رمضان في عدن قبل 70 عاما.. حكاية مدفع الإفطار.. كيف جاءت؟ ومن أين بدأت؟

> تقرير/ علي راوح

>  تتميز أيام وليالي شهر رمضان الفضيل عن غيرها من الليال بالذكريات الجميلة التي تظل محفورة في الذاكرة.
ولكل مدينة من المدن ذكريات خاصة في ليالي هذا الشهر، منها عدن، هذه المدينة الساحلية الجميلة التي ماتزال للياليها الرمضانية طعم ومذاق خاص، لِما يتميز به أبناؤها من صفات البساطة والألفة، وتبادل المحبة والتعاون فيما بينهم.

عادات جميلة
وتعوّد أهالي المدينة منذ زمن بعيد على الاستعداد لاستقبال هذا الشهر وتوفير المتطلبات الضرورية، حيث اعتادوا على تنويع مائدة الإفطار على الرغم من بساطة حياتهم، وأشهر مكونات مائدة الإفطار هي (الشوربة) المكونة من قمح البر مضافاً اليه بعض اللحم أو (الكوارع)، الكراعين بالتسمية الشعبية الشائعة، بحيث تُطبخ هذه المادة طبخاً جيداً مع أنواع من البهارات مثل الفلفل الأسود والقرفة والهيل وغيره.
وتقوم بعض الأسر قبل أذان المغرب بارسال جزء من مائدة افطارها إلى جيرانها، وتعممت هذه العادة على معظم البيوت، وهناك بعض البيوت يتعهدون بطباخة مادة (الشوربة) بكمية كبيرة في معظم أيام هذا الشهر الفضيل وتوزيعها قبل الافطار على العديد من البيوت المجاورة.

إعلان الإفطار وفوانيس رمضان
ويوضح عدد من شيوخ عدن أن فترة الأربعينيات من القرن الماضي، لم تكن الكهرباء قد ادخلت إلى كل بيت ومسجد، ولم تكن هناك إذاعة تنقل الأذان.
فكان الأطفال يقفون أمام المسجد وبمجرد سماعهم للأذان ينتشرون بين الأحياء القريبة مرددين: «افطروا يا صائمين.. فطورك يا صائم»، ويسبقون بذلك صوت المدفع (مدفع الافطار) الذي كان يُطلق من فوق أحد جبال عدن.
وفي أحاديث قديمة لعدد من أبناء كريتر (عدن القديمة) ممن عاصروا تلك الفترة فإن شوارع المدينة في حينها لم تكن مضاءة بالكهرباء، فكانوا ينتظرون موظف البلدية الذي يطلقون عليه اسم (المسرج) حتى يؤدي مهمته بإضاءة الفوانيس التي كانت تُعلق في كل ركن من أركان الشوارع. وهذه الفوانيس كانت يوضع داخل قفص زجاجي جميل الشكل، وقبل أن يحل الظلام يصعد (المسرج) على سلم لإضاءة الفوانيس التي تظل مشتعلة طوال الليل حتى تنطفئ لنفاد الغاز الذي بداخلها.

مناظرات شعرية
في إحدى ليالي رمضان قبل سنوات قمت بمعية الأستاذين محمد عبدالله مخشف، ومحمد سعيد سالم بزيارة الإعلامي جعفر مرشد، وكان مما حدثنا عن هذه اليالي: «كنا في فترة نهاية الأربعينيات ومطلع الخمسينيات من القرن الماضي، نُنظم المناظرات الشعرية الرمضانية على ضوء الفوانيس، وكان منزلنا في حارة (حسين) بكريتر يقع أمام منزل المرحوم علي لقمان أحد شخصيات عدن الاجتماعية المعروفة، حيث كان يجتمع أمام منزله العديد من المثقفين، ومع جلسات مضغ القات يتبارى عدد من الشعراء ومن أبرزهم الشاعر اليمني الكبير المرحوم محمد محمود الزبيري، والزعيم اليمني الكبير محمد أحمد نعمان، والمرحوم عبدالمجيد الأصنج، والمرحوم محمد أحمد الأصبحي، وسنان أبو لحوم وغيرهم من رجال الفكر والأدب والسياسة،  ويحضر كذلك أخوة وأبناء علي لقمان».
 
«العصا» أبرز الألعاب الرمضانية
وعن أبرز الألعاب والاحتفالات الليلية بتلك الفترة قال الإعلامي جعفر مرشد: «كان هناك عدد من الألعاب الشعبية التي كانت تمارس في ليالي رمضان، ومن أبرزها لعبة العصا والتي يشترك فيها فريقان، كل واحد مكوّن من خمسة لاعبين، وبعد  أن توضع العصا فوق كوم من التراب وسط دائرة، وبعد إجراء القرعة يلعب الفائز كمهاجم وتبدأ اللعبة بأن يأخذ العصا مسافة ويبدأ الفريق المدافع بالمطاردة في شوارع حارة (حسين) وأحياناً تنتقل المطاردة إلى شوارع حارات (القاضي) و(القطيع) و(العيدروس)، كما يحاول الفريق الاختفاء عن عيون الفريق المدافع ليتسنى له الوصول إلى أخذ العصا وخدعة الحارس المكلف بحراستها، وهكذا تتواصل اللعبة طوال الليل فضلاً عن ممارسة العديد من الألعاب الشعبية حينها والتي كان منها ألعاب خاصة بالكبار وأخرى خاصة بالأطفال».

حكاية مدفع الإفطار
كان في فترة الأربعينيات والخمسينيات هناك (مدفع للإفطار) وفي منتصف  فترة الستينيات قُبيل الاستقلال، كنا نسمع إطلاق قذيفة صوتية وقت أذان المغرب وكذا وقت السحور.
مدفع رمضان بعدن
مدفع رمضان بعدن

وكانت هذه القذيفة تُطلق من جبل شمسان أعلى الطريق الدائري حالياً المتجه إلى الشيخ إسحاق، مع أن فترة الستينيات كانت هناك إذاعة عدن التي بدأت عام 1954 وكانت هناك الكهرباء في البيوت والمساجد على عكس فترة الأربعينيات وبداية الخمسينيات، ولكن يبدو أن هذا المدفع أصبح تقليدا رسميا وإرثا شعبيا، ولم تجرؤ السلطات البريطانية على توقيف هذا التقليد الذي تعود عليه السكان في عدن.

فكرة مدفع الإفطار
حكاية مدفع الإفطار حكاية ظريفة، ويُقال إن فكرتها جاءت في عهد محمد علي باشا والي مصر، حيث حدث في أول يوم من شهر رمضان أنه كان هناك عدد من الضباط المهندسين في قلعة القاهرة كانوا يقومون بصيانة عدد من المدافع، فحدث صدفة أن انطلقت قذيفة من إحدى المدافع في الدقيقة والثانية التي انطلقت فيها أصوات المؤذنين من مساجد القاهرة القريبة من القلعة، حينها اشتاط محمد علي باشا غضباً وأمر بسجن المهندس الذي انطلقت من مدفعة القذيفة ووبخه بالقول: «هكذا تزعج الناس في ساعة إفطارهم وتصيبهم بالهلع»، وتوعد المهندس (المدفعجي) بعقوبة رادعة..
وفي صباح اليوم التالي حضر إلى القلعة وفد من أعيان مدينة القاهرة وطلبوا مقابلة محمد علي باشا، فأذن لهم وقابلوه قائلين له: «نتقدم إليكم بالشكر الجزيل نيابة عن سكان القاهرة، على فكرتكم المذهلة وهي تنبيه السكان بحلول موعد الإفطار، من خلال إطلاق القذيفة المدفعية التي يسمع صوتها إلى مسافات بعيدة تنبها للصائمين بموعد إفطارهم»، وهنا أخفى محمد علي حكاية إطلاق القذيفة بالخطأ، وقال للوفد: «أعدكم أنني سآمر بإطلاق قذيفة عند الإفطار وعند السحور طيلة شهر رمضان، ثم ذهب إلى السجن وأخرج الضابط المهندس الذي انطلقت من مدفعه القذيفة بالخطأ واعتذر له وكرّمه.
وبحكم أن العديد من البلدان العربية كانت تحت حكم الخلافة العثمانية، فقد عممت فكرة مدفع الإفطار على عدد من البلدان ومنها بلادنا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى