وصل فيها سعر الـ20 لترا من الماء إلى 300 ريال.. الجفاف يضرب القبيطة والهلال الإماراتي يمد أكبر مشروع إنقاذ

> تقرير/ عبدالله مجيد

> ما أن ينهي أطفال وفتيات قرى القبيطة ساعات دراستهم للمرحلتين الابتدائية والثانوية في مناطق: الكرب، والعُليبة، والسعادنة الواقعة على قمة جبل منيف وسط المديرية حتى يتوجهوا إلى بئر منطقة الربوع بأسفل الجبل بنحو 1000 متر تقريباً، لجلب بضعة لترات من الماء على ظهورهم النحيلة.
يقطع نوري حمود القحطاني (10 أعوام) بجسمه النحيل وساقيه الدقيقتين يومياً قرابة الثلاث ساعات ذهاباً وإياباً مشياً على الأقدام ليحضر دبة ماء سعة خمسة لترات، نتيجة لشحة المياه الشديدة.
يقول أبوه: "يصل ولدي إلى البيت وقد شرب جزءا من الماء، نظراً لبعد المسافة ووقوع القرية بأعلى الجبل، بل إن ما يحضره لا يتساوى مع المشقات والمتاعب التي يقاسيها لوعورة الطريق في الجبل".
وأضاف في حديثه لــ«الأيام» بعد أن أخرج زفرة قوية من أعماق جوفه: "المشهد هذا بات مألوفاً لأبناء المنطقة، فإذا ما نظرت لصدر هذا الجبل وقت الظهيرة حين اشتداد حرارة الشمس سترى الأطفال والنساء وهم في صفوف وجماعات صعودًا ونزولًا، حاملين دبب الماء على رؤوسهم وظهورهم وبأحجام مختلفة".
ويضطر النساء والأطفال على حمل الماء بهذه الطريقة؛ لعدم توفر الحمير، إلى جانب وعورة الطريق.
*المعاناة مستمرة
وفي بطن الوادي تتواصل مهمة البحث الشاقة عن المياه نتيجة لشحتها وتواجدها في بئر واحدة بالقرب من سوق الربوع بالمديرية.
يقول حمود القحطاني في حديثه لـ«الأيام»: "اضطر الأهالي بسبب الازدحام الكبير على البئر إلى تقسيم الحصول على الماء منها إلى أيام معينة وبالتناوب بين قرى المنطقة والمناطق المجاورة".
*بيع المواشي والأبقار
وأوضح الحاج علي ناجي (سبعيني العمر)، أن أزمة المياه الحالية لم تشهدها المديرية سابقاً، حيث أجبر على إثرها المواطنون على بيع أغنامهم وأبقارهم التي لم تُفارق منازلهم أبدا.
وبصوت مشحون بالحسرة والندم يضيف: "لم أستطع أن أُحافظ على بقرتي.. بعتها الأسبوع الماضي بنصف قيمتها، بسبب قلة الماء وارتفاع أسعار العلف، وإن لم أقم بذلك حتماً ستموت عطشاً وجوعاً".

وعُرف عن أبناء المديرية تربيتهم للمواشي والأبقار، كصفة وميزة ملازمة لهم توارثوها جيلا بعد جيل، للطبيعة الجغرافية التي تتميز بها القبيطة، غير أن ندرة تساقط الأمطار في الفترة الماضية وخلو خزانات المياه الرئيسة التي يتم تجميعها في مواسم الأمطار، وبعدهم عن الآبار لموقعهم بأعالي قمم الجبال أجبرهم على بيع مواشيهم بثمن بخس.
كما تسببت هذه المشكلة الخدماتية بتعريض الكثير من الأطفال والنساء لعدد من المعاناة والأمراض فضلاً عن الرضوض نتيجة التعثر والسقوط لوعورة الطرق الجبلية.
*كثافة سكانية
وتحتل مديرية القبيطة المرتبة الأولى من حيث كثافة السكان على مستوى محافظة لحج حيث بلغ عدد سكانها (159821) نسمة، والمرتبة الثانية في المساحة بعد مديرية تُبن، المقدرة بـ(1045) كم2.
وتتكون المديرية من أربع عزل إدارية هي: اليوسفيين، الهجر، القبيطة، بالإضافة إلى كرش والتي ضمت لها وفقا للقرار رقم (33) الصادر بتاريخ 28يوليو 1998م بعد أن كانت تابعة لمديرية تُبن.
*واقع مُؤلم
وأوضح مدير عام المديرية عماد أحمد غانم أن "أبناء المديرية تعرضوا منذ بدء الحرب في شهر مارس 2015م بين مليشيات الحوثي المدعومة بقوات علي صالح وأفراد المقاومة المسنودين بالجيش لأصناف كثيرة من المعاناة، كان أبرزها القتل والجرح والتشرد، وهدم المنازل، وتلغيم الأراضي والطرقات، والحرمان من التعليم".
وقال في تصريحه لـ«الأيام»: "على الرغم من تحرير الكثير من القرى والأماكن في القبيطة إلا أن شبح الحرب والقصف عن بعد وتهديد الألغام المزروعة ما يزال قائمًا، فضلاً عمّا خلفته من دمار لكل المرافق الحكومية والمصالح العامة، وفي مقدمتها محكمة المديرية والنيابة، والأمن، وعدد من المراكز والوحدات الصحية، وأكثر من تسع مدارس للتعليم الأساسي والثانوي، وإجبار ما يزيد عن ثلاثة آلاف طالب وطالبة بتلقي التعليم تحت الأشجار والخيام، بالإضافة إلى تشريد (3019) أسرة نازحة، منها (851) في مناطق آمنة و(2210) أسر نزحن إلى مديريات: المُسيمير، تُبن، الحوطة، الحبيلين، مديريات يافع، والضالع، والعاصمة عدن، وتُعاني تلك الأسر أشد المعاناة في تجمعات نزوحها لأكثر من ثلاث سنوات".
*توقف الموارد
وأوضح غانم أن "الحرب تسببت بتوقف الموارد الإرادية المحلية والمشتركة حتى الوقت الحاضر، وأجبرت أعضاء المكاتب التنفيذية للنازحين خارج المديرية بممارسة أنشطتهم من المجمع الحكومي المؤقت الواقع في مثلث العند، أو من منطقة العند كإدارة أمن المديرية، والأحوال المدنية، والتربية والتعليم، ومكتب الصحة، والسلطة المحلية"، مؤكداً في ذات السياق بأن "موظفي المكاتب يُمارسون مهامهم واجتماعاتهم بصورة منتظمة ودورية، وأن العمل يسير بصورة جيدة في كل من مكتبي الصحة والتربية بما فيها العزل غير المحررة رغم الظروف الصعبة وشحة الإمكانات المخصصة للمديرية والتي لا تتجاوز الـ100 ألف ريال فقط، 60 منها اعتماد المدير العام، و20 ألفاً لكل من مكتبي التربية، والصحة، ولا اعتماد لإدارة الأمن التي تفتقر حتى لوسيلة نقل أو أي طقم عسكري لتأدية المهام الموكلة لقيادتها".

*الحلم يتحقق
وأكد مدير عام المديرية، في سياق تصريحه لـ«الأيام» أن "إدارته استطاعت من خلال المنظمات المعنية التي تمكنّت من الوصول إليها من التخفيف من معاناة المواطنين والأسر النازحة عبر ما تقدمه من مساعدات متعددة كالمساعدات الغذائية، والإيوائية، وفي مجال الصحة العامة والتربية والتعليم وغيرها".
وأوضح أن "من أبرز المشكلات التي تواجهها إدارته وتبذل جهداً كبيراً لتجاوزها هي أزمة المياه التي باتت تضرب مناطق المديرية من خلال التواصل واللقاء بجهات عدة، وفي مقدمتها مسؤولو الهلال الأحمر الإماراتي، وطرح عليهم معاناة الأهالي، لاسيما النساء والأطفال"، مؤكدًا أن "تلك الجهود أثمرت ببدء تحقيق الحلم الذي طال انتظاره على أرض الواقع منذ أيام بتنفيذ المرحلة الأولى من المشروع الخاص بالمياه وبتمويل وتنفيذ من قِبل الهلال الأحمر، عبر إزالة الشوائب من البئر الارتوازية بمنطقة الربوع والتي يعود تاريخ حفرها إلى العام 1984م، وإجراء ضخ تجريبي عليها؛ لمعرفة كمية المياه إن كانت ستُغطي المناطق أم يتطلب الأمر بحفر بئر ارتوازية أخرى".
وأوضح أن "المشروع، والذي سيُنفذ على أربع مراحل، من شأنه أن يُغذي الكثير من القرى عن طريق العديد من المضخات والخزانات التي حُدّدت مواقها من قِبل الفريق الخاص بالمشروع في مناطق: الربوع، والدخينة، وبني حِمد، وصولاً إلى منطقة شوحط وما جاورها، إلى جانب مناطق شنين، ونجد البرو، ومنطقتي الأعشار، وحرذ التابعتين لكرش.
وللتخفيف من معاناة فتيات وأطفال أبناء هذه المناطق والذين يبذلون الكثير في سيبل الحصول على الماء من مناطق بعيدة يقطعون خلالها مسافة تصل إلى نحو ثلاث ساعات، بدأ الهلال الأحمر الإماراتي بتوفير خزانات مياه لتلك المناطق وتغذيتها بواسطة بوزتين (صهريجين) بعملية إنسانية ستستمر حتى إنجاز المشروع".

وأشار غانم، في سياق تصريحه لـ«الأيام» عن أوضاع المديرية، إلى أن "منطقة الجريبة بكرش اُعتمد لها أيضاً مشروع خاص لبئر جوبح، من قِبل مدير مشاريع مياه الريف لمحافظة لحج والضالع م. أنو المرفدي، يتضمن توفير مضخة وبناء خزان عام بجانب منزل علي غالب سالم؛ لتوزيع المياه إلى قرى الجريبة والسُفيلى والحدب"، مؤكداً بأن "المشروع سينفذ فور إنزال المناقصة الخاصة به عمّا قريب".
*خطر الألغام
وأوضح مدير عام المديرية عماد أحمد غانم أن "أبطال المقاومة الجنوبية المسنودين الجيش الوطني حققوا خلال الفترة الماضية الكثير من الانتصارات بتحرير عدة مواقع مهمة واستراتيجية بدعم ومساندة من دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدية، والتي من شأنها أن تُمكّن الأسر النازحة من العودة إلى مساكنها وقراها، وستُمكنّا أيضاً من حصر أضرار الحرب في المديرية وإدخال المنظمات المعنية ومساعداتها الإنسانية والخدماتية للمناطق المحررة، رغم أننا سنواجه إشكالية خطيرة متمثلة بشبكات الألغام المزروعة في تلك المناطق.. ولهذا نتمنى من الجهات المسؤولة بالاضطلاع بمهامها، ليتمكن الأهالي من العودة لمنازلهم بطريقة آمنة".
* 20 لترا بـ300 ريال
من جهته أوضح مساعد مدير عام القبيطة للمشاريع والإغاثة علي منتصر القباطي، أن الكثير من مواطني المناطق الجبلية كالرماء، وفحميم، والكعثل، وجبل الياس، ومناطق نخيلة، وقنقنان، وشرار، والحنكة، والأكروب وغيرها أُجبروا، بسبب شحة المياه، على بيع أبقارهم وأغنامهم التي كانت تُمثل لهم مصدر دخل رئيس، أو بترك مناطقهم والنزوح لأماكن أخرى تتوفر فيها المياه".
ولفت القباطي، في سياق تصريحه لـ«الأيام»، إلى "بدء تنفيذ مُبادرة لنقل المياه لبعض المناطق الأشد ضررا، والتي وصل فيها سعر الدبة الماء سعة 20 لترا بـ300 ريال، كالأكروب وغيرها بدعم من بعض التجار، وعلى رأسهم عبدالحكيم ردمان القباطي"، متمنياً من رجال المال والخيرين من أبناء المديرية "الإسهام في حملة السقيا لحل ولو جزء بسيط من المشكلة".

ودعا القباطي السلطة المحلية والمنظمات الإنسانية، والمنطقة الفرعية للمشاريع التابعة للبنك المركزي بالمحافظة والضالع إلى "سرعة التحرك الطارئ، لغوث أبناء المديرية وإنقاذهم من شبح شحة المياه غير المسبوق".
*هدم المرافق ونهب المعدات
وألقت الحرب أيضاً بظلالها على الوضع الصحي في المديرية بشكل كبير جداً، الأمر الذي زاد من تفاقم الأوضاع الصحية لدى النازحين والساكنين على حد سواء، جراء تعرض المرافق والمراكز الصحية للاحتلال من قبل مليشيات الحوثي ونهب معداتها.
يقول مدير الترصد الوبائي في المديرية د. منصور علي سيف: "إن المجال الصحي تعرضت كل مرافقه للكثير من الهدم والأضرار، ونهبت معداته وأجهزته، لاسيما مستوصف كرش والمركز الصحي في منطقة الخميس بالجوازعة، نتيجة لاحتلالها من قِبل المليشيات".
وأوضح د. منصور في تصريحه لـ«الأيام» عن "بدء ظهور حالات مصابة بمرض الحصبة مع انتشار مرض الملاريا في العديد من مناطق كرش وفي مقدمتها علصان، وزيق والضاحي، وبعض مناطق القبيطة، والتي ينتشر فيها أيضا وباء البلهارسيا بمناطق الربوع، ودياش، ووادي ونجد ظمران، إلى جانب انتشار أمراض سوء التغذية لدى الأطفال، التي أسهمت فرق العربات المتنقلة والعيادات في المرافق الصحية بالتخفيف منها".
وتوجه مدير الترصد الوبائي في المديرية بمناشدة عبر «الأيام» للجهات المسؤولة والمنظمات المعنية، وعلى رأسها المؤسسة الطبية الميدانية والصندوق الاجتماعي للتنمية، طالب خلالها بسرعة التدخل للمديرية وإعادة تأهيل المرافق والمراكز الصحة المهدمة في المناطق المحررة وتزويدها بالمعدات والأجهزة اللازمة والأدوية الأساسية لتطبيع الحياة فيها، خصوصا بعد عودة الأهالي لمناطقهم وحاجتهم الماسة لهذا الجانب، كما طالب بضرورة توفير سيارات إسعاف للمديرية، وكذا بتجهيز مكتب الصحة وتزويده بالآثار المناسبة، والذي من شأنه أن يمكن الكادر من تأدية واجباته بالشكل المطلوب والأمثل.
وكانت المديرية قد شهد ظهور وباء الكوليرا في شهر مايو واستمر حتى شهر ديسمبر من العام الماضي تسبب بوفاة ثمان حالات فيما بلغت حالات الاشتباه المبلغ عنها 513 حالة.
وتعرض الكثير من الأهالي جراء الحرب وتداعيات الكبيرة على الوضع الصحي بتأزم الحالات المرضية لديهم، لاسيما لدى المصابين بالأمراض المزمنة كأمراض الضغط والقلب والسكري.
وتزايدت خلال الثلاث السنين الماضية حالات الإصابة بالشلل جراء تعرضهم للجلطات الناتجة عن ارتفاع الضغط إلى جانب ما يتعرضون له من منغصات الحياة كالتشرد والقلق وعوامل أخرى كثيرة.
تقرير/ عبدالله مجيد

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى