المناكفات السياسية وغياب الحوار الديمقراطي أسقطا البلاد في أحضان القبيلة

> د. مروان هائل عبدالمولى

>
للفساد في يمن 22 مايو 1990 وجوه متعددة، والرشاوى بعيدة كل البعد عن مكونه الرئيسي والخطر، لأن ألأكثر خطورة بكثير هي المحسوبية، التي تعني تفضيل القرابة بأشكالها المختلفة القبلية أو السياسية أو العائلية أو المذهبية في التوظيف وفي تحقيق مصلحة ما، واعتماد الحسب والنسب في المقام الأول، هي في الغالب توظيف وترقية الأبناء والأقارب غير الأكفاء في مناصب عليا مثل الشيوخ الأميين (شيوخ القتل والنهب والفيد) وملاك مزارع القات والمناطقيين بلا وعي وأعضاء أحزاب (مافيا سياسية) بدون وطنية وتجار دين فاقدين للبوصلة، وسماسرة من الحضيض، تسببت هذه الطريقة الكارثية في التوظيف في ضياع الفرص على الخريجين الأكفاء في التعيين، وبالتالي ازدهار الفساد بكل أنواعه الخبيثة وعلى رأسها المحسوبية، التي أصبحت من أقوى أبواب الرزق والنعيم للكثير من الجهلة والمرتزقة، خاصة بعد حرب صيف 1994 على الجنوب، كما أن صمت النخبة والأحزاب الحاكمة والمعارضة على هذه الظاهرة بل وممارستها بوقاحة، عزز جذور هذا النعيم الأسود، الذي تغذى بشراهة من الصراعات والمناكفات السياسية وغياب الحوار الديمقراطي الشفاف بين الأحزاب كافة، وعدم دعمها أو مطالبتها بأي إصلاح حقيقي للاقتصاد والبنى التحتية والتعليم والصحة، حتى سقطت البلاد في أحضان عائلة وقبيلة قمة قي التخلف والتبلد السياسي غير منتخبة ومنها تفرعت أذرعة أخرى تابعة وخاضعة تتحكم بمصير الدولة، فأصبح هناك سلطة وجيش عائلي، ووزارات حكومية كاملة تخضع لعائلات وقبائل محدودة أكلت الأخضر واليابس والبقية يقتاتون من فتاتها.

في اليمن يظل الفساد والمحسوبية من الظواهر السيئة والمستفحلة والمستمرة في البلاد وفي حالة ازدهار وأولهم في الحكومات المتعاقبة ووزاراتها وموظفيها، البعض منهم أصبح يثير الغثيان لدى المواطن، بسبب فشلهم الإداري وتمسكهم في نفس الوقت بالمناصب، بل المثير للاشمئزاز أن هذا المواطن وبشكل دوري،  أصبح يسمع عن توظيف الأبناء والأقارب والزوجات في مراكز حساسة من مؤسسات الدولة على أساس كادر مؤهل وبرواتب كبيرة وبالعملة الصعبة، مع أن البعض من هؤلاء الكادر يحمل شهادات مزيفة، والبعض الآخر يحمل شهادات سفري (أبو دهفة)، بينما الموظف والمتقاعد أصحاب الشهادات الحقيقية والخبرة، يتعرضون لأبشع صور الذل والإهانة، والفقر يحاصرهم من كل زاوية، والمحزن أكثر هو مشاهدة هؤلاء المطحونين لصرفيات المسؤولين وعائلاتهم على ديكورات المنازل والغذاء والقات لهم ولحراساتهم والسيارات  التي يمتلكها أبناؤهم في الداخل، وكذلك في صرفيات حفلات زفاف أبناء وأقارب المسؤولين الذين يعيشون خارج البلاد.

أسباب تجذر الفساد والمحسوبية في يمن 1990 هو في طبيعته النظامية والعقلية القبلية المتخلفة والمتوحشة واستفرادها بالسلطة بعد حرب صيف 1994، وتحويل الجنوب إلى عقارات ومزارع  خاصة لعصابات القبائل وشيوخها، وتهميش وطرد الموظف الجنوبي من وظيفته وتعيين أبناء الشيوخ والقبائل بدلا عنه، فهناك كوادر عائلية وقبلية ومناطقية عُينت في مناصب كبيرة للدولة وهي غير مؤهلة، أفشلت وهدمت وخربت مؤسساتها ونهبت الممتلكات فيها، دون أن تخضع للمسائلة القانونية، أو حتى تنال عقاب إداري، وذلك بفضل ثقافة الإفلات من العقاب المسموح لشيوخ القبائل وأبنائهم المسئولين الفاسدين وأقاربهم وأصدقائهم وأبناء مناطقهم ومن يدور في فلكهم من المتسلقين والمرتزقة، فجهل هؤلاء بعلوم السياسة والاقتصاد والقانون، والطب وغيرها من التخصصات هو سبب تدمير الصناعة والزراعة والسياحة وانهيار العملة الوطنية (الريال) والإنتاج شبه المتوقف، ومشاكل أسعار الوقود والتلاعب بأسعار السلع في المتاجر وتدمير منظومة الكهرباء  وتدمير المنشأة الوطنية والمستشفيات.

 المحسوبية من أقوى أسباب انهيار يمن 1990، وسحرها مع الفساد تجلى في السياسة الممنهجة، التي دمرت التعليم الجيد وبالذات في الجنوب، عن طريق تهميش الكادر الجنوبي المتعلم بكل أطيافه وتسهيل الغش والتعليم التجاري الضعيف وانتشار آلات الطباعة الملونة، التي تنسخ سنوياً الآلاف من شهادات الثانوية والجامعية المزورة، وترمي في مراكز الدولة وإداراتها المئات ممن  يجهلون أن الإدارة في أي مجال هي العلوم وامتلاك الشخص لمجموعة معينة من الصفات النفسية-الفسيولوجية إلى حد ما، سحر الفساد والمحسوبية في يمن 22 مايو 1990 تجلى في الصمت المطبق للحكومة ووزارة الصحة في الحديث عن مكان دفن النفايات السامة والخطيرة في عهد المخلوع الراحل عفاش، وسبب انتشار الأمراض الخطيرة وخاصة في عدن، كالجلطات والذبحات الصدرية الفجائية، التي أودت بحياة الكثير من الناس وخاصة في فئة الشباب، في ظل لامبالاة معيبة وجهل مطبق للجهات الطبية عن سبب ظهور وانتشار هذه الأمراض القاتلة. سحر الفساد والمحسوبية في يمن 22 مايو 1990 تجلى في غموض عائدات نفط وغاز وأسماك اليمن، وفي  قطاع الكهرباء، وفي بناء وترميم الطرق وفي عائدات الموانئ المخفية وخصخصة بوابات الجمارك الحدودية والضرائب، وفي القضاء الفاسد ونهب لصوص الدولة وبلاطجتها لأراضي البسطاء والدولة، وفي صمت القانون عن الحق ووقوف العدالة مع القوي ومع من يدفع أكثر.. سحر الفساد والمحسوبية في يمن 22 مايو 1990 حاضر في معظم مؤسسات الدولة، وسبب فشلا شبه عام، لأن المهام معينة لغير المختصين بها، الذين بهم تطورت وانتشرت منظومة الفساد الإداري والمالي في داخل وخارج البلاد.

صورة الفساد والمحسوبية المنتشرة في اليمن ليس ظاهرة اليوم، بل هو منتج بارحي تقليدي ملازم لعقلية غالبية الناس من جماعات الفيد والنهب في البلاد ولسلوك النخبة المنبطحة في مختلف المراحل التي مر بها نظام الدولة في يمن مايو 1990 وحتى يومنا هذا.. نخبة غالبيتها فاسدة جاهلة وأنانية لم تدرك ولم تقدر خطورة هذه الظواهر المدمرة على الدولة ومؤسساتها، ولم تتخذ أي تدابير لمكافحتها، لأن أكثريتها في البداية صريحة، شجاعة ونظيفة عندما تكون فقيرة وخارج كرسي الدولة، وبمجرد وصولها إلى السلطة، تصبح ممن يمارسون المحسوبية وبالذات المحسوبية البليدة والجاهلة ومن مقدمي ومستلمي الرشوة مثل أسلافها.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى