60 عاما على درب الحقيقة

> عيدروس باحشوان*

> لم تكن «الأيام» بالنسبة لي وظيفة بقدر ما كانت مدرسة مغايرة للمدرسة الأولى التي منحتني التأهيل وأكسبتني الخبرة في ميدان الصحافة العسكرية، وغادرتها إلى غير رجعة عقب حرب 94، وعانيت بعدها الأمرين من المنتصرين المهزومين اليوم.
بدايتي مع «الأيام» كانت على يد الأستاذ الراحل عبدالرحمن خبارة، والفضل له بعد الله في تقديمي، مع أنني كنت قبل ذلك من رواد منتدى «الأيام» قبل الالتحاق بها وعلى علاقة طيبة بالناشرين.

المهم تشرفت بالعمل في «الأيام» التي جئت إليها بمنصب مدير تحرير صحيفة عسكرية وجلست على كرسي أمام الأستاذ هشام باشراحيل- رحمه الله وطيب ثراه وجعل قبره روضة من رياض الجنة- في اليوم الأول ورحب بي واتخذ إجراءاته الإدارية لاستيعابي، وكان ذلك في أواخر العام 1995م.

دخلت هيئة التحرير لأول مرة وكانت حينها محدودة، وقدمني هشام لها وكان حينها المحرر الأول الزميل الراحل عادل الأعسم، رحمة الله عليه، الذي عملت تحت إشرافه بناء على تكليف الناشرين.
أعود إلى الذكريات التي أختزنها وحانت الفرصة لإفشائها، وفي مقدمتها أن «الأيام» لم تكن صحيفة فقط بل منبرا من لا منبر له، ومر هذا المنبر بأيام حلوة ومرة ومتعبة ومرهبة في أحايين كثيرة، عشت وعايشت معظمها بفعل ضغوطات نظام صالح البوليسي وملاحقته لكل حرف وكلمة تنشر في الصحيفة. ويحسب للصحيفة أنها كانت صاحبة السبق في احتضان الانطلاقة الأولى للحركة الشعبية في مناهضة ممارسات نظام صنعاء العبثية في عدن والجنوب في سنوات التسعينيات، وتأسيس اللجنة الشعبية التي تضم خيرة أبناء الجنوب من مفكرين وساسة ورجال قانون واقتصاد وأساتذة جامعة وإعلاميين ومثقفين وشخصيات اجتماعية قبل انطلاقة الحراك السلمي الجنوبي.

كانت «الأيام» وجهة المظلومين وملاذهم، وبسبب نشر المظالم وإفساح مساحات واسعة جن جنون النظام وتكشفت رموزه وعبث متنفذوه بالأرض والإنسان، ولا يخلو يوما إلا والتهديدات تطال رئيس تحريرها عبر الهاتف من «طُريق» إلى «قُرقر» إلى «الآنسي» إلى «قيران»، لكن هشام كان يزداد زهوا وفخرا بنصرة المظلومين ولم يأبه لتهديداتهم أو يعيرها اهتماما.

وأتذكر أن قياديا محليا وآخرين قدموا يوما إلى الدار لعرض ترشيح هشام لعضوية البرلمان 2006 - كنت حينها حاضرا - في محاولة لإثنائه عن النشر ونقل هموم المظلومين إلى البرلمان، وأتذكر رده (ضاحكا): «قدنا معي كم حجر صغير أرميه في وجه الظلمة لنصرة المظلومين تريدونهم يرموني فيها».

كان عدد من رموز النظام (جنوبيين وشماليين) مكلفين بالمجيء إلى الدار وإلى المنتدى إن لم يكن جمعيهم فمعظمهم والبعض بحسن النية والعلاقة الطيبة التي تربطه بالناشرين.. لكن كنت أحس أن في داخل القادم إليها ما يريد البوح به «خففوا يا جماعة» والمقصود هنا كفوا عن النشر، حتى بلغ بأحد الوسطاء الوقحين تقديم عرض لبيع الصحيفة والمؤسسة وأصولها بكم ما يرغب الناشران والرحيل عن عدن بصورة هادئة.

وجاءت انطلاقة الحراك الجنوبي السلمي في 2007 لتشكل محطة جديدة من محطات «الأيام»، بل وحاضنة له وماكنته الإعلامية في النشر والتعبئة لكل أنشطته، الأمر الذي زادت معه الحملات الأمنية على الناشرين وطاقم الصحيفة وكتابها ومناصريها، وازدادت شراسة بتكثيف المراقبة الأمنية على الدار على مدار الساعة، كنت أخرج والمناوبون فجرا نلاحظ حجم هذه المراقبة.

كشر نظام صالح عن أنيابه في تلك الفترة وأخذ يرهق رئيس التحرير بجرجرته إلى المحاكم واستدعاءات إلى نيابة الصحافة والمطبوعات على ذمة قضايا نشر لكتاب أو أخبار تناولتها الصحيفة.. ورافقت هذه الممارسات مساعي عدد من رموز النظام في إثناء هشام عن دعم الحركة السلمية الجنوبية إعلاميا والتوقف عن النشر، إلا أن تلك الدعوة معناها تخلي الرجل عن قضية شعبه.. فاستمرت الصحيفة في نهجها ودفاعها عن الحق الجنوبي حتى انتصاره في 2015.

سلاما للمدرسة التي تعلمت منها الصحافة الحرة.. للحضن الدافئ.. سلاما للرجل العظيم هشام وشقيقه تمام.. وسلاما لذكرى الميلاد الستيني على درب الحقيقة ومايزال الدرب طويلا.
* سكرتير التحرير السابق لـ «الأيام»​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى