مدينة قشن بالمهرة.. جمعت بين روحانية رمضان وتاريخها التليد

> تقرير/ ناصر الساكت

> مدينة قشن بالمهرة أو (أم المدائن) فيها تشتم عبق تاريخ تليد وحضارة عريقة لمدينة تاريخية قديمة كانت يومًا عاصمة لدولة المهرة.
ولأنها كذلك فما تزال وما جاورها من القرى والمناطق تحتفظ بشيءٍ من تاريخها العريق الضارب في القدم بالمباني والقلاع وكذا في العادات والتقاليد التي كان يمارسها الأجداد وظلت الأجيال تحافظ عليها جيلًا بعد جيل في صورة جميلة تعكس تمسك الأحفاد بتاريخ أجدادهم الأصيل إلى يومنا هذا لاسيما تلك العادات المرتبطة بشهر رمضان لفضيل.

ويقول سعيد بن عفري عن هذه العادات والتقاليد القديمة في هذا الشهر: «تسبقل أم المدائن مدينة قشن شهر رمضان بحسب الترتيب الزمني قبل وأثناء وبعد لهذا الشهر وهي كالآتي: يوم الطهور: وهو اليوم الذي يسبق رمضان حيث يقوم الأهالي جميعًا صغيرهم وكبيرهم بالاغتسال ويسري ذلك حتى على حيواناتهم اعتقادًا منهم بأن هذا الشهر شهر كريم فلابد من الجميع أن يُطهر جسمه وثوبه لاستقباله.. ويرددون عبارة «الطهور من الطهور من الشك ومن الزور».

ثم الأغذية: يتم فيها تجهيز الأغذية المعتادة وهي: التمر، والقهوة، والشربة المصنوعة من الطعام الجريش والبر والروب كوجبة إفطار أساسية، وفيما بعد تأتي وجبة العشاء وهي قبل صلاة التراويح، وعند السحور يتم إعداد وجبة السحور قبل الأذان بنصف ساعة.

أما الصلاة والعبادات، فتكون في العادة هناك أذكار قبل وبعد صلاة التراويح تُردّد جماعيًا بصوت واحد كـ(اللهم صل على محمد، يا ربي صلي عليه وسلم..، شددتُ رحالي لباب الكريم وناديته في ظلام الدجى.. وقلت لمن يستجيب دعوتي تيسّر من العسر لي مخرجا.. يالله بها يالله بها يالله بحسن الخاتمة)، وبالإضافة إلى بعض الدروس، وثم تؤدى صلاة العشاء وصلاة التراويح بعشرين ركعة وثلاث ركعات لصلاة الوتر، وبعد الانتهاء من الصلاة تأتي أدعية ختامية مثل (سبّوح قدوس رب الملائكة والروح)، ثم أناشيد إسلامية بألحان مختلفة ذات طابع ديني روحاني جميل وبصوت الإمام ومن خلفه المصلين يرددون، فإذا كانت بداية رمضان يقولون : «أهلاً وسهلاً يا رمضان شهر العبادة والغفران»، وفي أواخر يقولون: «مودع مودع  يا رمضان شهر العبادة والغفران، مع مجموعة أناشيد إسلامية مختلفة من راتب الحداد والشيخ عمر بن حفيظ وغيرهم من الحبايب».

البدء بالختم
بدوره تحدث الشيخ محمد باعباد (إمام وخطيب) من أبناء قشن بالقول: «تبدأ في
ليلة التاسع من رمضان الختم أو الختمة، وتعني أن جميع المصلين يأتون إلى أحدث مسجد ثم بالأقدم حتى يصلون إلى آخر مسجد في ليلة التاسع والعشرين من رمضان وهو المسجد الأقدم والأكثر تواجدًا فيه للحبايب والعلماء، وفي الختمة تأتي الأدعية والأذكار والرواتب بعد صلاة العشاء والتراويح والوتر التي تصلى 11 ركعة، وفي هذه الختم يتم توزيع القهوة والحلويات وخاصة حلوى ( الدنجور ) وهي طعام يصنع من السكر الأحمر ويتم تقطيعه إلى حُبيبات دائرية تُخلط بالطحين الممزوج بالسكر، وهي معروفة وتوزع في ليال ما بعد التاسع من رمضان إلى نهايته.

ويضيف لـ«الأيام»: «في مدينة قشن هناك أقدم (مدرس) يقام بعد صلاة العصر إلى قبل الإفطار بنصف ساعة وهو مدرس (مسجد بن نمر) وفيه العلماء السابقون الأجلاء أبا عن جد من بيت باعبده وخاصة المرحوم مبارك بن سعيد، ومن ثم ابنه سعيد بن مبارك رحمهما الله، والآن الابن مبارك بن سعيد وأولاده حفظهم الله وهم سائرون على نهج الآباء والأجداد ويحضر بهذا المدرس أغلبية كبيرة من الناس يأتون من أنحاء المدينة حبًا بالاستماع إلى الدروس والمحاضرات الدينية بهذا المسجد القديم الذي يُعد معلما إسلاميا وتاريخيا عريقا فيها".

إحياء ليلة العيد بالذكر
ويتحدث سعيد عفري عن ليلة القدر بالقول: «هذه الليلة المعروف عنها أن الله جعلها خفية على عباده إلا أن أهل قشن يعتقدون كغيرهم من المسلمين أنها في ليلة السابع والعشرين أو ليلة التاسع والعشرين أو بالعشر الأواخر إجمالًا من رمضان، أما ليلة العيد وتسمى باللغة المهرية (أحييء) أي أن الصائمين يحيون ليلة العيد ومن أحيا ليلة العيد أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب.. ففي هذه الليلة ترفع في المساجد أصوات التكبيرات لعيد الفطر  إلى أن يحين موعد صلاة الفجر وبعد الصلاة يكون المصلون المقيمون بالمسجد قد أعدوا في بيوتهم صحونًا من العصيد والسمن البلدي وأتوا بها للمسجد كوجبة إفطار بحضور الكبار والصغار ويتناولون من جميع الصحون تكريمًا لأصحابها.
 ويوم العيد يذهب الجميع صغارًا وكبارًا إلى المساجد بملابسهم الجديدة ويؤدون صلاة العيد والاستماع إلى الخطبة وبعد ذلك يخرجون إلى باحة المسجد ويسلمون على بعضهم بعضًا ويباركون لبعضهم، وهذا في الزمن القديم يشكل المعيدون صفين يتبادلون قصائد التهنئة بالعيد ومن ثم يتحركون كلا لأهله وعشيرته وحافته، وهناك تأتي المعايدات للبيوت بيتا بعد بيت ويقدمون النقود للأطفال كعيدية وهذه أصبحت كعادة اعتادوا عليها أهل قشن إلى يومنا هذا».

تكافل اجتماعي
وأوضح لـ«الأيام» محمد بن عصيان، وهو طالب الجامعي، أن «المدينة تعيش في رمضان أجواء رائعة من التكافل الاجتماعي بين الناس ويكثر فيه العمل الخيري والتطوعي بشكل ملفت للنظر، فالتجار ورجال الأعمال من أهل المنطقة يسارعون بتقديم التبرعات النقدية والمساعدات الغذائية للفقراء والمحتاجين والأسر المعدمة وهي ميزة تنفرد بها قشن عن غيرها من مديريات المهرة.. ونحن في مجلس شباب قسم التطوعي نستقبل جانبا من هذه التبرعات والمساعدات ونقوم بتوزيعها على المستحقين، كما تتولى في المجلس مشروع إفطار الصائم كل عام وفي الغالب نستهدف عابري السبيل على الخط الدولي الساحلي الذي يمر بمحاذاة قشن ونقدم للسائقين والركاب وجبة إفطار كاملة».

ويضيف: «الحمد لله ما زال أهالي المدينة يحافظون على العادات والتقاليد القديمة الخاصة بهذا الشهر التي يمكن تكون اندثرت في بعض المناطق أو تكاد.. لكن ما يُعكّر صفو هذه الأجواء الروحانية غلاء الأسعار وأزمات الوقود المتكررة والتي ضاعفت من معاناة المواطنين فالكهرباء طافية والمياه مقطوعة على سبيل المثال فقط».
التمسك بالعادات والتقاليد
أما الطالب محمد سالم الجدحي فأكد بأن «قشن ستظل مُحافِظة على خصوصيتها العلمية والدينية والتاريخية وسيبقى أهلها متمسكين بعاداتهم القديمة التي تركها لهم الأجداد، كونها تمثل عاصمة تاريخية للمهرة، وفيها يقع قصر السلطان بن عفرار كمعلم بارز يشهد على تاريخ المدينة وحضارتها الموغلة في أعماق التاريخ».
وأوضح في سياق حديثه لـ«الأيام» أن «المدينة كانت عاصمة لسلطنة المهرة القديمة إلى عام 1967م، ومعالمها وكتب التاريخ تؤكد أهميتها الاقتصادية والسياسية والتاريخية بأنها كانت تعج بالحركة والخدمات العامة، غير أنها اليوم صارت تفتقر لأبسط الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء والصحة وغيرها، إلا أننا متفائلون بالمحافظ راجح باكريت الذي بدأ ينجز بعض المشاريع كمحطة تحلية المياه وتحسين مستوى الخدمات في المستشفى الريفي ودعمه ببعض الأجهزة الطبية الحديثة وتحسين الكهرباء ودعم قطاع التعليم في خطوة غير مسبوقة، بعكس المحافظين السابقين الذين كانوا يتغنون بقشن كعاصمة تاريخية لكنهم لم يقدموا لها شيئا يذكر سوى الوعود».​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى