الآلية.. The Modus Operandi (2 - 2)

> محمد نجيب

> «إن الحد الأدنى من الأجور في اليمن تراجع إلى أقل من 45 دولارا في الشهر، مقارنة بـ 95 دولارا قبل الحرب، وفقد الموظفون أكثر من نصف دخلهم بسبب تراجع العملة». صحيفة «الشرق الأوسط»
فزعت وهبت المملكة العربية السعودية، حماها الله من كل عين وسوء وشر ومدبر، أواخر العام 2017م، عقب سماعها استغاثة مدوية ونداءً يائسا مقرونا بمعرفتها وإدراكها المعاناة والشقاء اللذين يعانيهما المواطن اليمني في حياته ومعيشته اليومية وخاصة في صعوبة حصوله وتأمين الحد الأدنى من أساسيات السلع الأساسية الغذائية بسبب «تضخم» أسعارها المستمر دون تراجع أو توقف. ويعزى ذلك بدرجة أساسية إلى تدهور القوة الشرائية للريال، «سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار»، والذي وصل إلى مستويات مرعبة كانت حتما ستؤدي إلى كارثة اقتصادية واجتماعية على مستوى أغلب سكان اليمن.

وحينها اجتمع سيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية، وخرج (لقاء الخير) هذا بإقرار وموافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على «حزمة» مساعدات ومعونات اقتصادية كان على رأسها «إيداع» وديعة سعودية بـ2 مليار دولار في حساب البنك المركزي اليمني من اجل تخفيف وإبطاء وتيرة ووقف تدهور سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار الأمريكي.
بحسب البنك المركزي اليمني ستوفر «آلية» استيراد السلع الغذائية الأساسية سعر صرف للريال اليمني عند 400 ريال للدولار الواحد، ومن هذا السعر (400) سيطلق المركزي وسائله (الغامضة) ليصل بالسعر إلى 385 ريالا للدولار الواحد وهو السعر الذي كان يتداول في السوق منذ نحو 20 شهرا مضت!!

هناك من أوصل معلومة خاطئة لكل من لهم شأن واهتمام ومصالح في «آلية» دعم سعر صرف الريال بدءا من مؤسسة النقد العربي السعودي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووو... والبنك المركزي اليمني بأن «ارتفاع الطلب على الدولار وبالتالي تدهور سعر صرف ريال اليمني سببه الرئيس فاتورة استيراد المواد الغذائية الأساسية  الخمس».

هذه ليس كل الحقيقة... نعم شريحة تجار (السلع الغذائية الأساسية) لها حضورها وحصتها في الطلب الكلي على الدولار في السوق السوداء وتتنافس مع قطاعات اقتصادية أخرى (لها أهميتها ووزنها في الناتج المحلي الإجمالي (GDP، وحتى مع الحكومة، ولكن هناك قطاعات أخرى، ربما أصغر، أو تساوي، أو تزيد حجما/كما في طلبها/اقتناها للدولار الامريكي في السوق السوداء.

إعطاء دعم لسعر صرف الريال للسلع الغذائية الأساسية لن يخفف الضغط على سعر صرف الريال.... وربما، حتى(لا قدر الله) لن يصل إلى «الهدف المنشود» في  رخص أسعار السلع الغذائية الأساسية (المستهدفة) وأن تكون في متناول وقدرة المستهلك (المواطن) المنهك حياتيا ومعيشيا...
نحن بلد يستورد نحو 90 في المئة من كافة احتياجاته الاقتصادية والمعيشية مقرونة بشحة الموارد الطبيعية والقواعد الاقتصادية الكفؤة، قطاعات إحلال الاستيراد (تحد من تدفق  العملة الصعبة إلى الخارج وتحد من الضغط على الريال)... لا وجود لقطاعات  تصدير راسخة (ترفد الاقتصاد بالعملة الصعبة)، وقطاعات أخرى (كالسياحة) شلت أنشطتها بسبب الأوضاع الراهنة في اليمن.

تقلص تحويلات المغتربين اليمنيين في الخليج العربي والسعودية بسبب الموت السريري لنشاط القطاع المصرفي الرسمي وتحول أغلب معاملاته وأنشطته إلى مكونات «الاقتصاد الأسود/الخفي/الظل» والذي يضم معاملات وأنشطة قانونية وغير قانونية لا تصب في دورات الاقتصاد الرسمي مما يحرم الأخير من كثير من المزايا والفوائد التي يحتاجها لتمويل برامجه وخططه الاقتصادية والتنموية. وطالما استمر  الوضع الرسمي على ما هو عليه فسيستمر «الاقتصاد الخفي» في زعزعة الوضع الاقتصادي عامة وأنشطة المال خاصة. وهذا عامل يعتبر من اهم العوامل والذي له تأثير مباشر على الأداء والأوضاع الاقتصادية (بما فيه سوق العملات).

عامل بنفس الأهمية هو النمو (الانفجار) السكاني في اليمن (واحد من الأعلى عالميا) والذي سيزيد في المستقبل الطلب على الواردات عامة والسلع الغذائية الاساسية خاصة، وبالتالي حتمية استمرار نمو  الطلب على العملة الصعبة لدفع فواتير الاستيراد.
مثال حديث على نمط زيادة الطلب على الدولار الأمريكي هو قرار تحرير سوق المشتقات البترولية. يعني ذلك دخول قطاع (لاعب) جديد في سوق الطلب على الدولار  وبحجم يقارب 1.7-2 مليار دولار سنويا. حتما قطاع بهذا الحجم سيؤثر على مستوى الطلب على الدولار في السوق السوداء... هذه العوامل (وهناك أخرى) كغياب دور القطاع الخاص وتوقف الاستثمارات (الوطنية والعربية والأجنبية) لأسباب منطقية ومعروفة زادت من قتامة الصورة الاقتصادية... وعليه سيبقى الطلب على الدولار الأمريكي مستمرا، دون هوادة طلبا مستداما لسنين قادمة، آنية وآجلة....

ولا ننسى عن زيادة متوقعة في الطلب على الدولار الأمريكي ربما لم يختبرها السوق بعد، وذلك عندما تضع الحرب أوزارها قريبا بإذن الله، وتبدأ أعمال إعادة الإعمار  الشخصي والرسمي.
سنحاول في المستقبل بمشيئة المولى أن نكتب عن سوق القطع (العملات Forex) في اليمن.

من ناحية أخرى، وفي تعميمه طلب البنك المركزي اليمني من جميع (أكرر جميع) التجار المستوردين للسلع الغذائية الأساسية( الـ5 المذكورة) تقديم طلباتهم عبر البنوك العاملة في الجمهورية اليمنية.
نحن نعلم تمام العلم أنه وطالما السلع أساسية (إستراتيجية)، فإذا هناك عدد محدود أو فئة معينة من التجار ممن ينطبق عليها وتكون مؤهلة لهذه الدعوة المفتوحة.
هل لدى البنك المركزي اليمني «قاعدة بيانات Data Base»، أو حصر، ولو تقريبي، لمثل هذه الفئة مع معلومات اساسية من بنوكهم حول (مثلا) حجم معاملاتهم السنوية (قبل 2015م وإلى حينه)؟
هل طلب البنك المركزي اليمني «تقرير المعلومات الأساسية Basic Information Report» تكون فيه كل المعلومات عن العميل (التاجر المستورد) بدءا بالاسم الكامل وتاريخ التأسيس، مرورا بالإدارة والعملاء والبنية الأساسية (مستودعات تخزين، أسطول توزيع....الخ) إلى اسماء الشركات في الخارج والتي لها تاريخ وسجل قديم مع ذات التاجر المستورد؟
هل هناك أي ملفات /قضايا قائمة على التاجر المتقدم من جهات مختلفة (كالمحاكم التجارية، وزارة التجارة، الجمارك... إلخ)؟
هل سيقوم البنك المركزي اليمني بالتأكد من كل عمليات الاستيراد، من تقديم الطلب إلى وصول البضاعة؟
هل ستقسم «الآلية» ومبلغها الـ 2 مليار دولار بالتساوي بين الـ 5 السلع، أي 400 مليون دولار/سلعة؟
لأن السلع تتعلق بصحة المواطن، من سيضمن معايير الجودة والأمان الشاملة في كل هذه السلع عامة وحليب الأطفال خاصة؟
هل لدى البنك المركزي اليمني طريقته لاختيار أفضل العروض بالنسبة لأسعار سلعة واحدة تقدم لاستيرادها أكثر من تاجر؟
هل الأسعار المقدمة من قبل التجار تعكس الأسعار العالمية؟
نسب المواد المستوردة... هل ستعطى بعض من الـ 5 السلع وزنا أكثر ماديا أو احجاما؟
بيان البنك المركزي اليمني حدد مبلغا إجماليا وهو 2 مليار دولار مقابل 5 مواد أساسية (القمح والأرز والسكر وزيوت الطبخ وحليب الأطفال).. هل سيقسم مبلغ الـ 2 مليار دولار على الـ 5 المواد بالتساوي؟ وبذلك يكون لكل سلعة نحو 400 مليون دولار؟.. أو ستعطى بعض المواد ثقلا ماديا أكثر من الأخريات؟. مثال: هـل ستبلغ القيمة الإجمالية لكل من سلعة القمـح أكثــر بـ 50 % أو أكثر مقارنة بالسلع الـ 4 الباقيات؟
هل هناك سقف وقاع لكل طلب ولكل سلعة؟
ما الذي سيتحصل عليه بنوك التجار من تقديمهم لطلبات عملائهم (التجار)؟
هل سيتولى البنك المركزي اليمني التأكد «عبر بنوكه المراسلة» من السمعة التجارية والجدارة المالية والانتمائية للشركة/للشركات  المصدرة للسلعة/للسلع؟
هل لدى البنك المركزي اليمني القدرة على تحديد المواصفات ومعايير الجودة لمثل هذه السلع المستوردة؟
هل سيقبل البنك المركزي اليمني طلبات الاستيراد من دون أن يدفع المتقدم (أو بنكه) أي رسوم أو عمولات؟
من سيتحمل إجراءات تعديل الطلبات لاحقا و/ أو تأخر وصول البضاعة (السلعة)....وكم عدد مرات التعديل المسموح به في الاعتماد المستندي؟
من سيتولى إفساح البضاعة من الميناء؟ هل ستكون هذه السلع معفية من الجمارك؟ وإذا هناك جمارك هامشية، فما هو السعر الجمركي للدولار في هذه الحالة؟
هل سيكون ميناء عدن الميناء الوحيد لاستقبال كل هذه الواردات تحت تطبيق «الآلية»؟
هناك أسئلة عديدة ومتنوعة سيتم طرحها عندما يطلب منا ذلك.
أين دور وزارة التجارة في أي من مراحل تطبيق «الآلية»؟
أين تفعيل دور الغرف التجارية والصناعية وإعطائها دور  حتى بالحد الأدنى كإصدار شهادة عضوية/تعريف للتاجر، وأنه مسجل كعضو نشط لديها ومسدد لكل الاشتراكات المطلوبة.... إلخ؟
هناك الكثير لنكتب ونناقش.... ولكن الرسالة التي نريد أن تصل الى البنك المركزي اليمني هي «التأني والتمهل في تفعيل هذه «الألية» كونها «أداة» تمويل (دعم) تجارية جديدة (Trade Finance) تم إعدادها وتجميعها وإنتاجها في ظروف افتراضية ومن قبل من ليس لهم دور في البنك المركزي اليمني.
أي منتج جديد كـ «الآلية» وفي أي مجال كان لابد من تجربته مرات ومرات قبل السماح بتعميمه وترخيصه ونزوله للعمل.

هل هناك دليل تعليمات/ إجراءات لـ«الآلية» بحوزة البنوك للعودة إليها متى دعت الحاجة إلى ذلك؟
2 مليار دولار يعتبر قيمة مادية كبيرة...وكلما كبر الشيء صار من الصعب التنبؤ بما قد يحدث.
البنية الأساسية الحالية للبنك المركزي اليمني تعتبر، من ناحية الخبرة والمستوى الفني، متواضعة (التعميم الأخير والمرفقات) وغير مؤهلة «بالكامل» لاستيعاب وإدارة مثل هذا المشروع بحرفية واقتدار، إلا إذا كانت هناك جهة اخرى (مثلا SAMA) هي التي ستستقبل وتقوم بمراجعة وتصحيح وإعادة....إلخ.

في تعميم البنك المركزي اليمني، الضعيف في أدبياته اللغوية وهيكلة صياغته، المرسل للبنوك بتاريخ 21 يونيو 2018م يطلب... نقتبس أن يكون الاعتماد المستندي sight payment...
هم يقصدون « Irrevocable Sight Letter of Credit».. ولكن هل سيكون FOB أم C&F أم CIF؟
ألا يعلمون «خبراء» الاعتمادات في البنك المركزي اليمني أن التعامل في الاعتماد المستندي بين البنوك يتم «عبر وثائق ومستندات وملحقات»، وليس بضاعة أو خلافها.. يقدمها (في حالتنا المصدر) للبنك المراسل الذي يقوم بمراجعتها ومقارنتها بشروط وبنود الاعتماد المستندي الأصل (في هذه الحالة اعتماد البنك المركزي).. فإذا وجد تطابق دفع على المنصة «on the counter» للمصدر دون الرجوع للبنك المركزي و/أو المستورد.
 ماذا لو شحن هذا المصدر حاويات ملأها بالأحجار بدلا من القمح أو الأرز أو السكر.....؟
وللأسف وبرغم ضعفه اللغوي والفني فإن التعميم مذيل بتوقيع «معالي محافظ البنك المركزي».

هناك نقاط في الاستمارة المرفقة (وهي باللغة الانجليزية) تستوجب  الزيارة مرة أخرى...
- الإستنتاجات:
- «الألية» (The Modus Operandi)  كما نسميها، هي أداة (Tool) تمويل للتجارة (Trade Finance) جديدة لم يتم العمل بها من قبل.. وعليه، إذا لم يتم الانتباه لكثير من العيوب والشوائب الفنية خاصة فيما يتعلق بمراحل تنظيم وضبط مراحل تقديم الطلبات وكذا التواصل المستمر مع البنوك المراسلة... وبناء البنية الأساسية الحالية للبنك المركزي اليمني، فاحتمالية الوقوع في الأخطاء واردة لا محالة...
- التوصية:
نوصي وبكل أمانة وصدق بتأجيل انطلاق «الألية» لمدة 1 - 2 شهر.. والتحضير أثناء هذه المدة لمرحلة تجريبية Pilot Scheme.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى