رمضان لدى المطرودين والمغبونين بعدن.. حكايات تدمي القلوب

> رصد/ كيان علي شجون

>
في الوقت الذي يشهد فيه شهر رمضان المبارك تجديداً لأواصر المحبة والأخوة عبر الزيارات المتبادلة بين الأهل، وتقوية في عُرى التكامل والتكافل الأسري والعائلي، نجد هناك من أضحى الشارع هو الملجأ والمسكن الدائم لهم، بعد أن وجدوا أنفسهم مُجبرين على العيش فيه، ليس لجريرة غير أنهم أصبحوا غير مرغوبين لدى أبنائهم، ومن كانوا يؤملون فيهم البر والإحسان.
في مدنية كريتر (عدن القديمة) الكثير من كبار السن تحتضنهم شوارعها وأزقتها، يفترشون الكراتين ويتوسدون الحجارة.
يعيشون في خوف وقلق تحت أشعة الشمس الحارة وصقيع البرد ووابل المطر الذي تشهده العاصمة هذه الأيام.

يحمل كل واحد منهم آلامًا وهمومًا ما لا يُطيق على حملها الكثير، وهل من قساوة أشد من عقوق الأولاد؟!
 المواطن سيف حسن صالح متقاعد عسكري جاء من منطقة ريفية إلى عدن، قبل أن يتخذ له مكانا خلف البريد العام في كريتر كسكن له.
 يقول صالح: «تركتُ منزلي وأسرتي وجئت إلى هذه المدينة للعمل حتى أوفر لقمة عيش لأفراد عائلتي، من خلال العمل حمّالاً للبضائع في المحلات التجارية، وفي كل ثلاثة أشهر أرسل لأسرتي ما أستطعت تجميعه خلال هذه الفترة للتخفيف من شظف العيش الذي يقاسونه، وبعد الانتهاء من عملي ألجأ لهذا المكان، فراتبي التقاعدي قليل جدًا ولا يتجاوز 29 ألف ريال، ودائماً ما تتأخر عملية صرفه، وإذا ما صُرف لا يُغني عنّا شيئاً في ظل ارتفاع الأسعار والتردي الاقتصادي الكبير».

لجأت للشارع بعد أن فقدت أسرتي ومنزلي في الحرب
ويضيف: «يوجد لدي أقارب في هذه المدينة ولكنهم لا يسمحون لي بالعيش معهم، فاضطررت إلى اللجوء لهذا المكان، لعدم وجود بيت أو سكن آوي إليه، وهناك فاعلو خير يقدمون لنا البطانيات والطراريح في فصل الشتاء ويمدوننا بالطعام، وفي فصل الصيف أقضي معظم الوقت في المسجد، أما في مثل هذه الأيام بشهر رمضان الفضيل فنقضي الوقت بالنهار في الجامع نتيجة الحر، والليل بالسهر».
وأوضح في سياق حديثه لـ«الأيام» أنه «يتعرض للمضايقات والأذى من قبل بعض الأطفال والشباب وعديمي الأخلاق، إلى جانب انتشار الكلاب الضالة والتي كانت منتشرة بشكل كبير في الوقت الماضي وتتكاثر في أوقات الليل قبل أن تقوم البلدية مؤخرًا بحملة لقتلهم خصوصاً المتواجدين خلف البريد حيث نتخذه مكاناً للمبيت».
مختتماً بالقول: «نتحمل صعوبات الحياة التي طالما نواجهها لأجل أن يعيش أولادنا».
أبنائي طردوني
 «لجأت لأحضان الشارع بعد أن طردني أولادي فمنذ خمس سنوات وأنا أعيش هذا الضياع وفي صراع مستمر للبحث عن الأمان المفقود».
بهذه العبارات بدأ الحاج عبده عوض أحمد (سبعيني العمر) حديثه عن معاناته التي تسبب بها أبناؤه.
يقول الحاج أحمد كنتُ : «أسكن في مديرية دار سعد مع ثلاث من أولادي (ولد وبنتين)، وشاءت الأقدار أن تتوفى والدتهم، حينها قاموا ببيع البيت بمليون و200 ألف، واشتروا منزلاً آخر، وسرعان ما بدأوا يفتعلون لي المشاكل، وفي الأخير طروني، فحاولت أن أذهب إلى ابنتي المتزوجة ولكن هي الأخرى رفض زوجها أن أعيش بينهم، ولهذا أنا أعيش في الشارع».
نتحمل صعوبات الحياة ليعيش أبناؤنا
وبمرارة يضيف: «كنتُ في بعض الأحيان أذهب إليهم لكنهم كانوا يعاملونني معاملة سيئة ويقومون بتعليم أحفادي ضدي، الأمر الذي جعلني أتركهم نهائيًا وبسببهم أنا هنا في هذا المكان خلف بريد كريتر لأكثر من خمس سنوات، ولم أستطع تقديم شكوى ضدهم لاسترداد منزلي؛ لكون الشرطة تحتاج إلى المال وأنا لا أملكه، فأنا بدون راتب حكومي ولا أقوى على طريق الشرط الطويلة، لهذا رفعت شكوتي إلى الله فهو خير الحاكمين».
وأضاف: «عملتُ في فترة ماضية بمكتبة مسواط براتب 10 آلاف ريال؛ لأجل أن أوفر مصاريف بعض احتياجاتي الأساسية، ولكنني تركته بسبب الظلم الذي لقيته، وعلى الرغم من كل ما أواجهه وسأوجهه لكنني لن أفكر بالعودة إلى أبنائي، فالشارع أرحم، فأنا أعيش فيه بعيداً عن المشاكل، وإذا مرضت يوما ما فهناك من يُعالجني ويذهب بي إلى المستشفى، فما يقوم به الشيخ مختار بانافع، جزاه الله خيرا، تجاهي وجدت فيه خلفا لفلذات كبدي الذين تركوني وأنا في هذا العمر».
  أحرم من الأكل ليومين
 صادق سالم بن سالم في أواخر عقده الثامن، بات يفترش أحد شوارع مدينة كريتر منذ عشر سنين، بعد أن أصبح وحيدًا.
يقول سالم: «قبل وفاة زوجتي وابني بعت منزلي في الشيخ عثمان ولم أشترِ منزلا آخر بعد وفاتهما، ولو كان لدي بيت لكنتُ أعيش فيه ولما كنت هنا في شارع مسجد أبان منذ 10 سنوات.

وقبل خمسة أشهر شاءت الأقدار أن تنكسر إحدى قدمي، فقام أصدقائي بنصب أخشاب صغيرة لي وعليها كراتين لتقيني من حرارة الشمس ومن الأمطار أثناء تساقطها كهذه الأيام، في هذا المكان مقابل سنترال كريتر للعيش فيه بعد أن صرت لا أستطيع الحركة».
ويتابع حديثه لـ«الأيام»: «لا أجد ما آكله بشكل يومي، ففي بعض الأحيان أبقى ليومين دون أكل وفي انتظار لِما يقدمه لي فاعلو الخير من أكل وملبس، ولله الحمد على كل حال، وما زاد من معاناتي هذه هي عدم امتلاكي راتبا حكوميا، والعمل الخاص لم أعد أقوى عليه، حيث كنتُ في السابق أعمل في ورش للنجارة».
ويختم بالقول: «لدي أقارب في الشيخ عثمان ولكن لا أذهب إليهم ولا أريد أن أعيش معهم، وأتمنى أن أموت هنا».
خسرت كل شيء بالحرب
 الحاج محمد يحيى عبده لم يكن أحسن حالاً من سابقيه، حيث شردته  الحرب  ودمرت القذائف منزله بمديرية خورمكسر، حيث خسر على إثرها زوجته  وابنه الوحيد، ولم يبقَ له أحد.

يقول عبده: «لا يوجد لدي أحد بعد وفاة زوجتي وابني الوحيد، وليس لدي أقارب لألجأ إليهم للسكن، ولهذا اضطررت للنوم هنا بالقرب من مسجد أبان منذ فترة ما بعد الحرب بعد أن أقضي يومي بالتنقل في السوق  بالنهار، وفاعلو الخير يمدونني بالأكل والملابس، ولا أدري كيف سأقضي رمضان وخاصة مع تساقط الأمطار وعدم السماح لنا بالنوم في المسجد».​
رصد/ كيان علي شجون

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى