الخيار الفيدرالي في اليمن.. طريق إلى سلام دائم

> «الأيام» عن «القاهرة الآن»

> نشرت مبادرة الإصلاح العربي ورقة بحثية للباحث «محمد المخلافي»، يستعرض فيها الظروف التي قادت إلى النزاع بشأن لامركزية الدولة، ويستعرض الحوارات والتوافقات التي تلت قيام الجمهورية اليمنية، وحالت حرب 1994 دون تنفيذها.. ثم اتفاق الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية على أسس مبادئ دستور جديد في مؤتمر الحوار الوطنى الشامل، إلى أن تعطل المسار الدستوري بسبب الحرب التي اندلعت عام 2014 وما زالت مستمرة حتى اليوم.

اللامركزية: نظام حكم  لتفادي احتكار السلطة
منذ قيام الجمهورية اليمنية احتلت لامركزية الحكم أهمية خاصة، لإنهاء موروث الشمال المُتمثل في تركيز السلطة بيد الرئيس. ومن هذا المنطلق، تبنى دستور1991 اللامركزية الإدارية والمالية في إطار الدولة البسيطة، وأخضع المجالس المحلية للانتخاب بكامل هيئاتها.

غير أن أحد أطراف الائتلاف الحاكم، ممثلا في رئيس الجمهورية وحزب المؤتمر الشعبى العام، أعاق إصدار قانون الحكم المحلي، وسعى لتعديل الدستور وإلغاء نصوصه المتعلقة باللامركزية والحكم المحلي. فرد الطرف الآخر في الائتلاف ــ الحزب الاشتراكي اليمني ــ على هذا المسعى بتبنى تعديل الدستور باتجاه تعميق لامركزية الحكم. وكانت هذه المسألة أحد عوامل الصراع بين الطرفين. وهو ما فرض على الطرفين البحث عن حلٍ عبر حوار دعمه المجتمع الدولي. تم على إثر هذا الحوار التوصل لتوافق سُمِي «وثيقة العهد والاتفاق» وقعته كل الأحزاب السياسية.

بموجب الاتفاق المذكور، حُسِم الخلاف بإقرار نظام حكم يقوم على اللامركزية الإدارية والمالية، ومُنِحت المجالس المحلية المنتخبة صلاحيات واسعة، كما عزز الاتفاق السلطة التشريعية باستحداث «مجلس شورى منتخب»، وحددت الوثيقة المهام والصلاحيات العامة لمجالس الحكم المحلي التنموية والخدمية والإدارية والمالية.

وبينما كانت الحكومة تعمل على إعداد التدابير التشريعية لإنفاذ الاتفاق جرى الانقلاب على الوثيقة والتوافق الوطنى، بشن حرب 1994 ضد الحزب الاشتراكي اليمني وجنوب اليمن، فكان أن هُزِم مشروع الإصلاح الدستوري الذي تمكن الحزب الاشتراكي اليمني ومعه معظم الأحزاب السياسية من تجسيده في الاتفاق. ومن ثمَ فُتِح المجال أمام الرئيس وحزبه وحلفائه لتعديل الدستور عامي 1994 و 2001، باتجاه يتنافى مع إقامة حكم لامركزي.

زادت التعديلات من تركيز السلطة في العاصمة صنعاء، وبين أيدي رئيس الجمهورية. وأدت الحرب وتغيير الدستور إلى انقسام وطني حادٍ، وتعالت أصوات بعض القوى الجنوبية مُطالِبة بإنهاء الوحدة وفك الارتباط. ومع تزعزع أسس الوحدة الطوعية والروابط الوطنية، برزت مخاطر تفكك الدولة والمجتمع، وأضحى العمل على تغيير الدستور ضرورة وطنية مُلِحة.

وثيقة الحوار الوطني الشامل: الحل التوافقي الممكن
في ظل المخاطر على الوحدة، توصلت الأحزاب السياسية إلى توحيد موقفها حول نقطتين أساسيتين: ضرورة تغيير الدستور للحفاظ على اللحمة الوطنية وإعادة الاستقرار، وتحقيق لامركزية الحكم، إلا أنها لم تتفق على مدى عمق اللامركزية، كما أنها اختلفت على ضرورة المحافظة على الدولة البسيطة أو الانتقال إلى الدولة الفيدرالية.

استوجب الانقسام بين الأحزاب البحث عن صيغة تجمع بين الرأيين، فتوصل اللقاء المشترك وشركاؤه عام 2009 إلى وثيقة «مشروع رؤية للإنقاذ الوطني»، طُرح فيه خياران لتحقيق اللامركزية، هما: الأخذُ بشكل الدولة الفيدرالية، أو البقاء في إطار الدولة البسيطة مع العمل على إقامة حكم محلي كامل الصلاحيات يقوم على أساس أقاليم كبيرة.

في 11 فبراير 2011، انطلقت ثورة شبابية شعبية، كان من نتائجها التوصل إلى تسوية سياسية بموجب اتفاق المبادرة الخليجية واتفاق على آلية تنفيذ العملية الانتقالية. وبموجب تلك الآلية عُقِد مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وتم التوصل فيه إلى عقد اجتماعي يُحقق تغييرا سلميا وتوافقا وطنيا، أسفر عن وثيقة الحوار الوطني الشامل التي حددت أسس الدستور ومبادئه، بما في ذلك ركائز الدولة الفيدرالية ومبادئها.

مسودة دستور يُقرّ اللامركزية
تم التوافق بين الأطراف السياسية والاجتماعية على إقامة الدولة الفيدرالية. وفي وضع مسودة الدستور، استندت اللجنة المعنية بإعداده إلى الأسس والمبادئ المضمنة في وثيقة الحوار الوطني الشامل. وجسدت مسودة الدستور تلك الإرادة التوافقية في التوجه العام، وتضمنت المسودة مسألة خلافية واحدة، هي عدد الأقاليم وحدودها.

مستويات حكم أربعة  وصلاحيات متفاوتة
حددت المسودة صلاحيات واختصاصات حصرية لمستويات الحكم الثلاثة: «الأقاليم، الولايات، المديريات»، وأوجدت وضعا خاصا لكل من مدينتي صنعاء العاصمة السياسية، وعدن العاصمة الاقتصادية، فوُضِعت مدينة صنعاء مباشرة تحت المستوى الوطني، أي مدينة اتحادية، في حين أُعطِيت مدينة عدن صلاحيات الإقليم والولاية والمديرية واختصاصاتهم، بما في ذلك سن القوانين ذات الصلة بالنظام الاقتصادي والمالي الخاص، ولكن في إطار الإقليم.

أما فيما يتعلق بالأمن القومي، فقد حددت المسودة جهازين للأمن: الشرطة وجهاز المخابرات العامة. جهاز المخابرات العامة، هو جهاز اتحادي تشارك الأقاليم في الرقابة عليه من خلال ممثليها في مجلس الاتحاد، أي الغرفة البرلمانية الثانية، أما الشرطة فهي تنقسم إلى: جهاز شرطة اتحادي وجهاز شرطة الإقليم. ووضعت المسودة معايير توزيع الإيرادات الوطنية بين مستويات الحكم المختلفة.

وتُشارك الأقاليم في القرار الاتحادي من خلال مجلس الاتحاد، أو الغرفة البرلمانية الثانية التي يُنتَخب أعضاؤها من الأقاليم وبالتساوي. ويضيف الباحث أن تقسيم السلطات وصلاحياتها واختصاصاتها بين مستويات الحكم المختلفة يُحقِق الهدف من إقامة نظام فيدرالي، كما يؤدي إلى التوزيع العادل للسلطة والموارد ويمنع تركيزها بيد السلطة التنفيذية ورئيسها في العاصمة السياسية.

إقرار الدستور: مسار وآلية بانتظار عودة السلم الأهلي
حددت آلية العملية الانتقالية مسار الدستور الاتحادي وتغيير شكل الدولة، أي هيكلها ونظامها السياسي، واعتمدت التوافق وسيلة من خلال أداة هي مؤتمر حوار وطني يشمل القوى والفعاليات السياسية بما فيها الشباب والحراك الجنوبي والحوثيين وسائر الأحزاب وممثلين عن المجتمع المدني والقطاع النسائي. ويشمل المسار وضع المبادئ والأسس لصياغة الدستور وإنشاء لجنة لهذا الغرض وتحديد عدد أعضائها وعرض الدستور للاستفتاء الشعبي العام.

وضعت وثيقة مؤتمر الحوار الوطني الشامل أسس الدستور ومبادئه، بما فيها أسس الدولة الاتحادية ومبادئها وعددا من المعايير لتشكيل اللجنة. ولكي يستمر التوافق على صياغة الدستور وإقرار المسوَدة كمشروع يُطرح للاستفتاء الشعبي، أقرت وثيقة الحوار الوطني الشامل، فى الضمانات، تشكيل الهيئة الوطنية للإشراف والمتابعة في تنفيذ مُخرَجات الحوار المذكور.

تم التوافق في مؤتمر الحوار الوطني الشامل على إقامة الدولة الفيدرالية، وعلى الأسس والمبادئ التي تقوم عليها طِبقا للدستور والقوانين ذات الصلة.
وأيّ كان الأمر، فقد تحددت آلية عمل اللجنة الدستورية، وتم تشكيلها وإنشاء الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مُخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، بقرارات رئيس الجمهورية، التي ألزمت الهيئتين بقرار لجنة تحديد الأقاليم، والتي قررت تكوين الدولة الاتحادية من ستة أقاليم، وحددت حدودها من خلال تحديد المحافظات التي يتكون منها كل إقليم.

خطوات إقرار الفيدرالية
يتم إقرار الدولة الفيدرالية من خلال إقرار الدستور، إلا أن ذلك بحاجة إلى ثلاث خطوات:
الأولى: مناقشة مسوَدة الدستور من قبل الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مُخرَجات الحوار الوطني الشامل.

الثانية: نشر المسوَدة للجمهور وإطلاق حملة مشاورات عامة لشرح مضمونها وجمع الملاحظات عليها من المواطنين بإشراف الهيئة الوطنية ولجنة صياغة الدستور.
الثالثة: مراجعة لجنة صياغة الدستور المسوَدة، وَفقا لنتائج المشاورات العامة وتقرير الهيئة الوطنية، وتُسلَم المسوَدة النهائية للهيئة للمواءمة النهائية مع مُخرَجات الحوار الوطني.

حددت مسوَدة الدستور خطوات الانتقال إلى الدولة الاتحادية بخطوتين يجب اتخاذهما فور إنفاذ الدستور:
الأولى تشريعية، تتمثل في إصدار قانون الانتخابات، وقانون الأقاليم، وقانون السلطة القضائية، وقانون المحكمة الدستورية وقانون العدالة الانتقالية.
والثانية إجراء الانتخابات العامة، مُتمثِلة في انتخاب مجلس النواب الاتحادي ومجلس الاتحاد، وانتخاب مجالس نواب الأقاليم في وقت واحد خلال مدة أقصاها سنة من تاريخ نفاذ الدستور، وإجراء انتخابات رئيس الجمهورية والمجالس المحلية خلال ستة أشهر من تاريخ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية.

وبهذا تنتهي الفترة الانتقالية وتُقام الدولة الاتحادية.
وختاما، يرى الباحث أنه في حال عدم التوافق على دولة فيدرالية مكونة من إقليمين، يمكن إيجاد حل وسط في اتفاق سلام ينص على أن يشكل جنوب اليمن إقليما اتحاديا واحدا، وأن يكون للمحافظات الأخرى أقاليم جديدة تُؤسَس وَفقا لأحكام الدستور، لا يزيد عددها عن إقليمين. ومن الأفضل أن يحل اتفاق السلام المشكلة دون الإخلال جوهريا بمُخرَجات الحوار الوطني الشامل.

فيما يتعلق بتمديد الفترة الانتقالية وإيجاد مرحلة ثالثة، يرى الباحث أن ذلك يؤدّي إلى زعزعة ركائز الدستور، ويؤدّي إلى ديمومة النزاع بشأن شكل نظام الحكم، لاسيما وأن مسودة الدستور نصّت على إعادة النظر في نظام الحكم الرئاسي بعد دورتين تشريعيتين، وذلك بتعديل الدستور والانتقال إلى النظام البرلماني. وبهذا الشأن التزمت مسودة الدستور بمُخرَجات الحوار التي جُعِلَت القاعدة، والتي تنصّ على الانتقال إلى النظام البرلماني في الأقاليم فور إقامة الدولة الفيدرالية باستثناء الحكم الاتحادي، مما يفترض استحداث مرحلة انتقالية أخرى. وهو أمر ينتج عنه ظهور مُشكلتين: أولهما عدم استقرار الدستور واستمرار الصراع بشأنه، وثانيهما استمرار الفترة الانتقالية من خلال استحداث مرحلة ثالثة، الأمر الذي سيُوجِد عدم استقرار في مؤسّسات الدولة.

و«من الأفضل أن يحلّ اتفاق السلام المشكلة دون الإخلال جوهريّاً بمُخرَجات الحوار الوطني الشامل، وذلك بالانتقال إلى تفعيل الأساس العام الذي أقرّه المؤتمر، وهو الانتقال مباشرة إلى النظام البرلماني، ليس على صعيد الأقاليم فقط، كما هو مُقرَّر في مُخرَجات الحوار الوطني ومسوَّدة الدستور، بل على صعيد الحكم الاتحادي أيضاً».​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى