رمضان في عدن.. بين الماضي والحاضر

> كتب/ وئـام نجيب

>
لا يستطيع المرء التمييز والمقارنة إذا ما أراد أن يُفاضل بين شهر رمضان في الماضي والحاضر بكافة نواحيه، الروحانية والإنسانية والتكافل الاجتماعي، والأمن، والرخاء المعيشي وغيرها.
في هذا العدد سنقارن بين ماضٍي وحاضر هذا الشهر باللهجة العدنية القديمة من خلال هذه المِحزاية (القصة) كما كان يطلق عليها أجدادنا.
سنقارن بين أحوال أهالي هذه المدينة وما امتازت به في السابق من إخوة وتراحم وعفوية وتكافل بين الجيران، وبين حاضر افتقر فيه الناس للكثير مما ذكر، ليعرف أبناء عدن كيف كانت مدينتهم في عهد آبائهم وأجدادهم، وكيف كانوا يقضون شهر الصيام في أجواء تشد المرء بالحنين إليها، حيث كان له مكانة عظيمة ووقع خاص في نفوس العدنيين، يقضونه وسط فرحة عارمة، وحب لا يشوبه أي من منغصات الحياة ومكدراتها، فالرحمة  والتعاون والتآخي سمة الجميع، أما البيوت والشوارع فكانت تتزين بالزينة كأنها تُحيي كرنفالًا تزينه كل الألوان.
فأينما يمّم المرء وجهه في حوافي المدينة رأى الزينة والأضواء والفوانيس مُعلقة في كل مكان.
وإذا ما أطل عليهم الليل يحيونه بالسمر والمزاح، بعد أن يتجمعوا في أرصفة الحارات رجالًا وشبابًا، وآخرون يقضونه بلعب البطة (لعبة الورق)، والدُمنة، والكيرم، فيما كانت ربات البيوت يزودن السُمار بالشاي المُلبن (الحليب)، والمزغول، والفيمتو والماء البارد.
الأطفال و رمضان
وللأطفال أجواؤهم الخاصة في شهر الصيام، فما أن توشك أيام شهر شعبان على الرحيل حتى يبدؤون بتشكيل مجموعات للترحيب به بطريقتهم الخاصة منها (مرحب مرحب يا رمضان، شهر العبادة وشهر الصيام.. وشهر محمد عليه السلام)، ولهم أيضًا فيه ألعابهم المميزة بلياليه كـ(لعبة الغميضان، بيع التيس، عصا) وغيرها من الألعاب الشعبية التي تناقلتها الأجيال.
مكونات الإفطار
وكانت في العادة تحتوي سفرة الإفطار الرمضانية لدى العوائل والأسر العدنية من: القهوة قشر (مزغول) والتمر، والشوربة، والسمبوسة، والباجية، والخمير الحالي، واللبنية والبدامي.
وفور الانتهاء منها يتوجه الصائمون إلى المسجد لتأدية صلاة المغرب بعدها تُقدم وجبة العشاء العدني المكون من: رز ولحم، أو رز وسمك صانونة مطفاية، وبسباس، وعُشار أو شتني مع الكشومبر أو بسباس مع الحُمر، أو بسباس أخضر مع الجبن.
وكان ما يُميّز الناس في هذه المدنية قديمًا هو الترحم فيما بينهم، فالبيوت الغنية ترسل جزءا مما أعدّته وطبخته إلى البيوت الفقيرة والأصدقاء، هو ما يجعل كل البيوت تمتلئ بمختلف أصناف المأكولات، فيما ترسل الموائد الزائدة إلى حيث يُقام السّمر الخاص بالرجال والشباب.
رغم المنغصات إلا أن رمضان مازال يحتفظ بعبقه وروحانيته
أما السحور العدني المُميّز، فكان يتكون من الجبيز والمُعبل حق بيت باحد، والخمير الحالي.. والخمير موفى وشيخ السحور «المُعبل الرهيب» سحور عدني أعظم.. مُعبل فتة باللبن والسكر.
ما نريد قوله هو إن عدن المحبة كان يُطلق عليها آنذاك (أم الضباحى والمساكين)، فقد كان يطيب السهر بجانب بيوتنا، تجلس جداتنا ونحن من حولهن نستمع إلى المحازي (القصص) العدنية الجميلة، وغيرها من العادات الجميلة والأصيلة التي كان يتميز بها أهل عدن الطيبون.
صورة قديمة من عدن
صورة قديمة من عدن
بين الماضي والحاضر
وإذا ما أردنا عمل مقارنة بين رمضان في ذلك الزمن وما نحن عليه الآن فسوف نجد الكثير من الفروقات ولا يوجد أي مجال للمقارنة.
فرمضان هذا العام كان الأسوأ من الثلاثة الأعوام الماضية، حيث لم نعد نسمع في الشوارع ووسائل النقل وفي كل الأماكن العامة إلا شكاوى وآهات الناس الممزوجة بأنين الألم والحزن والأسى من معاناتهم اليومية من انقطاعات الكهرباء وانقطاع المرتبات وغلاء الأسعار وانعدام المشتقات النفطية.
جرائم بشعة قُبيل رمضان
شهدت من كانت تُعرف بمدينة الأمن والسلام قُبيل حلول شهر رمضان بأيام العديد من الجرائم البشعة وغير الأخلاقية، كان أبرزها اغتصاب طفل في المعلا، وقتل وسط جولة كالتكس، ومن ثم إعدام أسرة في إنماء، والعثور على طفل في برميل القمامة بالبساتين، وإعدام تاجر وسط أرضه بعد إصابته، وأخ يقتل أخاه في أول أيام شهر الصيام، ومسلسل القتل والإجرام لن يتوفق، حيث اعتاد الأهالي مؤخرًا أن يبيتون على سماع أو مشاهدة جريمة ويصبحون على أخرى.
افتقار للخدمات وانتشار للجريمة في مدينة الأمن والسلام
صمود
على الرغم من هذه الظروف الصعبة والمعقدة إلا أن أهالي عدن ما زلوا محتفظين ببعض العادات والتقاليد الأصيلة حتى اليوم.
حيث مازال المرء يُشاهد الأواني والصحون المحتوية على ما تيسر من الوجبات الرمضانية وهي تتنقل بين الجيران، وسمر الشباب، مع سماع أصوات وضحكات الأطفال تتردد أصداؤها في أرجاء الحارات، وكذا الزينة التي تزينت بها الشوارع وأزقة المدينة من فوانيس وإضاءات، في مشهد يعكس إصرار أبناء عدن على مقاومة كل المنغصات والظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة.
وكان المواطنون يخشون في هذا الشهر الفضيل حرارة الجو والانقطاعات المتكررة للتيار الكهرباء، غير أن رحمة المولى لطّفت الجو بأمطار غزيرة خلال الأيام الماضية والتي تساقطت إثر اعصار «ساجار» الذي سرعان ما تحول مساره إلى دول القرن الأفريقي.​
كتب/ وئـام نجيب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى