الحوثي المتمركزون في جبلي ناصة ومرمق بوابل كثيف من الرصاص، في استهداف مباشر، كان القدر محالفاً لمحمد لينجو من الموات بأعجوبة، بعد أن أصيب بطلق ناري في الفخذ، نُقل على إثره إلى أحد مشافي مدينة قعطبة ثم مدينة الضالع».
ويضيف محمد في سرد قصته لـ«الأيام»: «كدت أن أدفع حياتي ثمنًا لزيارة مسقط رأسي»، وبغضب يتساءل: «مَن أباح لهؤلاء المسلحين بشعار الموت أن يُهجرونا من منازلنا ومزارعنا؟!، من أباح لهم قتل الحياة في مناطقنا؟!».
ويقول: «ولولا الجيش والمقاومة لكان الحوثيون قد احتلوا منازلنا وقاموا بتهجير من تبقى من الأهالي الذين تقع منازلهم في خفية عن أعين الحوثي».
*الحكاية منذ البداية
الحاج قاسم المريسي وأسرته من مئات من الأهالي بقرى مريس الغربية، الذين نزحوا بعد أن جعلت منهم المليشيات هدفًا للقصف والقنص، وإطباق الحصار عليهم، تركوا على إثرها قرى متعددة من مريس والضالع في نزوح إجباري، للعام الثاني على التوالي.. ولم تنتهِ قصته بعد!.

وبدأت قضية نزوح أهالي قرى مريس الغربية (الرحبة، الصلول، الجدس، القفلة، سادة، البيض، سون)، قبل عام ونصف، وتحديدا في 7/10/2016 مع سقوط قرية رمة بأيدي مسلحي الحوثي والمتمركزين على الجبال المطلة على القرى الغربية من مريس، وكذا المنازل الواقعة تحت الجبال التي اتخذوا منها متارس ومواقع لمواجهة قوات الجيش الوطني التي بدورها شكلت جبهة صد في الجبال المقابلة لمنع تقدم المليشيات نحو قرى مريس وقعطبة، الأمر الذي أجبر الأهالي على النزوح وترك منازلهم عنوة بعد أن أدركوا أن البقاء فيها سيكلفهم ثمناً كبيرا».
*الطريق إلى سون والرحبة
في طريقنا إلى قرى مريس الغربية توقفت سيارتنا على الخط العام بمنطقة الزيلة، فدخول السيارات لم يُعد ممكنا لسهولة استهدافها من قبل الحوثيين المتمترسين بجبل ناصة، حتى وإن كانت سيارات مدنية، فقد أحرقوا ثلاث سيارات لأهالي المنطقة، باستهداف مباشر من الجبل، بحسب تأكيد راصدين حقوقيين محليين لـ«الأيام». وعلى متن دراجة نارية واصلنا رحلتنا، نحو قرى مريس، وعلى غير العادة لم يقم مسلحو الحوثي بإطلاق النار علينا من رشاشاتهم المتوسطة، الأمر الذي أثار حفيظة واستغراب سائق الدراجة النارية (أبو حياة)، وقال: «حظنا اليوم جميل، يبدو أن صاحب الرشاش 14/7 نائم».

بعد ما يقارب 18 دقيقة وصلنا إلى مدخل قرية سون، وهناك أول ما يفاجئك رؤيته مشهد وادي سون والرحبة الذي يُعد من أكبر أودية مريس، وقد أتلفت أشجار المزارعين فيه بشكل تام جراء الحصار ومنعهم المزارعين من رعايتها، وفي أحد جوانبه يظهر أيضاً مشهد آخر يكشف جانبًا من حجم المأساة، حيث تم إحراق كثير من المزارع.
يقول المواطنون إنها أُحرقت جراء قصف الحوثيين، أو بتعمد حرقها بعد أن رشوها بمادة البنزين وإضرام النيران فيها».
وفي المنازل الواقعة خلف جبل يحميها من الاستهداف شاهدنا جانباً من الحياة في ميدان قرية سون حيث يلعب بضعة أطفال كرة القدم، فيما بدت قرى: الرحبة، الصلول، الجدس، وقرى أخرى خاوية على عروشها بسبب النزوح».
*معاناة قاسية
واستنكر فتح الحميدي، وهو مواطن من أهالي قرية سون، إهمال وسائل الإعلام لمعاناة أهالي قرى مريس الغربية والتي بلغت أشدها نتيجة لحرمانهم من مصادر دخلهم أو من السكن في منازلهم.
ووجه الحميدي عبر «الأيام» مناشدة للمنظمات والهيئات المعنية بحقوق الإنسان بسرعة النزول والاطلاع على حجم ما وصفها بالمأساة التي بات الأهالي يقاسونها منذ فترة زمنية.
*من قِبلة للباعة إلى وادي أشباح
يقول عقيل الحميدي: «كان وادي سون والرحبة يعد من أكبر أودية مريس، يأتي إليه المواطنون والباعة من كل المحافظات، حيث يجدون فيه الرزق والخير، ويفضلونه على ما سواه، علاوة عمّا يمتاز به أهل القرية من السماحة واليسر في البيع والشراء».
ويضيف: «كان هذا الوادي أشبه بسوق عام فمعظم الباعة والمزارعين والأهالي فيه على مدى اليوم والحركة لا تتوقف فيه حتى في فترة الليل، وتزاد فيه حركة البيع والشراء في شهر رمضان المبارك».
وأبدى الحميدي أسفه لِما وصل إليه حال الوادي حيث يقول: «بعد الحرب الظالمة التي فرضت علينا، أصبح وادي أشباح لا تسمع فيه إلا أصوات الرصاص، ولا تشم فيه إلا رائحة البارود، بل إن الدخول إليه أضحى مغامرة قد تكلف المرء حياته».
*خسائر بمئات الملايين
يُعد محصول القات في هذه المنطقة مصدر الدخل الوحيد للأهالي، وتضاعفت معاناة المواطنين بعد أن فقدوا مصدر دخلهم الرئيس بتلف معظم المزارع بمنعهم من قبل المليشيات من تعهد وسقي مزارعهم، واستهداف من يقترب منها بالرصاص الحي أو بالقصف والحرق العمد لمزارع القات.
وأكدت مصادر متعددة لـ«الأيام» أن خسائر المواطنين جراء تلف مزارعهم منذ عام ونصف يتعدى خمسمائة مليون على أقل تقدير.
*إحصائيات حقوقية
وبحسب إحصائيات قام بها فريق اللجنة الوطنية لرصد الانتهاكات، فإن قرى غرب مريس: رمة، الرحبة، سون، الصلول، حجلان، البيض، الجدس، الواقعة تحت جبل ناصة الذي تسيطر عليه المليشيات مازالت تشهد حصارًا متواصلا للعام الثاني على التوالي.

وقال الناشط الحقوقي وراصد اللجنة الوطنية للتحقيق في الانتهاكات محمد أبو طلعة لــ«الأيام» إن «عدد القتلى من المدنيين من أهالي قرى غرب مريس، منذ عام ونصف بفعل القصف أو القنص، وصل إلى 21 قتيلا بينهم طفلان، وإصابة وجرح 40 بينهم 5 نساء و11 طفلا، بالإضافة إلى تضرر ما يزيد عن 150 منزلا منها 3 تهدمت بشكل كلي، وإعطاب ثلاث مضخات مياه للري والشرب، وتضرر 11 سيارة، منها سيارتان أحرقتا كليا وثلاث دراجات نارية، وقتل 30 رأسا من الأغنام».
وتسببت الحرب الدائرة والقصف المستمر على المنطقة في إغلاق معظم المدارس للعام الثاني، الأمر الذي حرم ما يقارب من 1500 طالب من التعليم، بحسب الناشط الحقوقي أبو طلعة.
*مأساة النزوح
ورصدت عدسة «الأيام» الأوضاع المأساوية التي يعيشها النازحون ممن اتخذوا إحدى المدارس بمريس مكاناً ومأوى لهم ولأفراد أسرهم، والذين يفتقرون فيها للفرش وأدوات الطبخ المنزلي، علاوة على الافتقار للمواد الغذائية.
 نازحون من قرى غرب مريس
نازحون من قرى غرب مريس

وقال عدد من النازحين إنهم لم يتلقوا مساعدات إلا عددا من المرات من قبل منظمات الإغاثة، وغياب للمرافق الصحية التي يلجؤون إليها لعلاج مرضاهم، عدا مركز صحي فتح مؤخرا في غول الديمة بجهود خيرين، يفتقر لأبسط المقومات وتنعدم فيه الأدوية، وسط انتشار للأمراض والأوبئة في صفوف الأهالي، فالمركز يستقبل كل يوم- بحسب القائمين عليه- أعدادا من حالات الإسهالات الحادة في أوساط الأطفال.
*احتجاجات
وقبل ثلاثة أيام قام عدد من أهالي قرى مريس الغربية باحتجاجات استمرت ليومين، على الخط العام بمنطقة مريس، طالبوا من خلالها برفع المعاناة عنهم. وأكد محتجون لــ«الأيام» أن مطلبهم هو تحرير منطقتهم ومساواتهم بغيرهم فيما يخص دمج المقاومين في صفوف الجيش الوطني باللواء83 مدفعية، وعلاج الجرحى.
وبين استمرار الحصار وقصف المليشيات وتوقف جبهة مريس عن التقدم منذ ما يزيد على عام ونصف، تبقى معاناة أهالي القرى الغربية لمريس مستمرة، بانتظار فرج من السماء لعله يكون قريبا.
تقرير/ علي الأسمر

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى