ذكرى ميلادها الـ 60 .. من سلطات بريطانيا إلى سلطات صنعاء.. رحلة المتاعب في الطباعة والتوزيع 2-3

> عبدالقادر باراس

>
 عند العودة إلى أرشيف الصحيفة يتطرق عميد «الأيام» المرحوم محمد علي باشراحيل في افتتاحيتها الأولى إلى سياسة الصحيفة ومضمون مسارها قائلا: “بعون الله وتوفيقه أصدرنا في الماضي، صحيفة “الرقيب” الأسبوعية.. وبعون الله، وتوفيقه، نصدر اليوم جريدة «الأيام» اليومية، وإنما يقع اعتمادنا بعد الله سبحانه وتعالى على مواطنينا الذين شجعونا على المضي في الطريق السوي الذي اختطناه، وصممنا على السير فيه، وأن سياستنا دائما واضحة وصريحة، وهي السياسية العربية القومية التقدمية التي حرصنا طوال اشتغالنا في الحقل الصحفي على التمسك بها والتزامها، على جميع الأحوال”.

مستطردا في افتتاحيته “ولسنا بحاجة اليوم إلى تأكيد جديد، لتمسكنا بهذه السياسة، فإنه على الصعيد التطبيق العملي سيظهر مدى حرصنا القوي على انتهاج هذه السياسة، وإننا لنتجه إلى الله نسأله العون والسداد فهو وحده القادر على أن يلهمنا الرشاد ويحقق لنا الأهداف والغايات”.

لقد مثلت تلك السطور دستور الصحيفة ومنهجها في إرساء تجربة رائدة في الصحافة الأهلية العدنية متمثلة بالعمل مع المراسلين الشعبيين سواءً في عدن أو محمياتها الشرقية والغربية في عهد الإدارة البريطانية، حيث كانوا يعتبرون من أهم المصادر الرئيسية لأخبار الصحيفة، حيث مثلت أبرز توجهات العمل الصحفي قضايا المواطنين كمركز صدارة اهتمامات الصحيفة منذ بداية صدورها في عكس نبض الشارع.

وسجلت «الأيام» نفسها كمدرسة حقيقية في العمل الصحفي، وهو ما أكد عليه الأستاذ المرحوم أحمد عوض باوزير، أول سكرتير تحرير للصحيفة، قائلا في معرض ذكرياته المنشورة في صحيفة «الأيام» في عددها الصادر 5475 بتاريخ 7 أغسطس 2008م: “لقيت في «الأيام» التشجيع والمساعدة وأنا أضع قدمي لأول مرة على بلاط صاحبة الجلالة “الصحافة المقروءة” التي لم يكن لي بها من الخبرة أو الممارسة حينها إلا اليسير”.

كان لـ«الأيام» مواقف نضالية مشهودة في العمل السياسي الدؤوب للاستقلال عن الإمامة والاستعمار، ومن أبرز ما يتذكره رئيس تحرير «الأيام» تمام باشراحيل، هو خروجه في مسيرات برفقة أخيه المرحوم هشام، في ستينيات القرن الماضي في عدن إبان الوجود البريطاني، منتظرين مع جموع غفيرة أمام منزل المرحوم عبدالله الأصنج، مترقبين خروجه من المعتقل.

وواجهت الصحيفة في إصدارها الأول الكثير من المتاعب والصعوبات والعراقيل، حيث أغلقتها السلطات البريطانية في 24 سبتمبر 1962م ولمدة ستة أشهر، ولم تكن المرة الأولى التي تعرضت للإغلاق، حيث تعرضت للتوقف للمرة الثانية في أغسطس 1964 حتى 9 فبراير 1965م، كما تعرضت لحادث إلقاء قنبلتين على مبناها في مارس 1967م، وكذا للاقتحام مرتين من قبل القوات البريطانية بغرض التفتيش بذريعة البحث عن متفجرات.

ومن المصاعب والأحداث التي شهدتها «الأيام» هو توقف مطبعتها نتيجة لخلل لم تتمكن من إصلاحه، وكان ذلك في يناير 1967م مما اضطر الصحيفة للقيام بترتيبات مع مصنع المطبعة في براغ بتشيكوسلوفاكيا لإرسال مهندس مع قطع الغيار بطريق الجو، لكن سفر المهندس كان متوقفا على موافقة مكتب المندوب السامي البريطاني وأدعت حينها المخابرات البريطانية بأنها لن ترفض منح المهندس تأشيرة دخول عبر سفارة بريطانيا في براغ، إلا أن المصنع أرسل برقية مستعجلة إلى «الأيام» تفيد بأن السفارة البريطانية في براغ رفضت منح التأشيرة، الأمر الذي يؤكد حينها مراوغة وكذب أجهزة المخابرات البريطانية لأن “الأيام” كانت تمثل التيار القومي العروبي الحر الرافض لكل أشكال الاستبداد والهيمنة الاستعمارية.

وقد استمرت الصحيفة في الصدور حتى شهر أبريل من عام 1967م عندما صدر قرار حكومة الاتحاد بإلغاء كافة تصاريح الصحف والمجلات والدوريات التي زخرت بها عدن أيام الإدارة البريطانية حيث توفر حينها هامش كبير من حرية الصحافة.
اضطر بعدها عميد “الأيام” لمغادرة عدن إلى صنعاء للاستقرار فيها عام 1972م بسبب ممارسات الحكم الشمولي للحزب الاشتراكي، وأسس عملا تجاريا لاستيراد الأدوات القرطاسية والأجهزة المكتبية، ومن ثم ولداه هشام وتمام عملا في مجال توكيل بيع وتوزيع الصحف والمجلات العربية والأجنبية.

 يعد محمد محمود بازرعة، من أقدم الموظفين في دار مؤسسة «الأيام»، والذي كان يعمل في قسم التوزيع منذ أواخر الثمانينيات موزعا للكثير من المجلات العربية والأجنبية وبعض الصحف، منها صحيفة “الوطن الكويتية” ومجلتي نيوزويك والتايم الأمريكيتين، ومجلات تسالي وكل الألقاب وسلوى مصدرها لبنان، ومجلات “كل الأسرة” و“الشرق” الإمارتية، و“اليقظة” والتي كانت توزع عبر مؤسسة “الأيام”.

وقد واكب بازرعة بدايات سنواتها الأولى من إعادة صدورها الثاني، وهو شاهد على مراحل تطورها بإدخالها المطبعة العادية، يتحدث قائلا: “يبدأ عملنا بمجرد انتهاء قسم التحرير من عمله، حيث تجهز المواد المحررة على (الكلك) وهو عبارة عن فيلم ورقي، حيث كنا نرسلها على دفعات حسب وقت الانتهاء من تحرير الأخبار، بعدها يتم منتجتها من قبل فنيين في معمل مخصص بقسم المونتاج في المطبعة الحكومية المعروفة (بدار الهمداني للطباعة والنشر) على صفائح معدنية تعرف بـ(البليت)، لكن تأخرها كان يستدعي الانتظار، وغالبا الأربع الصفحات المتعلقة بالأولى والأخيرة مرتبطة بصفحتين تأتي متأخرة بإشراف من مدير التحرير آنذاك الأستاذ تمام باشراحيل - رئيس التحرير حاليا، وبعد أن تتم عملية المونتاج للكلك يتم تحويله إلى بليتات لتهيئته بعد ذلك إلى الطباعة في الساعات الأولى من الفجر، وتستغرق مدة طباعة الصحيفة بحدود الساعة أو الساعة والنصف، بعدها نستلم مطبوعاتنا ومن داخل مبنى المطبعة الحكومية نقوم عملية الفرز لتوزيعها في حينها بعد صلاة الفجر على المكتبات والأكشاك في جميع مناطق ومديريات عدن باعتبارها أكثر النسخ توزيعا، علما أن الصحيفة كانت تصدر في ذلك الوقت أسبوعية كل يوم أربعاء، وكان وصول كميات الصحيفة إلى معظم المحافظات تتم عبر باصات “مؤسسة النقل البري” التابعة للحكومة، عدا محافظتي لحج وأبين يتم إرسالها عن طريق سيارة أجرة (البيجو)”.

كانت تقسم وتوزع نسخ الصحيفة على نقاط البيع لكل مديرية ومنطقة في عدن بحسب كبرها وكثافة سكانها وحركة سوقها، فيذكر محمد محمود أهم نقاط البيع في عدن آنذاك منها “في كريتر مكتبة العبادي بسوق الطويل ومكتبة بور فؤاد الميدان زكو، وكشك سعيد عبده بالميدان زكو، وكشك محمد عبده بالزعفران، وفي المعلا مكتبة الحوباني بشارع السواعي بجانب سوق السوق، ومكتبة محمد أحمد إسحاق بجانب معهد 14 أكتوبر، ومكتبة الشيباني، ومكتبة ردمان محمد صالح، ومكتبة سفيان بشارع الصعيدي، وفي التواهي كشك محمد حسين عبدالله، وفي خورمكسر كشك الخضر البصير الخضر بجولة محطة عيشة خلف فندق عدن، وفي المنصورة ومكتبة بن بريك في حاشد، وفي الشيخ عثمان مكتبة عبدالله إسماعيل الشيباني، ومكتبة عبدالجليل بجانب الشرطة، وكشك حسن قائد بجانب مسجد النور، وكشك أحمد فارع في فرزة الهاشمي”.

وأشار محمد محمود إلى أن “التوزيع يستمر حتى العاشرة صباحا ويليها استلام حساب مبيعات نسخ العدد من المكتبات والأكشاك”.
وباتت طباعة الصحيفة بعد حرب 1994م أمرا بالغ الصعوبة باشتراط سلطات صنعاء على طباعتها في صنعاء كجزء من تبعات الحرب، يقول محمد محمود: “مما استدعى إلى إرسال (الكلك) أي الفيلم وكذا (رولات الأوراق) لطباعتها في صنعاء، في يوم الثلاثاء من كل أسبوع، حيث يتم أولا إرسال الرولات الورقية عبر سيارة «الأيام» صباحا، بينما الكلك (الفيلم) يرسل جوا بمظروف في أقرب رحلة طيران إلى صنعاء”.

ويضيف: “وقد واجهنا كثيرا من الصعوبات عند طباعتها في مؤسسة الثورة الحكومية بصنعاء، حيث كنا نجد منهم التأخير والمماطلة بتعمد لأسباب سياسية، وقبل طباعتها يًطلب منا أخذ تصريح للموافقة من الجهة المراقبة بعد أن يطلعوا على محتوى مواد الصحيفة، بعد طباعتها يتم توزيعها مباشرة من صنعاء والمحافظات القريبة منها الحديدة، وذمار، وإب، وإلى مأرب، وعبرها ترسل إلى سيئون والمكلا، بينما الشحنات القادمة من صنعاء إلى عدن يتم توزيها على الخط لكل من الضالع والحبيلين ولحج، ومن عدن يتم شحنها إلى أبين وشبوة وتعز”.

حدثنا محمد عن ذكريات عمله في المطبعة العادية، “بعد أن تملكت الصحيفة في عام 1996م المطبعة الخاصة بها لإصدار الصحيفة التي تم استيرادها من الخارج، وهي مطبعة هندية الصنع ماركة “أورينت” عادية من دون ألوان، تًعرف بالمانويل أي يدوية، حجمها صغير، وسهلة التشغيل، لم تواجهنا صعوبات أثناء طباعتها، وبامتلاك الصحيفة للمطبعة اعطتنا الاستقلالية في أوقات تشغيلها، ومن خلالها زدنا من كميات الطباعة بينما في المطابع الحكومية كنا لا نستطيع زيادة كمياتنا وهم من كانوا يحددونها.. وأذكر في بداية عام 2000 طبعنا كميات يفوق المائة ألف نسخة كان ذلك في القضية الشهيرة بسفاح كلية الطب في صنعاء للسوداني آدم، فاستمرينا في طباعة العدد حتى فترة العصر، وبسبب الزيادة كنا نستبدل بليتات أخرى”.  ​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى