في عهد الحوثيين.. العيد بصنعاء بلا أضحية.. المجاعة تحاصر السكان والموت يتهدد الأطفال

> تقرير/ خاص

>
 «لم يعد لدي ما أبيعه فأثاث المنزل بعت معظمه.. بعت كل مدخرات زوجتي».. بصوت حزين تحدث نجيب والذي يعمل مجندًا في مصلحة السجون بصنعاء لـ«الأيام» عن وضعه المعيشي الصعب الذي وصل إليه نتيجة الحرب التي اشعلتها قوات الحواثي قبل ثلاث سنين.

وكان نجيب يعتمد بشكل كلي على راتبه في تسيير أمور معيشته، فمنه يوفر الطعام والشراب والملابس وحاجيات أولاده وايجار مسكنه، على الرغم من أنه دخل بالكاد يكفيهم.

ومع انقطاع الراتب لأكثر من 25 شهرًا، عن جميع موظفي الدولة مدنيين وعسكريين، زادت معاناته واضطر إلى بيع معظم أثاثه ليوفر الأكل لأفراد أسرته والذين استغنوا عن وجبتين في يومهم.

يقول نجيب لـ«الأيام» بعد أن طلب عدم ذكر اسمه مخافة ملاحقته «حاولت أكثر من مرة البحث عن عمل بالأجر اليومي كعامل أو كأجير مقابل مأكل ومشرب أولادي لكن لا فائده».

ونجيب لم يكن الموظف الوحيد الذي اضطر لبيع أثاث منزله والتفكير في السرقة وبكل ما لم يخطر ببال أحد، حسب تعبيره، حتى لا يسمع صراخ أطفاله وهم يبكون بسبب الجوع بل هناك الكثيرون أمثاله أصبحوا يتجرعون من نفس الكاس.

عيد بأي حال
ومع دنو عيد الأضحى تتضاعف اعباء المواطن في صنعاء وغيرها من المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
ويتساءل عبدالله في حديثه لـ«الأيام» بالقول: «إذا كنا عاجزين عن تلبية حاجياتنا اليومية من أكل أو ما نسد به رمق جوعنا وأطفالنا فكيف لنا بتلبية حاجيات العيد من ملابس وغيرها».

ويضيف: «أبناؤنا ظُلِموا.. ولم نتمن لهم هذا الوضع والحال.. كنا نرجو لهم مستقبلا أفضل فإذا بهم يواجهون أسوأ ممّا واجهنا طيلة رحلتنا على مدى (43 عاما)».

ويؤكد منير ابلان أن غالبية الأطفال والأسر في صنعاء وغيرها سيدخل عليهم العيد بلا فرحة، مضيفاً «حتى نصف الراتب الذي يعتبره الحوثيون انجازا في حال تمكنوا من صرفه لم يعد اليوم يساوي سوى 20 ٪ مما كان يتقاضاه الموظف في السابق، أي أنه لا يفي حتى بسداد ايجار المنزل لشهر واحد، فكيف سيتمكن المرء من تسديد قائمة الديون الطائلة عليه، والمشكلة بأنه مهدد بالسجن في هذه إذا لم يسددها أو بالموت البطيء».

ومنذ سيطرة قوات الحوثي على معظم مؤسسات الدولة، وإشعالها الحرب في كل المناطق تسببت بوجود ملايين الفقراء والمحتاجين، وأعداد كبيرة مّمن كانوا في الطبقة الوسطى أصبحوا تحت خط الفقر، لاسيما حينما ظهر عجز الحوثيين في إدارة الدولة، وأمعنوا في نهب الخزينة العامة والنقدي الاحتياطي، وصولاً إلى العجز عن دفع رواتب الموظفين في الأشهر الماضية.

مآس يومية
عشرات الآلاف من الموظفين تكتظ يومياتهم بالمأساة الناتجة عن تأخر تسليم الرواتب الحكومية، التي هي محدودة في الأصل.

ويوميًا ينضم العشرات إلى صفوف وقائمة الجوعى والفقراء المعدمين الذين لايجدون قوت يومهم، ولم يلتفت إليهم أحد.

سمير العنسي الذي تحدث لـ«الأيام» قال إن زميله سليم والذي يسكن في حي الصافية بصنعاء، دفعته الحاجة لبيع بعض مقتنيات المنزل لتوفير القمح، كحد أدنى من متطلبات الحياة، كما فعل هو، بل إن الكثير من زملائهم يعيشون ذات المأساة.
وبحسرة يتذكر سمير أنه حاول أن يستدين من جيرانه وزملاء له.. لكنه كما يقول أصبح كالمثل اليمني القائل «جاوع يشتكي على مصبح»، موضحا أن «المواطن أصبح في وضع سيئ للغاية وفي حالة معيشية يرثى لها، فأغلب الناس لم يصبحوا قادرين على توفير الدقيق أو شراء الخبز».

طفل يتضور جوعا
أما يحيى الفقيه فقد خنقته الغصة وهو يتذكر أحد المواقف التي تقطع لها ألما حينما أفاق طفله عبدالله (6 أعوام) قبل فترة وهو يتضور جوعًا في وضع لم يكن يفكر من قبل أنه سيصل إليه، وأن اليمن ستنحدر كل هذا الانحدار نحو المجاعة، وقتها لم يتمالك نفسه من البكاء الذي صمت على إثره طفله وهو يرى أباه يذرف الدموع، ويؤكد في حديثه لـ«الأيام» أنهم استغنوا عن وجبتين، ويأكلون طيلة يومهم وجبة واحدة.

ويضيف «كم شعرت بالإهانة والذل، عندما أتى المؤجر، وأهانني أمام أولادي والناس عدة مرات وقام بإغلاق باب المنزل علينا حتى ندفع له الإيجار، ولولا تدخل الجيران لكنت أنا وأسرتي بالشارع، إضافة إلى الدائنين ومطالبتهم اليومية وأصحاب البقالات الذين رفضوا أن يستمروا في البيع لي ديناً».

حالات كثيرة رصدتها «الأيام» غير أنها طلبت عدم ذكر أسمائها، ومعظم أصحابها فكروا بالانتحار.. لكنهم ترددوا خشية عذاب الله، كما يقولون.

ووفقاً لتقصي أوضاع الناس في العاصمة صنعاء فإن أسر الموظفين وخاصة الجنود  تكتظ بالقصص المأساوية الناتجة عن تأخر تسليم الرواتب الحكومية، فقد اتجه الموظفون والمحتاجون المتأثرون بالأزمة لبيع المقتنيات المنزلية، بعض الأسر لا تجد ما تبيعه أصلاً، ويضطر موظفون للاستلاف من أقربائهم وقريباتهم مقتنيات للبيع كما فعل عبدالكريم العرامي (جندي) الذي أخذ خاتم ذهب من شقيقته وباعه ليشتري موادًا غذائية لأسرته، بعد أن استنفد كل ما لديه من مدخرات حتى ذهب زوجته ومقتنياتها باعها لأجل سد جوع أطفاله الأربعة.

ورصدت «الأيام» حال أكثر من أسرة على هذا النحو، فيما المحال التجارية والغذائية منها بالذات (البقالات)، أصبحت تعيش أزمة مع عدم تسديد المدينين للمبالغ، التي عادة ما يقومون بتسديدها مع مجيء الراتب الشهري.
ويؤكد وسيم العمري صاحب بقالة بمنطقه سعوان «أنه لم يعد يستطيع أن يبيع دينا لأحد من زبائنه، ومنذ شهرين رفض أن يعطيهم شيئا دون نقود.

ويتابع «بقالتي أصبحت شبه خالية من البضائع لضعف القوة الشرائية، وكذلك صبري على معظم جيراني وأخذهم بضائع بالدين لتأخر رواتبهم كل هذه المدة، الآن من أين أشترى بضاعة، ورغم أني حزين لحال أكثرهم لكني مضطر أن أوقف البيع دينا».

العبء الأكبر
لقد تحول الراتب الحكومي في اليمن من مصدر أمان معيشي إلى عبء على الموظف يجلب النكد والقلق، بعد الانقلاب وعدم الاستقرار السياسي الذي تشهده البلاد، والذي تسببت به قوات الحوثي، وعدم مبالاتهم بحال الناس ومعيشتهم، ووصل بهم الحال إلى تهديد الناس والاعتداء عليهم واعتقال البعض ممّن يطالب براتبه.

وهذا ما أكده الحاج ناصر الموظف في إدارة الحسابات بإحدى الهيئات الحكومية بصنعاء عندما حاول المطالبة براتبه، فاتهم بأنه «داعشي» وهددوه بالاعتقال، فعاد إلى أطفاله مكسور القلب.
ومع استمرار هيمنة الحوثيين على صنعاء يواصل الجوع والفقر محاصرته للكثير من البيوت اليمنية، فيما الوضع الاقتصادي مرشحًا للتدهور بشكل أكثر سوءًا وخطرا.

وما يفاقم المعاناة عدم اكتراث سلطة الأمر الواقع بصنعاء في دخول البلاد مرحلة من التشظي والانهيار الاقتصادي والمعيشي الشامل الذي من شأنه أن يسفر عن ثورة جياع.. فيما مشرفوهم وقاداتهم يتوسعون في التشييد والبناء على حساب البطون الخاوية، والملايين الذين قالت الأمم المتحدة أنهم يضافون سنويًا إلى قائمة الجوعى في اليمن.

حافة المجاعة
ولقد وضع الصراع الدامي الذي يشهده اليمن منذ ثلاث سنوات، البلاد على حافة مجاعة تعد واحدة من أكثر الكوارث الإنسانية حدة في العالم، وفقاً لما أكده برنامج الغذاء العالمي.

فنحو ثمانية عشر مليون شخص في اليمن لا يوجد لديهم مصدر ثابت للغذاء، ومن بين هؤلاء هناك ثمانية ملايين يمني يعيشون في فقر مدقع ويعتمدون بشكل كامل على المساعدات الغذائية الخارجية.

وحتى تلك المساعدات لجأ الحوثيون إلى بيعها في الأسواق أمام مرأى ومسمع، وتوزيع ما ندر منها على أسر مواليهم وعناصرهم.. فيما الغالبية العظمى لم يحصلوا من تلك المساعدات الاغاثية التي يعتمد عليها ثلثا سكان البلد البالغ نحو 27 مليون نسمة.

ومع كل عام يضاف إلى الأزمة اليمنية نحو مليون شخص إلى أقرانهم في مربع الجوع الشديد الذي تُعاني منه سبع محافظات أُدرجت في خانة الـ«طوارئ» التي تلامس حالة المجاعة أو تكاد.. لتتحول البلاد على إثرها من «اليمن السعيد» إلى «اليمن الفقير».​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى