الهوية والجوازات لمن يدفع أكثر.. الأحوال المدنية والهجرة بعدن.. جمهورية يتسيدها فساد السماسرة

> تحقيق/ رعد الريمي

>  لا تكاد تلقى شخصا مبتسما وأنت في طريقك إلى مبنى الهجرة والجوازات بمديرية صيرة بالعاصمة عدن، حتى من أولئك الذين قد تحصلوا على جوازاتهم أو بطائق إثبات الهوية.
فجميع من تقابلهم في هذا المكان يتحدثون بنبرة تذمر، مصحوبة بسيل من الشتائم والسب للظروف التي ألجأتهم إلى مبنى مصلحة الأحوال المدنية والسجل المدني ومبنى الهجرة والجوازات بعدن، والذي يُعد المرفق الحكومي الوحيد في البلاد بشكل عام.

وتتفاقم المعاناة لدى المواطنين في سبيل الحصول على الهوية الشخصية (البطاقة أو جواز السفر) بعد أن استشرى الفساد داخل مؤسسة الهجرة والجوازات.
وبات الكثير منهم يواجهون في الوقت الحاضر العديد من الصعوبات التي تعيقهم عن الحصول عليها أو لتجديدها، فضلاً عن اعاقتهم من استكمال المعاملات والإجراءات المهمة والضرورية كالسفر للخارج بغرض العلاج، أو العمل، أو الدراسة.

وأجبرت اعمال المماطلة والتسويف من قبل الموظفين بهذا المرفق الحكومي الكثيرين إلى الاستعانة بالسماسرة للتعجيل باستخراج بطائقهم أو جوازاتهم على الرغم من التكاليف الباهظة التي يتكبدونها.

استشراء الفساد
كما كشفت أحاديث المواطنين عن مدى الفساد المستشري في هذا المرفق الحكومي المناط به تقديم خدمة مهمة من شأنها أن تُخفف عن معاناة الكثيرين لاسيما المرضى.
وهو الفساد الذي أكده ضباط لـ«الأيام» يعملون هذا المرفق، غير أنهم طالبوا عدم الافصاح عن أسمائهم أو ما يرمز لتخصصاتهم ومهامهم حفاظًا على أرواحهم ومراكزهم الوظيفية.

سمسرة واضحة
ما أن يصل المرء للشارع المودي إلى مبنى الهجرة والجوازات حتى تلتقطه أعين السماسرة بمختلف مستوياتهم وجميعهم يحاولون اصطيادك تحت ذريعة خدمتك والتعجيل بإنجاز ما جئت من أجله بأسرع وقت.
وتختلف أسعار المعاملة من سمسار لآخر يصل بعضها لمبالغ خيالية، حيث يصل سعر جواز السفر لـ«40000» ريال في الوقت الذي لا تتجاوز قيمة استراجه القانونية سبعة آلاف ريال.

تقول المواطنة ريم محمد «تعاملت في البدء مع سمسار لاستخراج بطاقة لي وقد أخذ مني مبلغا وقدره 15000 ريال يمني غير أنه جعلني انتظر أكثر من شهرين، فيما تفطنت صديقتي التي كانت برفقتي لضعف السمسار  وفضلت التعامل مع سمسار آخر لتجديد بطاقتها الشخصية وقد طلب منها 30،000 ريال، ولكنه أوفى بوعده بالتجديد خلال شهر وعشرة أيام».

توثيق لعملية سمسرة
وكانت «الأيام» قد تقمصت دور أحد المواطنين للحصول على مزيد من التفاصيل حول عملية السمسرة وطرقها وأساليبها للإيقاع بالمواطنين في شِراكهم بهدف الحصول على المال بطرق غير قانونية.
وفيما يلي نص الحديث بين الصحيفة والسمسري:
- السمسار: خير أيش معك؟
- الصحفي: اريد تجديد بطاقة بغير جعجعة.
- المسمار: التجديد بايكلفك 20000ريال كله بكله مع الاستمارة.
- الصحفي: طيب لو فضلت أن أمضي بالطريق الرسمي كم بتكلفنا؟
- السمسار:  7000 ريال.

- الصحفي: طيب كم مدة الوقت المطلوب حتى أتمكن من التجديد؟
- السمسار: يلوح بيده اليمنى «سنة».

- الصحفي: طيب وإذا أنت باتجددها لي كم بانتظر؟
- السمسار: يقبض كفه اليمنى ويرفع إصبعه السبابة ويقول «أسبوع» ويضيف «أسبوع والبطاقة بيدك»، ويؤكد أنه يحظى بميزات إضافية بقوله: «أنا هنا معامل وعاقل حارة أيضا».
وهذا ما يؤكد بأن هذه المهنة لم تُعد تُمارس خُفية بل أصبحت تمارس جاهراً أمام مرأى ومسمع الجميع متسلحين في ذلك بإسلوب الاقناع للمواطنين بأكثر من طريقة.

مبالغ بدون سندات استلام
وقال لـ«الأيام» المواطن باسل محمد علي، وكان قد تحصل على بطاقته: «أول ما تدخل إلى مبنى الهجرة والأحوال المدنية يطلبون منك إعلان فقدان من أحد أقسام الشرط، ومن ثم يطلبون منك استمارة تبلغ قيمتها 2000 ريال، دون أن يصرف لك أي سند خاص به، ثم يطلبون منك التوجه لمكتب آخر يطلب فيه منك استمارة أخرى تبلغ قيمتها 2000 ريال، بالإضافة إلى مكتب وفيه تسلم 250 ريالا، ورابع برسوم  500ريالا، والمشكلة أن كل هذه المبالغ تؤخذ من المواطن دون أي سندات حكومية ولا إفادة بالاستلام، وبعد هذا عليك أن تنتظر سنة وشهرين حتى تتمكن من استخراج بطاقة بدل فاقد تتخللها الكثير من المتاعب والمراجعات».

وأضاف: «في الوقت الذي يتوجب فيه من الحكومة الشرعية التعامل بحزم ويقظة، خصوصاً في ظل الوضع الأمني الذي تشهده البلاد والذي يتطلب منها التدقيق والتمحيص في بيانات الطالبين لاستخراج على جواز سفر، إلا أن ما يحدث هو العكس تمامًا، فبمبلغ 40 ألف ريال يستطيع الشخص اصدار جواز سفر بأي اسم يريد من المناطق المخولة بإصدار الجوازات الخاضعة للسلطة الشرعية بمحافظات: عدن، وحضرموت، ومأرب، باعتبارها الجهة الرسمية المتواجد فيها فروع لمصلحة الهجرة والجوازات بإصدار الجوازات المعتمدة بعد قرار إلغاء التعامل بالجوازات الصادرة من صنعاء والمناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي».

فوضى وزحام خانق
وأوضح مواطن آخر طلب عدم ذكر اسمه حتى لا يتم إعاقته باستخراج جواز سفر له أن «الفساد استشرى بشكل كبير في مؤسسة الهجرة والجوازات، هو ما جعل الحصول على الهوية أمرًا مستحيلا».
وأشار في حديثه لـ«الأيام» إلى أنه «استمر في المعاملة للحصول على جواز السفر أسبوعًا كاملًا، ولعدم تمكنه من ذلك أجبر إلى الاستعانة بسماسرة استخرجه خلال يومين فقط ولكن بتكلفة باهظة»، مؤكداً في السياق أن هناك «تنسيقا بين السماسرة وموظفين يعملون في الهجرة، بخلق عدة صعاب وعقبات أمام الأشخاص حتى يجبرونهم للجوء إليهم».

وأفادت أحاديث المواطن لـ«الأيام» أن عملية المماطلة وعرقلة إنجاز بطائق المواطنين تتسبب بخلق حالة من الفوضى والازدحام الكبيرين أمام بوابة مبنى الأحوال المدنية وفي ممراته، الأمر الذي جعل من عملية الدخول إليه شبه مستحيل، فيما يضطر آخرون للعودة.

تهرب مسؤولين
وكانت «الأيام» قد حاولت اللقاء بمدير عام الأحوال المدنية والسجل المدني بعدن العقيد ركن حسين محمد علي عبادي وفق اتفاق عقد معه للاستيضاح حول جملة من الشكاوى والمعاناة التي يواجهها المواطنون بسبب الفساد الناتج عن التعاون بين ضباط موظفين في مبنى الأحوال وسماسرة، غير أنه تهرب من اللقاء المحدد مسبقا، معلقا الموعد بوقت غير محدد بالقول: «حينما أجد فرصة سأتصل بك».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى