المقبلي .. الكوكب الذي تهاوى

> رثاء كتبه/ محمد العولقي

>  هكذا هم العظماء .. يموتون في صمت .. ويتركون أعمالهم تتحدث عنهم.
 * رحل (المقبلي) بليل دون أن يطرق باباً أو  يدق نافذة .. رحل وترك كل قصائد الرثاء تغلي على شفتي .. ترجل عن صهوة هذه الحياة الدنية .. وترك لنا حسرة نازفة ولوعة نازحة .. رحل الصباح وفي مآقينا تفجرت براكين النواح .. كل شيء مع الموسوعة الكروية (محمد أحمد مقبل) رحل وراح .. كل شيء خلفه استكان .. سكت عن الكلام المباح.
 * رحل (المقبلي) عن عالمنا المهووس بالنفاق .. غادر حياتنا الكئيبة في صمت.. وفي حلقه غصة .. وفي قلبه حرقة .. لم نلملم فرائصنا المرتعدة من هول الفراق .. تركنا لحواسنا حرية الطيران بعيداً عن بساط (المقبلي) .. كلهم غدروا بأحلام (المقبلي) .. غرسوا أشواك الصنوبر في بستان قلبه .. جحدوه .. رموه في سلة المهملات .. فرضوا عليه الإقامة الجبرية في منزله .. استغنوا عن أرشيفه وعن مدرسته الأكاديمية .. حنطوه مع سبق الإصرار والترصد .. أغلق الوزير ونوابه الأبواب في وجهه .. تركوه يجتر آلامه وحيداً .. بقي في عزلته مثل السيف فرداً .. آخر أيامه كان يعز عليه أن يرى (بقالة) الوزارة تضج ببضاعة منتهية الصلاحية.
 * ذات يوم أرسل لي رسالة (متى توقف وزارة الدخلاء المهجنين هذا العبث برياضة عدن ..؟) .. كان سؤاله مثل موجة بدون بحر .. مثل ليل بلا غسق .. ظل يجلدني بسوطه ، وهو ينتظر(خبرة) وزارة هائمة ، ما بدلت تبديلا .. كنت أشعر به .. داخله بركان يتفجر غلياناً .. وعندما حرت في الإجابة ، لم أشأ أن أخبره بحقيقة (الحاشية) الذين يستنزفون كل الموارد إلى جيوبهم.. لم أقل له : إن الوزارة تنتصر للأمية والحزبية وللأقربين الأولى بمعروف قوس قزح  .. كنت أدري أن (المقبلي) يعاني سكرات النكران والجحود .. وأيضا كنت أخشى عليه من مصارحته بالحقيقة .. مثل (المقبلي) خلاياه كلها حساسة .. عليك أن تنتقي كلماتك معه بأوقيات الزئبق .. إياك أن تعزف على أوتار قلبه .. فقد ترك تلك المهمة المرهفة الحس لنجله (نجيب) .. الفنان الذي يعزف بحنجرته .. فيما الأب يضبط السلم الموسيقي (دو .. ري .. مي .. فاصول).
 * الآن أيها الأب الروحي لكرة القدم الجنوبية نسألك : كم مرات سلبوا تجاعيد سنينك العجاف ..؟ كم لصاً سطا على حلمك القديم ..؟ كم مرات نهبوا تجاويفك وخزنوا فيها مساوئهم الغادرة ..؟
 * الآن أيها الأستاذ النجيب .. رحلت هنيئاً .. ضاحكاً مستبشراً .. جردت كل تلك (الطحالب) من مجامرها .. غادرت سعيداً .. في يمينك عطاياك وهباتك .. تسمو بها روحك في عالم الخلود .. ولتدع لنا نحن النحيب والعويل والنواح .. لك الآن أن ترتاح في بيت الخلود .. لن يستفزك وزير (هلامي) ينطق عن الهوى .. ولن يفتري عليك وكيل (زنبيل) يدرج رأسه .. أو آخر لا مكان له من الإعراب .. فاضت همومك كلها دفعة واحدة .. أظن رفاتها اليوم ترثيك مرثية الخنساء لأخيها (صخر ) : ولولا كثرة الباكين حولي .. على إخوانهم لقتلت نفسي .. وما يبكين مثل أخي ولكن .. أسلي النفس عنه بالتأسي.
 * أيها السابح في ملكوت الله .. لن يسألك ليل الصب المؤرق بالسهر والحمى عن الغد .. ها قد أنشبت المنية أظافرها في جسدك .. فاضت روحك .. وتبدد خوفك عن رياضة وطن يطحنها (المغربلون) .. هدأت جراحك .. سكنت همومك .. وتوارت سحابة غيثك .. تهاوى كوكبك الساري .. ومعه تهاوى وطن رياضي عمره سبعين عاما أو يزيد .. ونقلت ميراث الحرقة لجيل لا يرى .. لا يسمع .. لا يتكلم .. حتى اللحظة الأخيرة من حياتك .. كنت زاهداً في المن والسلوى .. لم ينكرك يوماً (بنو غبراء) .. كنت كريما بعطاياك .. قانعاً في محرابك .. كنت ترى الموت يعتام الكرام كل يوم .. وأنت ترأب بنفسك عن هذه الحياة .. وتردد مع الشاعر(طرفة بن العبد) حكمته : أرى العيش كنزاً ناقصاً كل ليلة .. وما تنقص الأيام والدهر ينفد.
 * في ليلة الوداع .. لا نحتاج إلى سرد قصة كفاحك الرياضي والإنساني .. هنا ملأت البر وروداً وزهوراً .. وضاق البحر العدني بسفنك الراسيات الشامخات .. ستقرأ الأجيال حكايتك يا (مقبلي) على جدران (قلعة صيرة ) .. سترويها لهم ليالي الغدير ونهارات (جولد مور) المثير .. سيردد جبل (شمسان) الأشم صداها .. وسيحكي تراب ملعب (الحبيشي) فيضها وغيضها ..  سنتنفس من (صفارات) التحكيم نسيماً بنكهة رحيق بساتين (الكمسري) .. سنجدك بيننا دوماً .. فكيف لرجل مثلك يسكن مسامات عدن أن يفارق أرواحنا وأجسادنا.
 * سأبقى يا بروفيسور الكرة الجنوبية أناجيك في الليالي الحالكات .. لن تغادر أفئدة عمرتها حباً وعشقاً وطرباً .. سيبقى دمعي لذكراك إذا خطرت .. فيض يسيل على الخدين مدراراً .. اللهم إنا نستودعك عبدك .. اللهم أسكنه فسيح جناتك .. وألهمنا وذويه الصبر والسلوان .. إنا لله وإنا إليه راجعون.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى