الحديدة.. الجبال للحوثيين والساحل للتحالف.. فمن ينتصر العقل أم البندقية؟

> د. فضل الصباحي*

>
‏الحديدة وميناؤها الإستراتيجي محل أنظار العالم بعد أن حشد التحالف العربي بقيادة السعودية قوات ضخمة على أبواب مدينة الحديدة، قوة مكونة من القوات المشتركة بمسمياتها المختلفة يصل تعدادها إلى أكثر من ثلاثين ألف مقاتل مدعومة بالطيران والقوات البحرية، والبرية… من الجهة الأخرى يستعد الحوثيون للدفاع المستميت عن الحديدة حيث قاموا بحفر الخنادق وزرع المفخخات ونشر القناصة في كل أحيا الحديدة، معركة مخيفة ومرعبة غير معروف نتائجها، خاصة والحوثيون قد جهزوا لحرب شوارع وحرب استنزاف طويلة على أمل أن يتدخل المجتمع الدولي لوقف هذه الحرب، والقوات المشتركة التي تحيط بمدينة الحديدة لن تسلم من هجمات الحوثيين الموجعة خاصة وهم يملكون الجبال والسهول والوديان من تعز إلى الحديدة، وتنحصر قوات التحالف في الشريط الساحلي فقط وهذا يعرضها لهجمات صاروخية أو نوعية متكررة من قبل الحوثيين.

هل ينتصر العقل اليمني والحكمة اليمانية وينخرط الجميع في عملية سياسية أم أن اللاعبين الإقليميين والدوليين سوف يتحكمون في المشهد اليمني حتى نهاية آخر مقاتل يمني؟
يقول الحكماء: علمنا التاريخ بأن نهاية الحروب غير معروفة؟ إما أن نُنهي الحرب ونتعايش بسلام أو أن الحرب تُنهينا ونذهب جميعاً إلى المجهول، وجميع الحروب عبر التاريخ انتهت بالمصالحة والتعايش بين المتحاربين حتى بعد ملايين الضحايا.
علينا أن نستفيد من التاريخ: الحل السياسي هو الأفضل والأصلح والأمثل لأزمة اليمن…

في معركة واحدة من معارك الحرب العالمية الأولى معركة السوم في عام 1916م هلك: 50 ألف جندي فرنسي و130 ألف جندي بريطاني و160 ألف جندي ألماني... ولم ينتصر أحد.
في اليمن وصلت الحرب بين أنصار الله الحوثيين والقوات المشتركة المدعومة من قوات التحالف الذي تقوده السعودية دعماً لحكومة الرئيس اليمني المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي وصلت إلى مدينة الحديدة التي يوجد فيها أكبر ميناء يستقبل 70 %من المساعدات الإنسانية والتجارية والطبية التي يحتاج إليها الشعب اليمني.

المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفيثس قال بأن أولويته حاليا هي «منع أي مواجهة عسكرية في الحديدة، والعودة بسرعة إلى طاولة المفاوضات»، ويجدد التأكيد على أن الأمم المتحدة ملتزمة بالتوصل إلى تسوية سياسية يتم الاتفاق عليها لإنهاء النزاع في اليمن، حيث قال: «لقد شجعني الانخراط البناء لأنصار الله في صنعاء، وأتطلع إلى لقاءاتي المقبلة مع الرئيس هادي وحكومة اليمن».

مصر الدولة الأكبر والأقوى عربياً، تؤكد بأن الحل في اليمن يجب أن يكون سياسيا.. جاء ذلك على لسان السيد مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، في كلمته في اجتماع وزراء إعلام دول التحالف المشاركة في حرب اليمن، حيث قال: «أثبتت كل التجارب على أرض اليمن أنه لا حل عسكريا، وأن الحل يجب أن يكون سياسياً، لكن المشكلة التي تواجهنا الآن هي تعنت الحوثيين، الذين رفضوا كل محاولات السلام».

جريفيثس يقول «شجعني الانخراط البناء لأنصار الله في صنعاء»، ومندوب مصر يقول بأن «الحوثيين رفضوا كل محاولات السلام»، وإعلام دول التحالف يردد بأن الهجوم على الحديدة هدفه الضغط على الحوثيين للقبول بالحلول السياسية والدخول في حوار شامل مع جميع الأطراف.. في المقابل نجد أن أعلام أنصار الله في صنعاء لم يقدموا توضيحات كافية حول نتائج لقاءاتهم مع المبعوث الأممي جريفيثس ومدى استعدادهم للتعامل مع الخيارات المطروحة بخصوص ميناء الحديدة وموقفهم من الدخول في عملية حوار شامل مع جميع الأطراف لحل أزمة اليمن ووقف الحرب، كذلك لم يردوا بوضوح على الاتهامات الموجهة لهم من قبل دول التحالف بأنهم ينفذون أجندة إيرانية في اليمن، لم نسمع صوتاً واضحاً من قبل الحوثيين يُسمع العالم بأن الحوثيين ليس لهم علاقة أو صلة بإيران، وأن علاقتهم بمحيطهم العربي وجيرانهم أهم لأمنهم القومي ومصالحهم الاقتصادية بحكم الصِّلة والقرابة، والتاريخ المشترك.

الذي أريد توضيحه في هذا المقال أن المجتمع الدولي يتجه نحو تسوية سياسية تشمل جميع الأطراف في اليمن، وهذا واضح في خطابات وتصريحات مسؤولي الأمم المتحدة وأمريكا، وأوروبا، ودول التحالف، والمنظمات الإنسانية والحقوقية في مختلف دول العالم.. على الحوثيين في صنعاء تقع مسؤولية كبيرة في تطمين الجميع وذلك من خلال تغيير خطابهم وشعاراتهم والتوجه نحو المصالحة مع الشعب والجيران والعالم.. عليهم أن يدركوا بأن الأمة العربية والإسلامية لم تحكم العالم إلا بسلاح العلم والثقافة والأخلاق الحميدة وليس بشعار الموت والقمع ومصادرة الحريات وفرض المذهبية على الآخرين، فهذه صفات الجماعات التكفيرية الدخيلة على الأمة التي شوهت التاريخ الإسلامي ونشرت ثقافة الموت والإرهاب، وكانت سبب تأخر  المسلمين وفرقتهم طوال القرون الماضية وحتى الآن، وعلى الحوثيين أن لا يسلكوا نفس النهج وأن يغيروا من خطابهم، الشعب اليمني بحاجة إلى الأمن والسلام والتنمية والتقدم والرخاء وليس الحرب والفناء.

يقول الخبراء العسكريون بأن تواجد قوات التحالف والقوات المشتركة على الساحل الغربي بدون عمق يحميهم في السلسلة الجبلية والسهول والوديان يعتبر سيطرة وقتية وغير مستقرة، ويمكن مداهمتها وإلحاق أضرار كبيرة فيها من قبل الحوثيين الذين يملكون الأرض والجبال والوديان في تلك المناطق. السيطرة النارية على مدينة الحديدة وحصارها من جميع الجهات من قبل القوات المشتركة المدعومة من قوات التحالف لا يعني انتهاء الحرب فيها، فالحوثيون مستعدون لحرب استنزاف طويلة، وهم يدركون بأن المجتمع الدولي لن يسمح بتدمير الحديدة ومينائها الإستراتيجي المهم الذي يستقبل أكثر من 70 % من احتياجات اليمن من المواد التجارية والإغاثية وغيرها.

بحسب معرفتي بجغرافية المنطقة أرى بأن قوات التحالف والقوات المشتركة تسيطر على الشريط الساحلي من تعز إلى الحديدة والحوثيون يسيطرون على السلسلة الجبلية خلف الشريط الساحلي الممتدة من تعز إلى الحديدة وتشمل محافظات تعز وإب وحجة والحديدة، وهي محافظات تحت سيطرة الحوثيين بالكامل، ويستطيع الحوثيون تنفيذ هجمات موجعة على القوات المشتركة على طول الشريط الساحلي من خلال التعزيزات الكبيرة التي يملكونها في إب وحجة وصنعاء ومناطق أخرى.. الطبيعة الجغرافية لتلك المناطق يصعب مراقبتها من قبل طيران التحالف، وفِي حقيقة الأمر ما تسيطر عليه القوات المشتركة في النهار يستعيده الحوثيون في الليل. الحرب لا تزال مفتوحة في أغلب المناطق على الساحل الغربي ومن يظن بأن السيطرة على الحديدة بالأمر السهل عليه مراجعة حساباته ولنا في تعز عبرة، مجموعات إرهابية سيطرت على تعز طوال سنوات الحرب حتى الآن ولم تستطع قوات الحوثيين وقوات صالح التي تملك جميع أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة والجيش المدرب والقوات الخاصة السيطرة على مدينة تعز إلا في حالة واحدة وهي إذا قاموا بتدمير المدينة بالكامل على ساكنيها.

 الحديدة فيها جيش مدرب وقوات من النخبة اليمنية مجهزة بأسلحة متطورة وتملك إمكانيات كبيرة تمكنها من الصمود طويلاً.. لذلك وحتى لا تخسر الأطراف المتصارعة الكثير من الأرواح ويتأزم الوضع أكثر والخاسر الأكبر هو الشعب اليمني فإن الحل الأفضل للجميع أن يدار ميناء الحديدة من قبل طرف يمني محايد بإشراف الأمم المتحدة ويدخل الجميع في عملية سياسية تجنب اليمن مزيداً من الدمار.
* عن (رأي اليوم اللندنية)​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى