عـــدن.. بين حرب الخدمات والوعود الكاذبة

> تقرير/ وئام نجيب ــ كيان شجون

> حرب تدميرية وفساد متعمد أحالا عدن شبه قرية

ثلاثة أعوام مرت على تحرير العاصمة عدن من قوات الحوثي وصالح، كانت كفيلة بإعادة المدينة إلى سابق عهدها، غير أن أيادي خفية تعمل جاهدة لتحويلها إلى ساحة صراح لتحقيق مكاسب سياسية.
فما إن انتهت فيها الحرب التقليدية بانتصار أبناء المدينة والمقاومة على العدو الغازي حتى بدأت تشهد حربا خفية استهدفت بدرجة أساسية الخدمات الرئيسة فيها.

تردٍ في خدمة المياه والصرف الصحي، وانقطاع متكرر للتيار الكهربائي، وانفلات أمني متعمد، وانتشار للجريمة، وتعثر في مشاريع الطرق، وفشل ذريع في إعادة الإعمار، وانهيار مريع للعملة، وأزمات في المشتقات النفطية وغلاء فاحش في المواد الغذائية.
ليسقط المواطن جراءها صريعًا لا حراك فيه، في ظل وعود متكررة لحكومة هي في الأصل أساس المشكلة وأسها.

«الأيام» رصدت حرب الخدمات التي اكتوى بنيرانها أبناء المدينة طيلة الثلاث السنين الماضية وحلول الحكومة التي ولدت ميتة، وفيما يلي غيض من فيض المعاناة والوعود الكاذبة:

اغتيالات ممنهجة
ففي المجال الأمني شهدت المدينة بعد التحرير اختلالاً كبيراً زادت فيه عمليات الاغتيالات لتطال قادة عسكرين وأمنين، وشخصيات اجتماعية وناشطين وحتى رجال الدين وأئمة المساجد، وما يزال مسلسلها الدموي مستمرا.
وحتى اللحظة لم توجد أي إحصائية دقيقة بعدد الضحايا، ولم يكشف بعد عن الجهة التي تقوم بهذه العمليات بشكل واضح، وهو ما يعكس عجز الجهات الأمنية بهذا الصدد.

وعود عرقوبية
وفي القطاع الكهربائي أُعلن خلال الثلاث السنين الماضية عن مشاريع عدة في هذا المجال، منها ما أعلن عنه مدير عام المؤسسة الكهربائية بعدن مجيب الشعبي عام 2015م، والمتمثل بـ9 مولدات مقدمة من دولة الإمارات بقوة 420 ميجا، وبحسب التصريح الرسمي فإن “هذا الطاقة ستستفيد منها محافظات: عدن، ولحج، والضالع، وأبين"، مؤكداً في السياق بأنه "سيتم إنشاء خط بقوة 132 كيلو فولت بين الحسوة والمنصورة، إلى جانب تقديم دعم في مواد الشبكة لتحسين شبكة كهرباء المدينة".

من جهته أقر مجلس الوزراء بعام 2017م شراء 30 ألف طن ديزل و24 ألف طن مازوت لصالح كهرباء عدن شهريًا، وفي شهر يوليو من العام الجاري وجه الرئيس عبدربه منصور هادي إقامة محطة كهرباء عدن الجديدة الـ (500 ميجا) وتم التوقيع النهائي على محضر تسليم موقعها في 1 من أغسطس الحالي.
وعلى الرغم من هذه المشاريع السابقة المُعلن عنها والوعود المتكررة من قِبل الحكومة لانتشال هذا القطاع إلا أن الخدمة لم تتحسن وما زالت الانقطاعات والخروج لبعض المحطات مستمرا.

تردٍ وضعف
والمياه لم تكن أفضل من الخدمات الأخرى فمسلسل السهر اليومي للأهالي للبحث عنها مازال نتيجة الانقطاعات المتكررة لاسيما في المناطق المرتفعة لعدم وجود مضخات لدفع المياه إليها.

أما الصرف الصحي فحدث ولا حرج، فمعظم شبكات ومضخات الصرف في عموم المديريات الثمان قديمة جدًا، ناهيك عن اشتراك أكثر من مديرية بعدد محدود من الشفاطات، ولا يكاد حي يخلو من  طفح المجاري، الأمر الذي يهدد بانتشار الأمراض والأوبئة، وما يزيد الوضع سوءا هو عدم تغطية المناهل أو عدم ثباتها، وهو ما يعرض حياة المواطنين للموت كالذي حصل مؤخراً لطفلة المنصورة والشابين الآخرين اللذين حاولا إنقاذها، فضلاً عن تكدس القمامة في بعض أزقة وأحياء العاصمة وهو ما شوه جمالها الذي عرفت به.

وفيما يتعلق بالطرقات أعلنت الجهات المسؤولة خلال الأعوام الماضية عن عدة مشاريع خاصة برصف وسفلتة الطرق الرئيسة والفرعية في المدينة، غير أن الواقع يكذب ذلك، فماتزال كثير منها لم تعبد بعد، وأخرى سفلتت بطريقة عشوائية سرعان ما ظهرت عيوبها، تاركة خلفها حفرا منتشرة على طول وعرض الطرقات متسببة لأضرار كثيرة على المتنقلين أو المارين فيها.

انتشار للأمراض
الوضع الصحي هو الآخر في ترد متواصل، فمنذ فترة التحرير برزت أمراض خطيرة قضت على مواطنين، وتزامنت هذه الأمراض مع ضعف وانهيار مريع في الخدمات المقدمة من قبل المستشفيات الحكومية بعدن، نتيجة الإهمال المتعمد من قبل المسؤولين عليها وفساد إدارتها، وعدم الانضباط لكوادرها وموظفيها، وهو ما انعكس بالتالي سلباً على المرضى وأجبر آخرين باللجوء اضطراراً للمستشفيات الخاصة رغم ارتفاع تكلفتها العلاجية.

في الوقت الذي ما يزال فيه مستشفى عدن العام مغلقاً لأكثر من عقد من الزمن ولم تعرف أسباب إغلاقه بعد.
كما شهد التعليم خلال الثلاثة الأعوام الماضية ترديا كبيرا في جميع مراحله لأسباب عدة، منها عدم توفر الكتب المدرسية، تسييس العملية التعليمة، قلة خبرة وكفاءة المعلمين، وقبل هذا كله تفشي ظاهرة الغش وتسيده والتي كان آخرها تسريب أسئلة الاختبار الوزاري لمادة الفيزياء في الشهر الماضي، وشجعت هذه الأسباب في المقابل من انتشار المدارس الأهلية في المدينة، ومن قبله أضاع هيبة المعلم والمدارس الحكومية.

غلاء وانهيار العملة
تسبب الانهيار المريع للعملة المحلية بارتفاع جنوني لأسعار جميع مستلزمات الحياة الأساسية والثانوية بشكل عام، وهو ما جعل المواطنين عاجزين عن توفيرها في كثير من الأحيان والتخلي عن الأشياء الثانوية والكماليات، خصوصاً في ظل عدم انتظام صرف المرتبات للعديد من القطاعات الحكومية.

وبدأت انهيار العملة أمام الدولار عام 2016، وتسبب عجز المركزي اليمني حينها من السيطرة على أسواق الصرف باتساع الفجوة أكثر بين السعرين في السوقين الرسمي والموازي.
في منتصف 2016م انخفض سعر الريال إلى 296، وبلغ سعر الصرف في السوق السوداء نحو 305 ريالات.

وفي مطلع عام 2017، انخفض الريال أكثر إلى 320 للدولار، قبل أن يهوي إلى 360 في يونيو، ثم إلى 386 مطلع أغسطس، ما دفع البنك المركزي إلى تعويم العملة المحلية بتحرير سعر الصرف اعتباراً من 15 أغسطس 2017، كما حدد سعر الصرف رسمياً عند 370 ريالاً للدولار.

وتراجع سعر الريال أكثر، وبلغ 465 مطلع 2018، ثم 476 خلال فبراير من العام ذاته، وفي الشهر نفسه أصدر الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي قرارًا بتعيين محمد زمام محافظا للبنك المركزي في عدن خلفاً لمنصر القيعطي.

واستقر السعر عند 486 منذ مارس الماضي بعد إعلان السعودية تقديم وديعة نقدية إلى اليمن بقيمة ملياري دولار، غير أن فترة الاستقرار هذه لم تدم طويلاً، إذ شهدت العملة المحلية موجة جديدة من التراجع منذ منتصف يوليو الماضي إلى 495 ريالاً، وتراجعت أكثر إلى 520 ريالاً في 28 يوليو، وتراجعت أكثر إلى 540 خلال أغسطس الجاري.

ونتج عن هبوط وانهيار الريال ظهور عاصفة الأسعار التي عصفت بالمواطن، دون ارتفاع المرتبات، مما دفعه للقيام بثورة الجياع ضد الحكومة الشرعية.

الحرمان من الحقوق
وعلى الرغم من التصريحات المتكررة لوكيل محافظة عدن لشئون الشهداء والجرحى علوي النوبة، المؤكدة على حرصه بتوفير حقوق أسر الشهداء ومعالجة الجرحى وتسوية أوضاعهم وترقيمهم، إلا أن الواقع مخالف لذلك فالمرتبات لم تصرف بانتظام، فيما لايزال الكثيرون من الجرحى يتحملون آلام جراحهم بصمت ولم يعالجوا بعد برغم من وعود الحكومة بمعالجتهم وتسفيرهم للخارج لاستكمال العلاج والمجارحة، ونساء أرامل وأطفال أيتام زادت أوضاعهم المعيشية بؤساً لاستشهاد معيلهم وعدم حصولهم على المرتبات بشكل متواصل.

إعادة الإعمار.. الكذبة الكبرى 
خلفت الحرب التي شهدتها العاصمة عدن الكثير من الأضرار في الخدمات، وفي مقدمتها البنية التحتية جراء ما لحق بها من دمار كبير، ولمعالجة هذه المشكلة أعلنت الجهات المعنية في المدينة بأن أولوياتها هي إعادة الإعمار.
وقال وكيل قطاع المشاريع في عدن غسان الزامكي، في تصريح سابق لـ«الأيام» عام 2017م، بأنه "لم يتم دفع تعويضات للمتضررين المستأجرين وأن أولوياته هي الإعمار”، مؤكداً في السياق “لا نريد تكرار ما حدث في أبين".

وبلغت بلغت تكلفة إصلاح 12 ألف منزل متضرر بحسب الزامكي 83 مليون دولار، ودفع إيجارات سكن لـ922 أسرة متضررة يقارب نصف مليار ريال يمني.

وقال: "إن موضوع إعمار المساكن المتضررة من المشاريع المدرجة ضمن أولويات رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء بن دغر"، مؤكداً بأن "الحكومة عملت بعد الحرب مباشرة على توجيه المحافظة بضرورة إنزال فرق هندسية لحصر أضرار منازل وممتلكات المواطنين، والتي على ضوئها جرى تشكيلها من مهندسي مكتب الأشغال العامة والطرق بالمحافظة".

وتتناقض الإحصائية التي ذكرها الزامكي بخصوص عدد البيوت المتضررة بعدن، والبالغة 12 ألف منزل، من حيث طرحها في أكثر من تصريح رسمي بشأن عدد البيوت المدمرة، أو من حيث إجمالي مبالغ ترميمها وإصلاحها.

من جهته أعلن مدير عام مديرية التواهي عبدالحميد الشعيبي عام 2017م انسحابه من إعادة الإعمار واتهام اللجنة بالفساد، جاء ذلك في تصريح له أدلى به لـ«الأيام»، وبرر انسحابه بأنه "جاء نتيجة سوء الترتيب وعدم الاتفاق على خطة عملية ومهنية واضحة للإشراف على عملية التنفيذ عدا التوقيع على محاضر تسليم المواقع للمقاولين فقط".

وإلى يومنا هذا لم تشهد المدينة أي إعمار لما دمرته الحرب من مبان، بل إن مخلفاته وركامه ما يزال قائمًا وشاهدًا على مدى الإهمال وغير جدية الجهات المسؤولة بذلك.
وما بين حرب الحوثي التدميرية ووعود الحكومة الكاذبة سقطت عاصمة السلام والأمن والثقافة في أتون الفوضى المتعمدة.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى