حكمة الرحمن.. في صيام رمضان (2)

> إعداد/ علي راوح

> ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم إثبات الأهلة بالحساب الفلكي، ولهذا حصر طرق إثبات هلال رمضان، في الرؤية، أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً، ونفي الاعتماد على الحساب الفلكي.
طرف من أقوال الفقهاء
ونورد طرفا من أقوال الفقهاء في هذه المسألة:
* قال الحنفية (رسائل ابن عابدين) إن شرط وجوب الصوم والإفطار رؤية الهلال، وأنه لا عبرة بقول المؤقتين ولو عدولاً، ومن رجع إلى قولهم فقد خالف الشرع.
* وقال المالكية (مواهب الجليل في شرح مختصر خليل للخطاب): منع مالك من اعتماد الحساب في إثبات الهلال، فقال: «إن الإمام الذي يعتمد على الحساب، لا يقتدى به ولا يتبع».
* وبين أبو الوليد الباجي (المنتقى لأبي الوليد الباجي) من المالكية، حكم صيام من اعتمد على الحساب، فقال «فإن فعل ذلك أحد، فالذي عندي أنه لا يعتمد بما صام منه على الحساب، ويرجع إلى الرؤية في إكمال العدد، فإن اقتضى ذلك قضاء شيء من صومه قضاه».
* وقال النووي من الشافعية (المجموع للنووي): «قال أصحابنا وغيرهم لايجب صوم رمضان إلا بدخوله، ويعلم دخوله برؤية الهلال، فإن عم وجب استكمال شعبان ثلاثين».
الأخذ بالآلات الحديثة كالمراصد والدرابيل
الدرابيل معناها (المنظار المقرب) فالأخذ بهذه الآلات في رؤية الأهلة قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز (رحمة الله) في هذه المسألة:
«ظاهر الأدلة الشرعية عدم تكليف الناس بالتماس الهلال بالآلات الحديثة مثل المرصد والدرابيل، بل يكفي رؤية العين، ولكن من طالع الهلال بها، وجزم بأنه راه بواسطتها بعد غروب الشمس، وهو مسلم عدل، فلا أعلم مانعاً من العمل برؤيته الهلال لأنها من رؤية الهلال بالعين».. وقال: «فإن كان هناك رؤية ولو عن طريق المراصد الفلكية فإنها معتبرة، لعموم قوله صلى الله علية وسلم:
«إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا»
لا يفطر إلا بشهادة عدلين
أورد المؤلف في هذه المسألة قوله: فلا يثبت هلال شوال إلا إذا راه عدلان، قال الترمذي، وغيره: لم يختلف أهل العلم في الإفطار أنه لا يقبل إلا بشهادة رجلين، أي عدلان يشهدان، لأنه مما يطلع عليه الرجال غالبًا، وإنما أجزئ بواحد في الصوم احتياطاً للعبادة، واحتج لذلك بما رواه عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال:
«فإن شهد شاهدان، فصوموا وأفطروا» أخرجه النسائي وصححه الألباني، وقال ابن عبدالبر (رحمه الله) «أما الشهادة على رؤية الهلال، فأجمع العلماء على أنه لا تقبل في شهادة شوال في الفطر إلا رجلان عدلان».
أحكام لمن يرخص لهم الفطر
المفطرون في رمضان على ثلاثة أقسام:
1 - من يرخص لهم الفطر، ويجب عليهم القضاء، وهما المريض الذي يرجى براؤه، والمسافر.
2 - من يرخص لهم الفطر، ويجب عليهم الفدية، وهم الشيخ الكبير، والمرأة العجوز، والمريض الذي لا يرجى براؤه.
3 - من يجب عليهم الفطر والقضاء معاً وهم الحائض والنفساء.
حكم من أخر القضاء
من أخر القضاء لعذر حتى أدركه رمضان آخر، فليس عليه غيره، وإن فرّط أطعم مع القضاء لكل يوم مسكيناً.
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن قضاء رمضان على التراخي، لكن قيدوه بما إذا لم يفت وقت قضائه، كأنْ يهل رمضان آخر وهو لم يقضِ، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت «كان يكون علي الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو برسول الله» أخرجه مسلم - كتاب الصيام باب قضاء رمضان في شعبان.
فإن أخر القضاء بغير عذر حتى دخل عليه رمضان آخر أثم بذلك، وذهب إلى لزوم الفدية أبو هريرة وابن عباس وابن عمر، رضي الله عنهم، حيث قالوا: فيمن عليه صوم، فلم يصمه حتى أدركه رمضان آخر، عليه القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم، وهذه الفدية للتأخير.
وذهب الحنفية بإطلاق التراخي بلا قيد، فلو جاء رمضان آخر ولم يقضِ الفائت جاز له أن يقدم صوم الأداء على القضاء، ولا فدية عليه بالتأخير، واحتجوا لذلك بأن الله تعالى لم يوجب إلا  عدة من أيام أخر، ولم يوجب أكثر من ذلك، وكون الصحابة أفتوا في ذلك فقولهم حجة ما لم يخالف النص، وهنا خالف ظاهر النص فلا يعتد به، فالنص القراني يقول «فعدة من أيام أخر» ولم يذكر إطعاماً.
وذهب بعض الفقهاء إلى أن من أخر القضاء بلا عذر وجب عليه الإطعام فقط، ولا يصح منه الصيام، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».
أخرج البخاري - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة.
هل الحقن تفطر؟
يقول مؤلف كتاب (وبل الغمامة): نظراً لحاجة الناس إلى بيان هذا الحكم فسوف نتوسع في بيانه شيئاً ما ثم نبين الراجح من أقوال أهل العلم في هذه الأشياء، فنقول وبالله التوفيق: الحقن التي يستعملها المرضى لمعالجة العوارض الصحية التي تطرأ عليهم، لها منفذان إما عن طريق الوريد، وإما عن طريق الشرج.
أولاً الحقن الشرجية: فهذا النوع عرفه الإنسان من زمن بعيد، وهي حقن تعطى للإنسان لأغراض متعددة، منها أن الأمعاء قد تسبب مغصًا وألماً فتعطى الحقنة الشرجية لتطهيرها من الفساد، كما أن الأمعاء قد تتعرض لحالة من الانقباض والجفاف، فيدخل إليها السائل لتليينها، وقد تُعطى هذه الحقنة للتغذية والتقوية، كما لو كان في المعدة مرض يمنع من قبولها الطعام، أو الشراب، فالمعطى هنا يقوم مقام الأطعمة في التغذية.. وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الحقن الشرجية تُفطر الصائم أيا كان غرض استعمالها، وقد استدلوا لذلك، بأن هذه السوائل تدخل الأمعاء، وما يدخل فيها اختياراً مفطر لحديث «الفطر مما يدخل»، وقالوا: إن كل ما وصل إلى الجوف بفعل الصائم من حقنة وغيرها يفطر قياساً على أن كل ما وصل إلى الدماغ يفطر الصائم إذا كان يفعله، لقوله صلى الله عليه وسلم: «وبالغ في الاستنشاف إلا أن تكون صائمًا»، وعليه فكل ما وصل إلى موضع الطعام والغذاء، أو غيره من حشو جوفه يفطر، وهذا يصدق على الحقنة الشرجية، وقال بعض أهل العلم إن الحقنة الشرجية لا تفطر الصائم مطلقاً، واستدلوا لذلك بأن محظورات الصوم - الأكل والشرب- وحقيقتها هو دخول شيء من الحلق إلى المعدة، أكان مغذياً أم غير مغذٍ، ومما قاله شيخ الاسلام ابن تيمية وعلل ذلك بأن هذا ليس أكلاً ولا شرباً، ولا بمعنى الأكل والشرب، وقال الشيخ بن باز:
«والذي أرى أن ينظر إلى رأي الأطباء في ذلك، فإن قالوا إن هذا كالأكل والشرب، وجب إلحاقه به، وصار مفطراً، وإذا قالوا إنه لا يعطي الجسم ما يعطيه الأكل والشرب، فإنه لا يكون مفطراً»
قال المؤلف: وبعد الرجوع إلى الأطباء وسوالهم عن الحقنة الشرجية هل تصل إلى الجوف أم لا؟ أكدوا أنها لا تصل إلى الجوف،
وبناءً على ذلك نقول بأن الحقن الشرجية لا تفطر.. تنبيه «ما ينطبق على الحقنة الشرجية ينطبق على التحميلة التي تُعطى في الشرج».
حقن الوريد والشرايين
اختلف أهل العلم في نوع الحقن التي تعطى عن طريق الوريد والشرايين في مدى تأثيرها على الصوم، فذهب بعض أهل العلم إلى جوازها مطلقاً، وأنها لا تؤثر على الصوم، لأنها ليست مما ينفذ إلى الجوف بواسطة المنافذ المعتادة، كالفم والأنف والعين والأذن، والدبر، وأنها لا تدخل محل الطعام والشراب فلا تفطر، وقالوا: إن ما تحدثه من انتعاش في الجسم لا يضر، لأنها لا تدفع عطشاً ولا جوعاً، فلا تأخذ حكم الأكل والشرب وإن أدت شيئاً من مهمته، وقال بعضهم: إن الحقن بجميع أنواعها تفطر سواءً كانت للدواء أو الغذاء، وذلك للاحتياط العام للعباد.
وخلص المؤلف إلى القول: الراجح عندي أن الحقن إذا كانت تعطى عن طريق الوريد، وكانت مغذية، فهذه تفطر، لأنها تأخذ معنى الأكل والشرب، أما إن كانت تؤخذ في العضل أو كانت في الوريد ولم تكن مغذية فلا تفطر، وهذا هو اختيار شيخنا بن باز وابن عثيمين رحمهما الله.
استعمال بخاخ الربو والأكسجين
إن هذا البخاخ، أو الاكسجين وأمثالهما، في الحقيقة لا يصل إلى المعدة، وإنما يصل إلى القصبات الهوائية، فليس هو بمعنى الأكل والشرب، ولذا نقول لا بأس باستعمال ذلك لمن احتاج له، اللهم إلا إذا كانت هذه الأشياء تضاف لها سوائل أخرى تصل إلى المعدة، فهنا تفطر الصائم ويجب عليه القضاء.
ما حكم استعمال قطرة العين والأذن والأنف؟
أما قطرة العين والأذن فإنها لا تفطران وإن وجد طعمهما في الحلق، لأنهما ليستا منفذان للأكل والشرب، أما قطرة الأنف فإذا وصلت إلى المعدة فأنها تفطر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط ابن صبرة : «وبالغ في الاستنشاف إلا أن تكون صائماً».
ما حكم منظار المعدة عبر الفم، وما حكم القيء وما حكم الحجامة للصائم، وما حكم من استمنى وهو صائم، وغير ذلك من أحكام الصائم
هذا ما سنتناوله في الحلقة القادمة.
مراجع المادة الصحفية:
كتاب (وبل الغمامة، في شرح عمدة الفقه لابن قدامة).
- تأليف الدكتور/ عبدالله بن محمد بن أحمد الطيار.
* كتاب (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان).
- تأليف العلامة الشيخ/ عبدالرحمن ناصر السعدي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى