الجوع يسرق فرحة اليمنيين برمضان منذ سنوات

> «الأيام» عن العرب اللندنية

>
«الأيام» عن العرب اللندنية:
غدا أو بعد غد، يستقبل اليمنيون شهر رمضان، للعام الرابع على التوالي، في ظل الحرب المتفاقمة التي خلّفت أوضاعا معيشية صعبة، وجعلت منظمات أممية تصف الوضع في البلاد، بأنه من أسوأ الأوضاع في العالم.
ويبدو رمضان هذا العام، أكثر مأساوية من العام الذي سبقه، بسبب ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، واستمرار أزمة الغاز المنزلي، خصوصا في المناطق الخاضعة لسلطة الحوثيين، من بينها العاصمة صنعاء، ذات الكثافة السكانية الأكبر في اليمن.
وعلى الرغم من أن شهر رمضان يتميز بنكهة خاصة في اليمن، منذ سنوات طويلة، إلا أن الفرحة قلّت بشكل كبير، بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي تمرّ بها البلاد، وعدم قدرة الكثير من المواطنين، على تلبية متطلبات شهر الصيام.
في منطقة شملان، شمال العاصمة صنعاء، تعيش سارة سعيد قاسم وأسرتها المكوّنة من أربعة أبناء وزوج مصاب بمرض الكبد، في منزل متواضع يتكوّن من غرفتين، ومطبخ لا تتجاوز مساحته المتر ونصف المتر.
كان رمضان بالنسبة إلى سارة من أجمل الأشهر، قبيل اندلاع الحرب في البلاد، غير أن الأمر تغيّر حاليا، بسبب الوضع المأساوي الذي تعيشه مع أسرتها. تقول سارة: “حتى الآن لم نشعر بفرحة اقتراب شهر رمضان، فكيف نفرح والحزن والهموم يثقلان كاهلنا”.
اضطرت سارة (في الثلاثينات من العمر) للعمل في تنظيف البيوت بعد أن توقف مرتب زوجها الحكومي منذ نحو عامين، وتحصل مقابل عملها على 25 ألف ريال يمني، حوالي (50 دولارا أميركي).
وتضيف: “أعمل جاهدة من الصباح حتى المساء كي لا يموت أبنائي من الجوع، فنحن نعيش في الوقت الراهن على وجبتين، إفطار وغداء، ونتحمل الجوع بعد ذلك، وأتحمل أنا بكاء أطفالي بسبب عدم وجود وجبة العشاء”.
وتؤكد سارة أن الأوضاع المعيشية الصعبة التي تعيشها مع أسرتها، جعلتهم لا يستقبلون رمضان بفرح كما كان في السابق.
تحاول سارة حبس دموعها أمام أبنائها الصغار، وتستعيد ذكرياتها قبل الحرب وتقول، “كنا نعيش بسعادة، نستقبل رمضان بالفرح، كانت الأسواق ممتلئة والمواد الغذائية رخيصة نشتري العصائر والحلويات التي سنزين بها سُفرة رمضان ونهتم بتفاصيل طقوس استقبال هذا الشهر”.
تشير سارة إلى مطبخها الذي بدا شبه فارغ من المواد الغذائية الأساسية، وتتابع: “أما الآن فهذا هو حالنا، لا توجد سوى هذه الأواني النحاسية الفارغة، والقليل من السكر والطحين والأرز، أما الغاز المنزلي فالحصول عليه بات أمرا في غاية الصعوبة وهو ما زاد حياتنا تعبا”.
ومنذ أشهر، تعيش العديد من المناطق الواقعة تحت سلطة الحوثيين في ظل أزمة مستمرة في الغاز المنزلي، جعلت الجماعة الحوثية تقرر بيع هذه المادة الحيوية، عن طريق ما يسمّى عقال الحارات (أعيان الأحياء)، وهو ما ضاعف من مأساة اليمنيين، الذين لجأوا إلى بدائل أخرى، كشراء الحطب، أو تجميع الكراتين من الشوارع، لاستخدامها في طهي الطعام، كما تفعل بعض الأسر الفقيرة جدا.
ويعاني زوج سارة من مرض الكبد، بينما تعاني طفلتها (في عمر السنتين) من الربو، دون أن تتمكّن سارة من توفير العلاجات اللازمة لهما، والسبب- على حد قولها- “غلاء الأدوية”.
لا تتمنّى سارة سوى أن يحلّ السلام على اليمن، وأن تعود حياتها مستقرة كما كانت في السابق، وأن تحصل هي وأبناؤها على أبسط الحقوق.
وتضيف: "أتمنى أن يتوفر العلاج لأطفالي وزوجي، وأن أرى أطفالي سعداء كبقية أطفال العالم، أرجو أن يحصلوا على وجبة العشاء وأن يفرحوا باستقبال شهر رمضان، وأن يعلقوا الفوانيس المضيئة".
أسرة سارة هي واحدة من آلاف الأُسر اليمنية الفقيرة التي غابت عنها فرحة استقبال رمضان، جرّاء الظروف المعيشية الصعبة في البلاد.
يحيى عبدالله، سائق تاكسي (في الأربعينات من عمره)، هو الآخر يشتكي من غياب فرحة استقبال شهر رمضان. يقول: “كنّا في السابق نلمس ازدحاما كبيرا للأسواق من قبل معظم المواطنين، الذين يبدؤون بشراء احتياجات رمضان منذ منتصف شعبان، غير أننا نلمس حاليا ركودا كبيرا للأسواق، وقلة لحركة المرور، غير ما هو مألوف لدى اليمنيين، قبيل الحرب”.
وتابع: “لم يعد العديد من اليمنيين حاليا يفكرون في تزيين رمضان بالوجبات المتنوعة والشهية، كما كان سابقا، بل أصبح الكثيرون يفكرون فقط في تلبية الطعام والشراب، ولو بالشكل اليسير، بعيدا عن الجودة”.
وبدت الأسواق في اليمن أقل ازدحاما في شهر شعبان، مقارنة بهذا الشهر خلال السنوات الماضية، في حين شهدت المواد الغذائية والمعيشية ارتفاعا بشكل غير مسبوق.
وأوضح عبدالله، أن الصراع السياسي قضى على الوطن والمواطن، مشيرا إلى أن مختلف القادة السياسيين لا يهمهم أمر المواطن، أو حزنه ومأساته، بل إن مصالحهم الشخصية طغت كثيرا على مصالح الشعب الجريح.
وبيّن أنه رغم مأساة الحرب، وقلّة الفرح، إلا أن العديد من اليمنيين، يحاولون أن يعيشوا جزءا من الفرح، حتى ولو كانت أوضاعهم في غاية السوء.
الوضع المعيشي السيئ في اليمن، عمّق من مأساة المواطنين ومن سعادتهم في شهر رمضان، خصوصا أن التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، تقول إن أكثر من ثلاثة أرباع السكان، باتوا بحاجة لمساعدات، في حين لا يعلم الملايين من أين يأتون بوجبتهم التالية، في ظل تدني فرص العمل بشكل غير مسبوق منذ عقود.
عبدالرحمن صالح (في الثلاثينات من العمر)، ويعيش في العاصمة صنعاء، يرى أن الوضع تغير في مجمله باليمن، حيث لم يعد هناك تفكير برمضان أو شوال أو أي شهر آخر.
وأضاف، “لم نعد نستقبل رمضان، كما كنّا نفعل في السابق. نفكر حاليا في استمرار عيشنا بعيدا عن أزمات أخرى مقبلة”. وتابع صالح: “أنا تخرّجت في الجامعة قبل سنوات، غير أني لم أحصل على عمل، وأعمل حاليا حارسا في مؤسسة خاصة”.
وشكا من أنه لم يتسلم مرتبه منذ شهرين من قبل المؤسسة، التي قامت بمنحهم فقط مصاريف يومية، بسبب قلة الدخل، وهو ما انعكس سلبا على حياته المعيشية. ويحلم صالح بانتهاء الحرب، والحصول على فرصة عمل يعيش منها، وأن يعود الفرح لرمضان وبقية أشهر السنة.
على الرغم من التقارير المتعددة التي تقول إن الملايين من اليمنيين، يتلقون المساعدات، بشكل مستمر، إلا أن هناك من يتحدث بأن هذه المساعدات فشلت في لجم مأساة المعيشة لدى معظم السكان، وأنه من المفترض أن تكون هناك بدائل أخرى، لحل الوضع الإنساني المتفاقم، الذي يجعل شهر رمضان بلا معنى أو فرح حقيقي.
في هذا الجانب، يقول الباحث الاقتصادي اليمني سعيد عبدالمؤمن، إن “المواطنين في بلاده يستقبلون رابع رمضان، وهم يعيشون أوضاعا إنسانية صعبة، جرّاء الحرب المتفاقمة”.
واعتبر عبدالمؤمن أن الوضع في اليمن بات سيئا للغاية، والبلاد دخلت عاما ثانيا من توقف الرواتب لمعظم الموظفين الحكوميين، وهو ما فاقم الوضع الإنساني.
وأوضح أن هناك ارتفاعا كبيرا في الأسعار، وصل إلى 300 بالمئة، مع وجود أزمة في الغاز المنزلي والمشتقات النفطية، وهو ما يجعل شهر رمضان، صعبا بالنسبة لليمنيين.
وذكر الباحث اليمني أن “حوالي 90 بالمئة من المواطنين، باتوا تحت خط الفقر، بسبب استمرار الحرب الذي أدّى إلى انهيار الوضع الاقتصادي”.
وفيما يتعلق بمسألة المساعدات المقدّمة لليمن، علّق عبدالمؤمن قائلا: “إنها لم تؤثر على الأرض، ولم تكن عاملا مساعدا لحل الكارثة الإنسانية”.
وأوضح أنها “مساعدات فاشلة، تستغلها بعض الجهات، وتقوم ببيعها في الأسواق العامة، بنسب كبيرة، وهو ما يؤكد عدم استفادة المواطنين منها”.
واقترح عبدالمؤمن، على الجهات المانحة، أن تقدم راتبين أو ثلاثة كمنح مالية لليمنيين، بدلا من المساعدات، التي أثبتت عدم جدواها.
وعلى الرغم من استمرار الحرب والمأساة في اليمن، إلا أنّ ثمة بسمة على شفاة العديد من اليمنيين، الذين يحاولون العيش والبقاء في واقع كلّه تحدّ وصمود، مصحوبة بأمل كبير في إنهاء هذه الأزمة غير المسبوقة.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى