براءة أطفال تمحوها ظروف بلادنا القاسية

> كتب: عدنان الحاج

>
من منا لا يرق قلبه حين ير طفلا صغيرا لم يتجاوز عمره الـ10 سنوات، وهو يعمل في منتصف الطريق، وأشعة الشمس تحرق جسده، وذلك للحصول على لقمة العيش.

أطفال كثيرون يعملون في أعمال متعددة، حين أجبرتهم الظروف القاسية للخروج، بحثا عن العمل ليساعدوا أسرهم لأجل الحصول على لقمة العيش التي أصبحت صعبة المنال، خصوصا مع الأوضاع الراهنة التي تعيشها بلادنا، والتي تتدنى يوما بعد يوم، فالحرب التي مررنا ونمر بها دمرت الاقتصاد والبنية التحتية، وحتى القلوب، وجلعت أغلب القلوب لا تأبه لما يعانيه البسطاء من الناس.

ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن عامة، وعدن خاصة، ليست بالأمر الجديد، لكنها زادت كثيرا في الآونة الأخيرة، حيث ازداد عدد الأطفال العاملين في البيع بمختلف المهن، فكانت مديرية الشيخ عثمان بعدن الأكثر استقبالا لعمالة الأطفال في شوارعها وحارتها وأسواقها ومطاعمها، أما مديرية صيرة «كريتر»، فقد تفشت فيها هذه الظاهرة مؤخرا، بأعداد كبيرة للأطفال في فترة ما بعد الحرب.

وتتراوح أعمار هؤلاء الأطفال ما بين الـ 12 إلى 18 عاما، وبذلك يكونون قد أكملوا سن الطفولة بالعمل.

والكثير من الأطفال ممن يعملون يخرجون للعمل بعد أوقات المدرسة، والكثير منهم اضطروا إلى أن يتركوا التعليم ليتفرغوا للعمل للحصول على لقمة العيش.

ما بعد الحرب
بعد أن عانى سكان العاصمة عدن كثيرا جراء الحرب الأخيرة التي شنها الحوثيون في منتصف مارس 2015، لم تنتهِ معاناة الناس بعد، بل زادت، في حين أن أغلب الأسر ليس لديها مصدر دخل ثابت، وإن وجد على هيئة راتب ضئيل ومتقطع لا يكفي لشيء ولا يستطيع مجارات موجة الغلاء الفاحش، الذي يضرب بيد من حديد بطون الجائعين، فيما المسؤولون والأغنياء لا يهمهم إلا اعتلاء المناصب، وزيادة الربح والأملاك، كل ذلك أجبر أغلب الأهالي على الدفع بأطفالهم للعمل لمساعدتهم في الحصول على حياة كريمة.

أعمال متعددة يقوم بها الأطفال، وهي ليست مناسبة لبنيتهم الضعيفة وأجسادهم الصغيرة، ومن ضمن هذه الأعمال حمل البضائع من الشاحنات إلى المحال، أو العمل في البناء أو غسل السيارات، وغيرها من الأعمال الخطيرة التي تهدد حياتهم.

يروون العطش ولا يروى عطشهم
إذا مررت بسيارتك في منتصف الطرق العامة والأسواق تصادف الأطفال يبيعون الماء البارد ليرووا عطش المارة، لكن هل من أحد فكر بأن يروي عطشهم للعيش في حياة سعيدة كباقي أطفال العالم، دون أن ينقصهم شيء؟
فالأطفال، حاليا، لا يحلمون إلا بكيفية الحصول على لقمة عيش هنيئة لهم ولأسرهم.

إن ما يتحصل عليه الأطفال العاملون من مبلغ بسيط كمردود عملهم من أرباب العمل يصل إلى 1000 - 500 ريال باليوم الواحد، فما الذي سيفعله الطفل بهذا المبلغ الزهيد في ظل غلاء الأسعار؟ هل يشتري به شيئا لنفسه أو يعطيه لأسرته؟

علمتهم الحياة دروسا قاسية
كثيرا من الأطفال يتسربون من المدارس للعمل، فتلاحظهم يعملون في أوقات الذروة من النهار وبثياب المدرسة، ومنهم من أجبرتهم الظروف على الخروج من المدرسة وترك التعليم لعدم قدرة أهاليهم على تحمل مصاريف الدراسة، فحتى الكتاب الذي كان مجانا وبمبلغ رمزي أصبح يباع بسعر مرتفع وليس بالنسخة الأصلية بل (مصورة)، فيضطر بعضهم للعمل وتحمل المشقة، فعلمتهم الحياة دروسا أفضل مما علمتهم المدرسة.

المتسولون حدث ولا حرج
ظاهرة التسول أصبحت منتشرة بكثرة في مدينة كريتر في الآوانة الأخيرة، ونلاحظ أن أغلب المتسولين من فئة الأطفال، فهم يتخذونها مهنة وعملا سهلا، ليستعطفوا المارة الذين يرأفون لحالهم، ويمدون لهم يد العون ولو بجزء بسيط، فهم ضحية الفقر والجوع، فلا حول لهم ولا قوة إلا بالله.

العيد ليس عيدهم
يزداد انتشار عمالة الأطفال في كريتر، خصوصا مع شهر رمضان المبارك، باعتباره موسما للتسوق، فالكل يتوجه إلى الأسواق للتبضع وشراء الاحتياجات وملابس العيد، فالأطفال يخرجون ليبيعوا الأطعمة مثل (السمبوسة، العصائر، الحقين، المفرقعات، الألعاب النارية، الأحذية، الملابس، والألعاب)، على أرصفة الطرقات، ويتجولون بحثا عن رزقهم.

يبتسمون بشقاء
العديد من الأطفال الذين نزحوا من المدن المجاورة التي تدور الحرب في مناطقهم، وهربوا من الحرب للعمل، لا يجدون سبيلا آخر للعيش سوى العمل لتوفير حياة طيبة لهم ولأسرهم بأبسط الأشياء.

فهذا الطفل فيصل، أحد الأطفال النازحين من مدينة المخا، ودرس حتى الصف الثالث ابتدائي، ولم يكمل تعليمه بسبب الظروف المعيشية التي يعيشها بسبب الحرب، لكنهُ خرج بحثا عن العمل لتوفير لقمة العيش، فهو يعمل في بيع الحقين.

يقول فيصل: «كنت أدرس في البلاد، لكن حاليا توقفت عن الدراسة وعمري الآن 13 عاما، بسبب الظروف المعيشية». أما الطفل حسين عبد الواحد، الذي يبيع الأحذية وعمره 10 سنوات، في سوق كريتر (النقيب)، وجاء من تعز، وهو يدرس في الصف الثالث، فقد أجبرته الظروف الصعبة على ترك مدرسته.
أطفال آخرون ممن يعملون في بيع الألعاب النارية وأعمارهم تتراوح ما بين الـ12 إلى 17 عاما، ونتساءل كيف سينتهي بهم الحال في بلادنا؟! وإلى متى سيضحون ببراءتهم ليعيشوا حياة كريمة، بدون ذل ولا فقر ولا جوع؟​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى