الثورة.. وحديث الغِيبة!

> عبدالكريم سالم السعدي

> ذات يوم سابق لإعلان الوحدة اليمنية، سُئل الشاعر البردوني من قبل أحد المثقفين في أحد اللقاءات العامة بهدف الإحراج: «لماذا لا تكتب عن الديمقراطية والحرية؟»، فأجاب البردوني بتلقائيته المعهودة: «سيكون الحديث حديث غِيبة!».
والحديث اليوم عن ثورة الجنوب لا يعدو كونه حديثا يدخل تحت سقف الغِيبة، لأن تداخل الأمور وتزاوج الأهداف والتقاء النقائض الذي فرضته حرب 2015م، خلق واقعاً أربك البعض الفاقد للعقلية السياسية المجرِّبة، وفرض واقعاً تبادل فيه الخصوم المواقع، ما أفضى إلى حالة إرباك تقلب فيها البعض الثوري في أحضان القوى المُتَّهَمة خطابياً بغير الثورية، ونتج عن ذلك التقلب ميلاد ثقافة التهجين، التي جعلت من الثائر يحصر مطالبه الثورية بتغيير حكومة من يراه محتلاً، وجعلت من المتهم بالاحتلال يتبنى الأهداف التحررية، ولو من بواباته الخاصة!
وفي ظل أمواج المتناقضات المتتابعة والتي تعصف بالوطن، تتجلى حقيقة واحدة لا يستطيع كائناً إغفالها، أو الالتفاف عليها، تلك الحقيقة هي أن الوطن بأكمله يداهمه خطر محدق قد يمحوه من على الخارطة إذا لم تتحرك الطاقات الوطنية وتُفعَّل العقول في مواجهته. فحالة الفوضى التي تسيطر على المشهد وغياب مؤسسات الدولة ومحاربتها من قبل بعض الأطراف، واستهداف القيم والأخلاقيات التي تقوم عليها ثقافة المجتمع، كل ذلك ومعه الكثير من الظواهر تكاد تفتك باستقرار الوطن وأمنه، وحلمه في العودة إلى مصاف الدول التي تحكمها المؤسسية!
في جنوبنا الجريح، هناك بعض من دعاة الثورة يعاني من بطء الفهم تجاه المتغيرات المتسارعة، ودائماً ما تلقى هذا البعض بدلاً من سعيه لتطوير إدراكه وقدراته التي تلحقه بركب ما فاته، تراه يخالف المنطق في محاولته إيقاف عجلة سير تلك المتغيرات، من خلال فكر يعادي الجميع ويجعل من الجنوب خصماً لكل من هم حوله، حتى أبناؤه في بعض الأحيان، ومن خلال خطاب جفت مياه مفرداته حتى بات على شفا هاوية الاندثار، والسفر في مسارات الرياح إلى المجهول، كل ذلك وغيره من السلوكيات جعل الوطن على شفا جرف هار، قد يسقطنا جميعاً في ضياح تلك العقول المتشددة لفكرها الخادم لأحلامها الخاصة!
في اعتقادي أن الوضع اليوم في الجنوب يتطلب التركيز على إرساء دعائم مؤسسات الدولة، من خلال الالتفاف حول الرئيس عبدربه منصور هادي ودعم توجهاته. ولتحقيق ذلك يجب على أبناء الجنوب ألّا يتوقفوا كثيراً أمام التساؤل عن ماهية تلك الدولة، بقدر ما هو مطلوب منهم المشاركة في النهوض بتلك المؤسسات، خصوصا أن من سيتربع على قمتها هم عناصر جنوبية.
فبإرساء دعائم مؤسسات الدولة سنبني سياجاً يحمي الوطن ويقيه شر المتربصين به، وعلى أرض هذا الوطن ستصاغ لغة الحوار بين الفرقاء للوصول إلى التوافق، وعلى أرض هذا الوطن ستستقر طاولة ذلك الحوار، وعلى أرض هذا الوطن ستثمر تضحيات أبناء الجنوب الذين حلموا وما زالوا يحلمون بوطن مستقر يتسع لكل أبنائه، ويتخلص من ثقافة الكراهية ويضع حداً للأحلام المريضة بالسلطة، والمتلهفة للحكم والحاملة لفيروس الاستحواذ والتملك..!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى