مسموح لهم «الانسلاخ» من هويتهم ومرفوض استعادة هويتنا

> جمال باهرمز

>
«الجنوب تم بلعه وما تبقى إلا هضمه» قائلها أحد رؤساء حكومة دولة الوحدة السابقين.

تخبرنا كتب التاريخ بأن عدن كانت منذ أقدم العصور ميناء تجاريا ومدينة ضمن الممالك والدول الجنوبية كعاد الأولى والثانية وثمود وحضرموت وأوسان وقتبان، ولم تكن يوما من ضمن ممالك أو دول شمالية. وكانت تبعيتها لدول وممالك الشمال فقط في فترات الغزو والاحتلال، وهي فترات متقطعة.

فعلى مر التاريخ كان لعدن محمياتها السياسية وهي محافظات الجنوب، وكانت لها حاضنتها الشعبية وهو شعب الجنوب، ولها امتدادها العرقي من أبناء هذه المحميات. وكانت عدن ككل مدن الموانئ فيها التعدد العرقي والأثني والتسامح الديني. وهذا التعدد يشكل ثقافة أبناء وأهالي عدن وتأثر به على حاضنتها الشعبية الجنوبية.

في البداية وبعد التخلص من المعارضين الجنوبيين ليمننة الجنوب مثل الرئيس قحطان ورئيس وزرائه فيصل عبد اللطيف وبقية المناضلين العدانية وأبناء المحافظات، تم التغيير الثاني واستبعاد مسمى الجنوبية إلى (ج. ي. د.ش).
واعتبرت القيادة الموحدة للتيارات الجنوبية والشمالية كيان واحد حاكم ممثلا في الحزب الاشتراكي اليمني. وكرست ثقافة واحدية الهوية والثورة. ثم جاء الاستحقاق الشمالي للاستحواذ على الجنوب بموافقة أغلب أعضاء المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الحاكم في الجنوب بوحدة اندماجية مع الشمال، وهذا الاستحقاق نتيجة استحواذ وتغلغل العنصر الشمالي في أعلى هياكل الدولة في الجنوب، وتمثل أيضا في الغالبية الشمالية في المكتب السياسي نفسه.
وفي كل المراحل تأثرت عدن وثقافتها بهذا المد القومي والوحدوي من خلال الأحداث التالية:

1 - من خلال مذكرات السفير العبادي، اتضح أن بعض الأخوة الشماليين الذين شاركوا في حكم الجنوب التابعين لحزب حوشي وللجبهة الوطنية. لم يكونوا مخلصين للأرض التي احتضنتهم ولا للشعب الذي وثق بهم.
وكان جل عملهم ليس رفاهية واستقرار واستقلال وتطور شعب الجنوب بل تسخير الجنوبي وثرواته وإمكانياته للانتقام من نظام صنعاء والمساومة معه، ومحاولة تسخير امكانيات الجنوب ارضا وشعبا وثروة لإنقاذ مناطقهم في تعز واب من مستنقع الهيمنة الزيدية وحالة العبودية المستحكمة لحكام الهضبة الزيدية في هذه المناطق، وفي سبيل ذلك الهدف كان ولازال من بقي منهم عائشا تحت مسميات الجبهة الوطنية او حوشي، مهمته التخلص من مكونات ورجال الجنوب الرافضين لزج الجنوب في مستنقع امراض الشمال المستعصية.. حتى وصل الامر للتخلص من كثير من ابناء عدن والجنوب واقصائهم من الوظائف واحلال من جاء هاربا من الشمال بدلا عنهم. ولم يراعوا خصوصية عدن كمدينة تجارية جاذبة للاستثمار ولا لسكانها المسالمين وثقافتهم الراقية فعملوا على التوطين لمكونات ثورية تحمل العداء للشمال ونظامه وللجنوب وأبناء محافظاته نتيجة لرفضهم لذلك.

وما صرخة المناضلين العدانية مثل نجوى مكاوي إلا خير دليل والمذكرات تشرح ذلك. بل وصل الامر لطردهم من عدن والجنوب تحت شعار (تشتي تهرب الشمال سلم بيتك للجبهة الوطنية). والنتيجة السيطرة على القرار السياسي الجنوبي وتسليم الجنوب لمستنقع الشمال. وبدلا من انتشال مناطقهم من المستنقع أغرقوا الجنوب في نفس المستنقع في عام 90. والان وبعد نضالات سلمية ومسلحة استمرت حتى 2015 تم تحرير عدن والجنوب وعاد لأهله.

2 - استمرار المدد البشري بعد الوحدة في عدن وبعض مدن الجنوب، وبعد تحرير الجنوب من الشمال في 2015م عاد بقوة تحت أسماء مختلفة مثل المقاومة الشعبية وواحدية الهدف والمقاومة والثورة والنازحين والهاربين والمعارضين لحكام صنعاء للإبقاء والتغيير على ديموغرافية عدن. وحين يطالب أبناء الجنوب من حكومات الشرعية بتنظيم النزوح وقضية النازحين لحفظ حقوقهم وحفظ حقوق كل الأطراف واولها مدينة عدن وأهلها، لمنع استغلالهم من قبل عصابات وأحزاب الشمال التي تتاجر بهم وبقضيتهم وتمارس الابتزاز السياسي على كل الأطراف.

ترفض ولازالت هذه الحكومات بحجة واحدية الهوية، وأن من حق اليمني ان يستقر ويعمل ويتملك في أي مدينة او قرية في اليمن شمالا وجنوبا، فأصبحت عملية النزوح عشوائية وبدون حصر وتنظيم في وقت الحرب. وهاهم اليوم الكثير من افراد الأمن المركزي والحرس الجمهوري الذين اجلتهم حكومات الشرعية بحجة انضمامهم وهروبهم من الحوثيين يشاهدونهم أبناء عدن في محاكم عدن في شريعة لاستعادة منازلهم العشوائية التي بنوها في سفوح جبال الطويلة والبادري والخساف والمعلا وغيرها من مديريات عدن.

يشارع هؤلاء مع اخوتهم النازحين الشماليين ما بعد 2015م على جبال عدن، وتفتح المحاكم والشرط لهم ملفات كنوع من إثبات الوقائع والبسط ليتحول إلى ملك فيما بعد. انه يمني وحسب الدساتير تعتبر ارضه وموطنه.
بل انه حين تتأسف على حال عدن وقضية الجنوب يلومونك ويعتبرون ذلك مناطقية وعنصرية.

3 - رئيس حكومة الشرعية بن دغر يهدد بمنع تقسيم اليمن وتغيير هويته، ولا يهدد من يعبث بالعملة والخدمات وقطع الرواتب والمشتقات النفطية عن الجنوب وشعبه.
يريد أن يبقى الجنوب ويفرض عليه التمسك بالهوية اليمنية في حين باسمها جيوش ومليشيات طرفي عصابات صنعاء الهاربة والمتمردة تقتل وتبيد الجنوب ارضا وشعبا، ومحرم رفض هويتهم القاتلة، ومحلل للشمال الانسلاخ من الهوية العربية والغدر بها بالتحالف مع أعداء الأمة العربية.

4 - تحت شعار هذه الهوية تتحرك ألوية الجيش الشمالي من مأرب ونهم الى الجنوب في شبوة للسيطرة على حقول النفط بحجة حماية مصادر الثروة اليمنية، ولا تتجه هذه الالوية لتحرير نساء صنعاء من المعتقلات الحوثية للانقلابين، وكأن قوات النخبة الشبوانية والحضرمية ليس لها صلاحية حماية هذه الحقول وهم أنفسهم قبائل هذه المناطق.

5 - يحرف كتابة التاريخ وتطمس هوية الجنوب الأصلية للانتصار للهوية اليمنية، فثورة أكتوبر الجنوبية هي نتاج للثورة الام السبتمبرية في صنعاء في مفهومهم. مع ان ثورة سبتمبر هي مجرد انقلاب داخلي. والتحريف يشمل كل شيء في التاريخ والآثار والنضال والعلم والحضارات وتاريخها وللدين وللإنسان.

6 - مصيبة الجنوب هي ادخاله في الصراع الشمالي الازلي بين الرعية الشوافع والاسياد حكام الهضبة الزيدية المقدسة، فمنذ 67 حين استقل الجنوب من بريطانيا اجتهد قادة حزب حوشي وقادة الجبهة الوطنية الهاربين والمعارضين لنظام الشمال بيمننة الجنوب وكانت المصيبة التي جرجرته لهذا النزاع الابدي الطائفي والعنصري والمتخلف حتى اللحظة.

نزع اليمننة وإعادة الهوية الجنوبية هي اول الحلول للخروج من مستنقع الشمال الموبوء بالأمراض والمشاكل، وابقاء الهوية اليمنية في الجنوب هو إبادة ودمار لكل جنوبي ولأحفاده.
7 - صدقوا احرار عدن ومثقفيه من امثال رائد التنوير لقمان ومكاوي وخليفة والجفري وحزب الرابطة حين رفضوا يمننة الجنوب العربي، لإدراكهم ان ذلك فيه تعسف وظلم لعدن اولا وللجنوب عموما. وها نحن نرى ما يحصل لعدن خاصة والجنوب عامة بشرعية اليمننة من توطين مسيس للنازحين والهاربين والقتلة من الشمال لاستمرار التغيير الديموغرافي.

مع العلم أن كل أبناء الشمال قد بايعوا إمامهم وملكهم الجديد الحوثي، حين ذهب قادتهم ليقدموا فروض السمع والطاعة في ديسمبر 2014م بمقره بصعدة، ووقعوا أمامه وثيقة المكونات وفيها تجريم وتحريم اعتراض جيوش أنصار الله وزعيم عصاباتهم عفاش للسيطرة على محافظات الشمال وتسهيل ومساعدة طريقها للسيطرة على الجنوب وإرجاعه الى باب اليمن تحت حكم ملكهم الجديد الامام الحوثي، وبذلك أسقطوا مبادئ ما كانوا يرددونه بثورة سبتمبر وأسقطوا الجمهورية والثورة والوحدة، فلم يعد أحد يصدق انه ستكون جمهورية أو دولة اتحادية أو وحدة بعد اليوم. والأكيد أن دولة الأئمة الهاشمية ستعود اسما وشعارا كما عادت على ارض الواقع في الشمال.. فهل ستتغير هوية أبناء الجنوب إلى رعايا المملكة المتوكلية الهاشمية؟..
وهل يستفيد الجنوبيون من دروس الماضي ويدركون ان فك ارتباط الجنوب عن الشمال يعتبر حصانة للجنوب وحفاظا على أمن الدول العربية والاقليم والعالم قبل أن يسقط الجنوب والخليج وأمنه في مستنقع الشمال وحليفتهم إيران الذي لا حل له؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى