الإرهاب.. أوروبي المولد - أمريكي التهجين (الأخيرة)

> أ. د. علوي عمر مبلغ

>
• الحامل الاجتماعي العربي، حيث إن الظروف الاقتصادية ولاسيما البنية التحتية في العالم العربي ضعيفة لا تجد فيها لا إقطاعية ولا رأسمالية، إنما صدرت لنا الرأسمالية من الخارج دون أن يصبح المجتمع العربي قادرًا على إنتاج الرأسمالية، وانطلاقًا من هذا الاتجاه ولدت الرأسمالية بصورة كسيحة في المنطقة العربية وعكس نفسه ذلك على كل التركيب الاقتصادي والسياسي والثقافي في البنية العربية، حيث كان من جرى ذلك أن الحامل الاجتماعي والمعني بقيادة المجتمع أي بمعنى آخر، أن هذا الحامل هو ما تناط به مهمة تقدم المجتمع العربي، ولذلك أصب الحامل الاجتماعي العربي ضعيفًا، بل ومزدوجًا يحمل طابعًا متناقضًا حيث احتمى المثقف العربي الذي هو يقصد به الحامل الاجتماعي يعيش حالة من الاغتراب والانفصام والازدواجية، بدليل بسيط، وهو أن هذا المثقف قد احتسى كؤوس علمه ومعارفه من أوروبا، أي بتعبير آخر، تكونت لدى المثقف العربي العلوم والمعارف من خلال تعلمه لها من مناهل وجامعات أوروبا، وهو يرى في أوروبا مصدر للحضارة والعلم والحداثة والديمقراطية، ومن ناحية يرى فيها تعاسة وبؤس شعبه العربي، أي أن الحامل الاجتماعي العربي والمتمثل في المثقف يعيش حالة من التردد والتناقض في هويته الفكرية كنتاج لتركيبته الاجتماعية والتي تعكس التخلف حيث يرى في أوربا حقلا للتقدم من ناحية ويرى فيها حقلا لتخلف وبؤس ونهب وثروات واستعمار شعوبه العربية من ناحية ثانية، أي بالمعنى الآخر، في الوقت الذي يشعر بأن أوربا تحمل المسؤولية الأكبر في تخلف العالم العربي في الوقت الذي لا يستطيع إخفاء سر إعجابه بمظاهر الحضارة المدنية والتقدم فيها.

• ومن هذا المنظور أفرز ذلك الوضع بأن التركيز على القضايا الهامشية والفرعية والأطراف دون أن تصوب أصابع الاتهام إلى القضايا الجوهرية سمة ملازمة للمفكر العربي، ولم يعد قادرًا على امتلاك ناحية البعد المعرفي واستشراق المستقبل، ومن الأمور المثيرة للدهشة والسخرية بأن أولئك المفكرين العرب الذين صفقوا لدخول السوفييت (آنذاك) أفغانستان هم أنفسهم الذين صفقوا بالمقابل لخروجه منه.

• لقد أصبحت ظاهرة الانتماء والهوية للعشائرية – القبيلة والطائفية والولاء لها أكثر من الولاء للحزب والوطن. ولقد نجح الآخر في تمزقنا وتباعدنا ومساعدتنا الذاتية للآخر توفرت لديه من خلال ظروف محاربتنا بالأسلحة التي استمدها من خلالنا أي أن قوتنا في ضعفنا، واستمد الأوروبيون قوتهم من ضعفنا.

• لقد انشغل التاريخ العربي حتى لحظات كتابة هذه الاستنتاجات بهاجس التراث والمعاصرة، أي بالماضوية، ومن هنا أصبح الماضي العربي فينا حاضرًا وغاب الحاضر العربي، وظل الماضي قابعًا معنا من أخمس قدمينا إلى قمة رؤوسنا، وبالطبع نحن ليس ضد الماضي، لكن ليس إلا درجة تالية والقوقعة والبقاء في صوامعه، إننا ننظر إلى الماضي، من زاويتين:
الزاوية الأولى: من أجل أن يعيننا على استشراق الحاضر.

الزاوية الثانية: من أجل أن يوظف توظيفًا عقلانيًا بوصفه إرثا حضاريا لا يمكن الاستهانة به.
إن ما حصل للماضي في الفكر العربي جرى تمجيده على حساب الحاضر، أي أن التاريخ العربي تعامل مع الماضي من وجهة التفاخر به ليس إلاَّ، وليس من باب العمل به لاحقًا، ولذلك جرى الاحتماء بالماضي لسبب واحد هو الهروب من شروق شمس الحاضر الأوروبي المُحرقة.

• التخلص من فكرة عقلية المؤامرة والتآمر، وهي أننا ننظر دائمًا إلى أن الآخر هو الذي يتآمر علينا، دون أن نعرف أننا لا نتآمر إلاَّ على أنفسنا، ولا نشكل أي خطر على الآخر إلاَّ على ذواتنا فقط. علينا أن نتحرر من عقدة المؤامرة وأن نفتح خط التواصل والحوار مع الآخر ونفكر بعقلية أكبر من هذه العقلية ونرتفع إلى مستوى أنضج. ومثلما لا توجد مشكلة في الإسلام مع الغرب، بل هي مشكلة الغرب مع الإسلام، فهناك مشكلتنا مع الغرب، هي مشكلتنا مع أنفسنا وليس مع الآخر، كما قال المفكر المصري الشهير فؤاد زكريا.

• علينا استخدام نقد السلاح وليس سلاح النقد كما قال المفكر المغربي محمد عابد الجابري. ومن هنا فقد استطاع الآخر ترويض العقل العربي لصالحه، وأصبح الشر يجمعنا أكثر من الخير، وبالتالي تعرَّف علينا الآخر وعمل على دراسة شخصيتنا وأصبح قادرًا على معرفتها أكثر من قدرتنا على معرفة أنفسنا. وإذا حاولنا أن نعرَّف أنفسنا، فلا نعرفها إلاَّ من خلال مرآة الآخر العاكسة.
•  لقد كشفت ظاهرة الإرهاب شيئين مهمين:

أولهما: أن هناك قصورًا معرفيًا كبيرًا بل وأمية محدَّقة بالشعب الأمريكي والغربي عن ثقافة وحضارة الشعوب الإسلامية وقلة اطلاعها على تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف ورفضه لمبدأ العنف والإرهاب والدعوة إلى التسامح والحب والإخاء وسمو الروح الإنسانية ونبذ الرذيلة ومحاربة الجريمة... إلخ. وهو الأمر الذي لم يعد معه الآخر قادرًا على التمييز بين الإسلام وبين ما يتحدث باسم الإسلام.

ثانيهما: النظرة البرجمانية وهي “المصلحة والمنفعة” النظرية القائمة كدعامة للمجتمع الأمريكي، حيث رضخ الأمريكيون والغرب لهذه النظرية بحيث أضحت كجزء مهيمن على السياسة الغربية، بل والتعامل مع شعوب العالم وفق هذه النظرية.

•  إن الوضع العربي فعلاً وصل إلى مستوى ودرجة لا يحسد عليه، أنه اليأس والاستسلام، حتى الشارع العربي غير قادر على التعبير عن نفسه، أوكل هذه المهمة لشعوب العالم بما فيها أمريكا وأوربا للخروج في التعبير عن حالة الرفض والإحباط نيابة عن الشارع العربي المسلوب الإرادة من أنظمته التي تمارس تجاهه كل أساليب الإرهاب بما تحمله هذه الكلمة من معنى، أننا ننتج الأزمات ونستهلكها في آن واحد.

ولقد عبرَّ ذلك الشاعر العربي الشهير نزار قباني بقوله:
يأتي حزيران ويذهب.. والفرزدق يغرس السكين في رئتي جرير.
والعالم العربي .. شطرنجًا، وأحجار مبعثرة، وأوراق تطير.
والخيل عطشًا .. والقبائل تستجار، فلا تجير.
انتهـى.

•  هناك من وضع القرارات وتيار يشارك في صناعته وتيار ثالث لا يضع ولا يشارك وهو ما ينطبق على واقع حال عالمنا العربي، هذا الواقع انعكس بنتائج تأثيره على الحامل الاجتماعي العربي، حيث يشن المثقف هجومًا شرسًا ضد السلطة، حكمًا أنه جزء منها وهو يحمل في داخله الكثير من الصفات السلطوية، وهذا وجه المفارقة العجيبة، هل غدت السلطات الحاكمة شيطانية ولا يمكن التفاهم معها حتى تهاجم من قبل دعاة الثقافة؟ ولماذا لا يسعى المثقفون لإقامة علاقة صحية مع السلطوي، من أجل تجنب شرور وإرهاب السلطة؟ هل تتناقض الثقافة مع السلطة أم أنها تكملها؟ ألا يوجد بين المثقفين أنفسهم استبداد وإرهاب فكري، واسكات للصوت المخالف وإرهاب له؟ لماذا لا يوضع حد لهذا قبل أن تتم الدعوة لوضع حد للإرهاب السلطوي واستبداده؟ الأمر الذي يعد ذلك إرهابًا فكريًا.

وفي إطار هذا التحليل الاجتماعي لواقع المثقف العربي، فإنه يقف خارج ابتزاز شائعين في أوساط المثقفين العرب ألا وهما:
أ‌- تجريح الذات كرد فعل على اخفاقنا في مواجهة الغرب وإسرائيل.

ب‌- تمجيد الذات كما تحدثنا عنه كمحاولة للهروب من مواجهة الواقع الحقيقي الذي نحياه اليوم وهو مرآة عاكسة لحجم الآلام والمآسي.

•  لقد أثبتت الأحداث التاريخية ومن وحي التجربة الحية بين الآخر والعالم العربي والإسلامي حساسية العمق والإرث التاريخي الحضاري، وعلى الرغم من إيماننا بأهمية الحاضر الشاخص والتقليل من هاجس الماضي والبقاء فيه، إلاَّ أن الغرب أصبح يعاني من عقدة نفسية تثير أكثر حساسية تجاه حضارات وتراث شعوبنا العربية الإسلامية، لأنها ببساطة لا يوجد لديها هذا الإرث الحضاري، ومن هنا فليس من الغرابة أن تجد النقاط المضيئة في تاريخ الحضارة الإنسانية نفسها كالعراق مثلاً مصدر هجوم شرس لذوبانها وإزالتها، بل ومحاولة شطبها من على الخريطة التاريخية العالمية بوصفها مجال خطر وتهديد مصالح وأمن أمريكا والغرب، وفي هذا الإطار لا يجد المرء ما يثير دهشته حينما يتعرض اليوم العراق لهذه الحشود العسكرية الضخمة والتأجيج بالحرب تحت بوابة أسلحة الدمار الشامل تارة ومكافحة مواقع الإرهاب تارة أخرى، ولذلك فإن ما عبر عنه مفكرو الغرب من نظرية صراع الحضارات “ونهاية التاريخ”، والإسلام دين للإرهاب والعنف، هي محاولات تقع تحت هذه المظلة، مظلة السيطرة على مفاصل مصادر النفط العالمي من ناحية وضمان إحكام القبضة والسيطرة على العالم من ناحية أخرى.

•  هل الأسلحة التي تستخدم ضد الشعوب المغلوبة على أمرها في العالم وخاصة في العالم العربي وتحديدًا في فلسطين لها علاقة بالثقافة أو الحضارة الإنسانية، لا يستطيع أحد الادعاء أو القول إن هذه الدولة ديمقراطية ويتحدث عن حقوق الإنسان
وحرية الرأي وغير ذلك؟ بعد هذه المشاهد السياسية والعسكرية والإرهابية التي تمارس ضد فقراء العالم من قبل أصحاب العولمة والقوطبة والأمركة أم ماذا يجري في عالم اليوم؟
ومن هنا لابد من الضرورة بمكان توحيد الخطاب في واقع الأمة وترتيب الأولويات بمواجهة الإرهاب الصهيوني العالمي الذي يمارس ضد وجودنا وحقوقنا المشروعة وثقافتنا وهويتنا التاريخية وحضارتنا الإنسانية، وعلى المثقف أن يشكل طليعة الأمة والمجتمع والمدافع الأمين والقوي عن وجودها ومصيرها. بدليل كلمة وزير الخارجية الأمريكية في جلسة استماع مجلس الكونغرس بتاريخ 6 فبراير التي أشار فيها بكل صراحة وبدون أي حرج ودبلوماسية هي تصميم أمريكا على الإطاحة بالنظام العراقي لتتاح بذلك تسوية المصالح الأمريكية في تغيير خارطة الشرق الأوسط وبالتالي حل القضية الفلسطينية حسب المصالح الأمريكية، إنني من خلال هذه الاستنتاجات ومن على منبر هذه الوريقات أشارك وأشاطر الرأي فيما يدعو إلى مصالحة وطنية تاريخية بين المثقف والسلطة، وأن يكون هناك برنامج متفق عليه ضمن ترتيب وجدولة الأولويات في الوطن الذي ينتمي إليه المثقف، خاصة وأن الذين تغربوا وأغرتهم الصور المزيفة والمضلَّلة وعاشوا في عالم الأوهام والخديعة وكذبة الأعلام الذي يصّور الأشياء على غير حقيقتها كما حدث في أحداث سبتمبر وأدعو هؤلاء إلى قراءة علمية واقعية ومتفحصة لمواقع الوطن العربي وظروف الإنسان العربي، وما يعانيه في نظام النهب العالمي، نظام السلب والهيمنة والتسلط والغطرسة والذل والاضطهاد.

إن عالم اليوم مسيطر عليه من قبل قوى لا تقيم وزنًا للحوار ولا للثقافة ولا لصوت العقل ولا للرأي الآخر ولا للديمقراطية، بل هي سياسة الإكراه والفرض والسيطرة، وهنا تبرز بجدارة وبشكل واضح مسؤولية المثقف وضرورة السعي الجاد والمسئول لحالة ثقافية نهضوية، تتفاعل مع نزوع الأمة ورغبتها الجامحة وسعيّها إلى التحرر من كافة أشكال السيطرة والتبعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية.

•  إن الناس إذا لم يصنعوا التاريخ فهم يصبحون أدوات بيد صناع التاريخ ومجرد أشياء لصنع التاريخ، وبالتالي يشعر المثقفون العرب شعورًا واقعيًا بأنهم لا يملكون فرص التأثير في صنع القرارات ولاسيما التي تتعلق بصنع التاريخ العربي الراهن، وقد أملت هذا الشعور عليهم البنية السياسية العربية الراهنة حيث تجري في الأغلب مركزة القرارات وجميع وسائل التأثير في مراكز السلطة الحاكمة ذات الطابع البيروقراطي والتي للأسف تقع تحت لواء الاختيار العشائري والقبلي وأحيانًا تحت لواء الانتماء الحزبي والقروي. وانطلاقًا من هذا وذاك لا يستطيع المثقف العربي اليوم أن يحدد موقعا لنفسه ضمن الحياة الفكرية لزمنه وعصره. إلاَّ من خلال دور يختاره بنفسه، وقد قيل إن المفكر يستطيع أن يتصور نفسه في واحد من هذه الأدوار الثلاثة:
‌أ- دور الفيلسوف الحاكم.
‌ب- دور المستشار الحاكم.
‌ج- دور المستقل.
ومع ذلك يبقى الدور الأفضل واللائق بالمثقف العربي هو دور المستقل، وبقيام هذا المفكر بهذا الدور في هذه الفترة الظلامية ما يؤمل بمشاركته في صنع التاريخ العربي، ولكن ليس بالأثر الفاعل الذي ينجم عن قيامه بالدورين الأول والثاني.
إن هذا هو الإرهاب بعينه الذي مورس ويمارس على حاملنا الاجتماعي والمتمثل في حامل مشعل التنوير “المثقف” إننا نمارس الإرهاب ضد بعضنا البعض قبل أن يمارسه الآخرون علينا وهذا هو حالنا.

•  إن قضية الأصولية تثير الآن صخبًا إعلاميًا كبيرًا في أوساط الفكر العربي وثمة نظرتان أساسيتان، تحيل أولاهما الظاهرة المعنية إلى مرجعية غريبة يفهم منها أن هذه الأصولية حددت في الغرب ثم جاءت بعد ذلك إلى الوطن العربي. وبطابع الحال تتفق الأوساط الثقافية الأمريكية خصوصًا وبعض الأوساط الأوربية مع وجهة النظر هذه حينما يؤكد أنصارها على أن الأصولية لم تنشأ نشأة داخلية عربية، ولكن على مستوى الفكر العربي فنجد أن هذه المسألة فعلاً صنيعة الاستعمار أو الإمبريالية أو النظام الدولي الجديد، وثانيهما، فتؤكد على أن مرجعية الظاهرة المعنية تستمد من موقف إسلامي يأخذ طابعًا شعوريًا يريد أن يعيد للإسلام شبابه وحيويته. إن ظاهرة الأصولية هي ظاهرة مركبة تحتاج إلى رؤية تحليلية جدلية تضع الظاهرة المعنية في سياقها التاريخي والاجتماعي، وبإمكاننا أن نفهم الأصولية الثلاثة من شأنه أن يضعنا أمام ظاهرة مركبة تمتد مرجعياتها في عدة اتجاهات في المجتمع العربي الإسلامي، فإذا كانت الأصولية الاجتماعية هي الينبوع الحقيقي للأصولية في العالم الثالث وتتمثل في جمهرة المهمشين، فإن الأصولية السياسية لا تتماثل بالضرورة مع الأصولية الاجتماعية، إنما تأتي من خارجها لتصادر على مسلمات تعتقد أنها ستصل إليها. ومن ثم فإن التمييز بين هذه الأصوليات يمهد لعمل أكثر نضجًا وخصوصًا للسياسي العربي والمفكر الذي عليه أن يميز بين القائد الأصولي والأصولي الاجتماعي الذي لم يجد أمامه سوى هذا الطريق.

إن الأصولية الاعتقادية هي تلك الأصولية التي تمتلك تاريخًا مجيدًا في التاريخ العربي والإسلامي، وتقوم على القول بأن الأصولية هي المنابع التي يجب أن نعود إليها بين حين وآخر دون أن نقع في هذه الظاهرة الأصولية. وهنا لابد من التمييز كذلك بين الأصولية والأصولوية، حيث أن الأخيرة تجسيد منهج في النظر ينطلق من التأكيد على أن الأسلاف لم يتركوا شيئًا للأخلاف، وإذا كان الأسلاف قد امتلكوا الحقيقة المطلقة، فإن الأخلاف الذين نحن منهم، إذا ما واجهوا أسئلة جديدة، فما عليهم إلا أن يعودوا إلى الأسلاف ليستمدوا أجوبة على هذه الأسئلة، والأصولية بهذا المعنى أو ذاك هي إحدى قراءات الإسلام وليست القراءة الوحيدة.

ولكن السؤال الذي ينبغي إثارته في خضم هذا الاستنتاج هل تمتلك هذه الأصولية مصداقية معرفية تاريخية، بمعنى آخر هل تستطيع أن تجيب على الأسئلة المطروحة أمامها، وأمام من أخفقوا حتى الآن في الإجابة عليها؟
وفي ظل مفهوم العولمة تواجه الأصولية إشكالية وهي إذ تدعي الأصولية امتلاك الحقيقة المطلقة، الأمر الذي يجعل منها إقصائية ورافضة للآخر لدرجة إمكانية إلغائه كليًا، بقصد تحقيق النقاء في الفكر أو الحياة، وما العنف الذي تمارسه باسم الإسلام إلا سبب ادعاء دور رسائلي وتبشيري لنشر حقيقتها المطلقة، ولكن الميزة الرئيسية في العولمة، أن النسبية هي المطلق الوحيد أن صح التعبير، فالعولمة لا تسعى إلى خلق مركز أو قطب واحد كما يبدو ظاهريًا ولكنها تعمل على زحزحة الثوابت، وفي هذه الحالة يصعب فرض ثقافة مركزية عالمية، ولكن ستوجد ثقافات إنسانية عالمية تشترك في طرائق تفكير واستخدام أدوات عالمية، ولكنها تتنوع في التعبير عن خصوصية غير ثابتة أي نسبية.

•  لا يرجع عجز الحركة الأصولية عن الاستجابة إلى طبيعة الدين أو عدم مرونته ولكن إلى قدرات الحركة نفسها، وأن الحركة السلفية أو الأصولية بمختلف أجنحتها أحد أعراض الأزمة، وليست حلاً لها، لذلك لن تقود إلى ثورة نهضوية في مختلف مجالات حياة النهضة العربية المنشودة والمرتقية التي نتطلع إليها بلهفة وشوق شديدين، بل ستفاقم التدهور بكل صوره وتستمر في عجزها عن مواجهة التحديات الماثلة أمام عالمنا العربي والإسلامي في أحلك وأصعب وأحرج لحظاته التاريخية، ولكن مع ذلك تواصل الانتشار الجماهيري الكاسح كما حدث في كثير من البلدان العربية والجزائر دليلاً على ذلك، ولكن ليس بسب قدراتها الذاتية على امتلاك ناحية المعرفة ولكن بسبب غياب البديل الوطني الديمقراطي الذي كان يمكن أن يمثل أو أن يكون مؤهلاً لقيادة النهضة، وإنجاز المشروع القومي التقدمي من ناحية، ومن ناحية أخرى عجز قيادات الأنظمة العربية وخاصة عقب الاستقلال الوطني عن تحقيق المهمات التي كانت جماهيرها تطمح وتتمنى تحقيقها.

الخاتمــة
يشغل موضوع الإرهاب هاجس العالم بأشمله، وازدادت أهمية وحيوية هذا الموضوع مباشرةً بعد أحداث 11 أيلول 2001م في نيويورك وواشنطن. وللأسف الشديد أن الحديث عن الإرهاب في الظروف التي فرضها علينا، لم يعد كمصطلح ومفهوم يتم دراسته ومعرفته، بل أضحى من نتائجه الوخيمة أن هذا المصطلح ارتبط بصورة دائمة وأصبح لصيقًا ورديفًا للعرب والمسلمين، وتركزت الأبحاث والمقالات والدراسات الأمريكية والغربية في شن هجومها على منتجي الإرهاب ممن وصفهم بأنهم حقول صالحة لزراعته وهي الأماكن العربية – الإسلامية، ولم تتحدث هذه الدراسات عن أسباب هذه الظاهرة أولاً، وثانيًا ولم تعمل على التمييز بين الإسلام وبين من يتحدث باسمه، وثالثًا لم تتعرض هذه الأبحاث إلى أن الإرهاب كظاهرة لها ما يبررها على صعيد الواقع العملي وألا مواطن لها بحيث أضحى الإرهاب في المسيحية واليهودية... إلخ.

وعقب أحداث 11 أيلول كان هناك اعتقاد بأن الولايات المتحدة ستعمل على مراجعة سياستها الخارجية وبخاصة في ارتباطها بأزمة الشرق الأوسط عامة، والقضية الفلسطينية خاصة، لكن التطورات التي حصلت جاءت مخيبة للآمال، فالولايات المتحدة استمرت في تأييدها اللامشروط لإسرائيل، بل عملت ولأول مرة على ضم فصائل فلسطينية تحررية إلى قائمة التنظيمات الإرهابية، واستعمال حق الاعتراض أو التهديد باستعماله داخل مجلس الأمن لمنع إرسال قوات لحماية الفلسطينيين، وإذا كان الدور الأمريكي في إدارة هذه الأزمة أصبح ضروريًا وملحًا بعد أن نجحت في حملتها ضد ما يسمى بالإرهاب، وبدأت الولايات المتحدة في خضم استثمار هذه القضية وتوظيفها في البحث عن شركاء جدد للبحث عن مخرج لأزمة اجتياح الجيش الإسرائيلي لمناطق الحكم الذاتي رغبة منها في عدم تحمل تداعيات ما آلت إليه الأمور التي تتحمل قسطًا وافرًا منها.

إن إدارة الولايات المتحدة للأزمات العربية والدولية عمومًا تتم وفقًا لسياسة واقعية تستحضر عناصر الربح والخسارة وتتوخى اختيار الممكن من بين عدة بدائل ولو كان سيئًا. وتظل السمة المميزة لهذه الإدارة في غالب الأحيان هو كونها تعكس قانون القوة بدل قانون القانون.
* عميد كلية الآداب - جامعة عدن
المراجع في الكتاب​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى