ظروف قد تجبر معين عبدالملك على الاستقالة ودفع هادي لترشيح رئيس توافقي جديد

> تحليل/ د. مروان هائل عبدالمولى

>
أثناء حكم الرئيس الروسي الراحل بوريس يلتسين، برز فجأة اسم الشاب سيرجي كيريينكو على الساحة السياسية الروسية كمرشح الرئيس يلتسين لرئاسة الحكومة في روسيا في أبريل 1998، وبعد رفض البرلمان الروسي ولمرتين متتاليتين التصويت له، نجح سيرجي كيريينكو في الثالثة تحت إلحاح وضغط من الرئيس يلتسين وإدارته، الذي هدد بحل البرلمان في حالة الرفض، نجح سيرجي كيريينكو واستلم المنصب الجديد خلفاً للرجل العقلاني والداهية الكبير والمخضرم دبلوماسيا وسياسياً واقتصاديا فيكتور تشيرناميردين، الذي كان عمره حينها قد تجاوز 60 عاماً، كانت الأوضاع في روسيا في 1998 من جميع النواحي سيئة للغاية، فالمواطن الروسي يرفض تسديد فواتير الماء والكهرباء والالتزامات الحكومية المالية من رواتب ومواد غذائية مدعومة وضرائب وأسعار البترول على وشك الانهيار، أضف إلى ذلك انهيار سعر صرف العملة المحلية (الروبل)، وانتشار الفساد بكل أشكاله، ولم تكن البنوك قادرة على الحصول على كميات كافية من الدولارات، ورحلة رأس المال من روسيا إلى خارجها تسارعت وتيرتها، حينها اكتشف سيرجي كيريينكو رئيس الوزراء الجديد والشاب أن الوضع المالي والأمني كان أسوأ بكثير مما كان يتوقعه، إذ لم يكن لدى الميزانية الحكومية حتى أموال كافية للوفاء بالالتزامات لموظفي الدولة، ولم تكن الموارد اللازمة لسداد الديون الخارجية كافية على الإطلاق، وانتشار واسع للجريمة المنظمة والعنف، والحرب في الشيشان لم تنتهِ، مع بروز حركات انفصالية جديدة في القوقاز، وزيادة كبيرة في معدلات البطالة والتضخم والفساد، ولكن الأكثر إيلاماً بالنسبة لرئيس الوزراء الجديد كان معرفته المتأخرة بطاقم إدارة الرئيس يلتسين، الذي دفع وضغط على الرئيس من أجل تثبيته، ومن ثم استخدامه كقطعة شطرنج تحركها أيادي هذه الإدارة، للاستفادة القصوى منه ومن حكومته، بسبب قلة خبرته وخبرة الرئيس يلتسين السياسية المشوشة والاقتصادية الضعيفة، ولعلم هذه الإدارة الفاسدة، أن الرئيس بوريس يلتسن لم يكن أبدا اقتصاديا قويا، ولم يكن لديه أي فكرة، عما يحدث في الميزانية وفي أحوال البلاد، ولم يعد قادرا على إدارة شؤونها، بسبب ظروفه الصحية وأن تغيره مجرد مسألة وقت.

عند تشكيل حكومة سيرجي كيريينكو، كان التغيير الملحوظ الوحيد هو الانخفاض الحاد في عدد الوزارات ونواب رئيس الوزراء، وقد اتخذت خطوة كهذه من قبل رئيس الوزراء لاعتبارات تكتيكية، ولكن النتيجة كانت سقوطا مدويا على كافة الأصعدة وأزمة مصرفية حادة وفقدان مئات الآلاف من المواطنين الروس لوظائفهم وانخفاض حاد في سعر صرف الروبل وأزمة حادة في المشتقات النفطية، عجلت بإقالة أصغر رئيس حكومة في تاريخ روسيا الاتحادية بعد 4 أشهر من تعيينه في ظل رئيس متهور ومريض، أجبرته الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة حينها في روسيا أن يتبع رئيس وزرائه في الرحيل من سدة الرئاسة وترشيحه لفلاديمير بوتين بدلا منه، بسبب زيادة كراهية الشعب الروسي له، نتيجة تهوره في إصدار القرارات غير المدروسة وضعف شخصيته، التي أدت إلى بروز وتنامي الحركات الانفصالية على أراضي روسيا الاتحادية، وزيادة سلسلة المناطق، التي تمتع بحكم شبه ذاتي في داخل الدولة الروسية، وارتفاع معدلات الفقر والفساد، وسقوط غالبية ممتلكات الدولة الوطنية والثروة في أيدي قلة فاسدة.

في قانون الاصطياد، الأسماك الصغيرة دائما هي الطعم وليست الحيتان، وفي البحر الأسماك الكبيرة تأكل الصغيرة، أما في قوانين الحياة، تلعب الخبرة دائما دورا محوريا في التعاطي مع تقلبات الزمن، وبالذات فيما يخص السلطة ودهاليزها ومفاتيحها، وفي اليمن كثير من الحيتان السياسية سبحت ولا تزال تسبح في بحر السلطة والفساد، ومحصنة من الانقراض ومستمرة في نهب الدولة والشعب، والدكتور معين رئيس الوزراء الجديد شاب يظل ذا خبرة محدودة في علوم السياسة وعالم النخب التآمرية المزمن، التي أبدا لا تغادر المشهد السياسي اليمني وتحرك التعيينات الكبيرة بنفوذها القبلي والسياسي والاقتصادي (الدولة العميقة)، وحتما سيصطدم الدكتور معين بها وبعقليتها الفاسدة وستحفر له حفر عميقة وكبيرة في طرق الاقتصاد والأمن وأوضاع المعيشية المتدهورة أصلا إن لم يسايرها في هواها وينال رضاها، وسيعود الحال كما يقول المثل اليمني «ديمة وخلفنا بابها»، ويكفي أن نذكر خساسة هذه النخب (الحنشان) من خلال حادثة بسيطة وهي محاولة رئيس الوزراء الأسبق للجمهورية العربية اليمنية محسن العيني عبر قرار يمنع مضغ القات في المؤسسات الحكومية ومنع زراعته في الأراضي التابعة للدولة، وهي المحاولة، التي أدت إلى سقوط حكومته، بسبب قوة النخب القبلية المزمنة الجاهلة حينها ونفوذ آفة القات السياسي والاقتصادي وهي ذاتها النخبة بغالبيتها اليوم، التي تشكل العمود الفقري للحكم في اليمن منذ نهاية حرب صيف 1994 وتتحكم في مفاصلة السياسية والاقتصادية والأمنية، تحت اسم الشرعية مع احترامي الشديد للبعض من ممثليها.

كان على الرئيس هادي إحالة بن دغر للتحقيق في قضايا فساد، وليس في قضايا إهمال، فالأولى تتعلق بالشق القانوني الجنائي وفيها نيابة ومحكمة وعقوبة، أما الثانية فهي نافذة من نوافذ اللؤم السياسي والتفاف على وعي الشعب البسيط، وتهدئة غضب الشارع، أما بالنسبة للدكتور معين في اعتقادي الشخصي، أولا عليه الحذر الشديد من نخبة الحنشان والالتزام بالخط التكنوقراطي، الذي تبناه، والذي سيهز الأرض حتما تحت أقدام هذه النخبة السوداء مع إعطاء الألوية للقضية الجنوبية، التي لن يتمكن من تجاوزها، لأن من سبقوه لم يستطيعوا تجاوزها وهم في رأس السلطة وهوامير ورقم 1 في السياسية والنفوذ والقوة وعلى رأسهم كان عفاش، واليوم القضية الجنوبية باتت شوكة في حلق نخبة الفساد والفيد، وبالذات بعد تحرير أبناء الجنوب لأرضهم من عصابات عفاش والحوثي وخفافيش الإصلاح، وبنائهم لمراكز قوى جنوبية في الداخل والخارج قوية وشرسة تابعة لهم لا يمكن تجاهلها، وثانياً العمل على إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد من خلال تشكيل لجنة عليا لمحاربة الفساد برئاسته هو شخصياً ورئيس هيئة الرقابة ومدير الأمن القومي، والنائب العام، ورئيس هيئة مكافحة الفساد، مع إعطاء اللجنة صلاحيات استثنائية من الأنظمة والقرارات والتعليمات والأوامر، الهدف منها تمكين اللجنة من القبض ومنع من السفر والتحقيق وحصر الممتلكات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد، وتقديمهم للقضاء وليس للتحقيق بقضايا إهمال.

الدكتور معين عليه أن يكون شديد الحذر، لأنه سوف يترأس حكومة في ظروف حرجة وصعبة للغاية، وفي نفس الوقت بحاجة لمعجزة لتقريب وجهات النظر حول برنامجه الحكومي والموافقة عليه من قبل السعودية والإمارات والجنوبيين والشماليين لتنجح حكومته ويصبح أول رئيس وزراء يمني ترضى عنه غالبية الأطراف السياسية المحلية والإقليمية والحيتان القبلية المتخاصمة، لينهي الحرب ويعطي كل ذي حق حقه، أو ربما يكون هو وحكومته طعم صغير لحيتان كبيرة، يراد منه هز أركان الدولة اليمنية، بسبب أخطاء مرتب لها يتحمل هو تبعاتها، ومن ثم سيجبر على الاستقالة، تلحقه مبادرة جديدة حول الأوضاع والمطالب والمستجدات الجديدة في اليمن، ونتيجة لهذه المتغيرات سيعلن هادي ترشيحه لرئيس توافقي جديد بدلاً منه، ومن ثم تعيين رئيس وزراء جديد تحت ضغط بوادر جغرافيا وديموغرافيا يمنية جديدة، فالأيام القادمة ستكون أيام القرارات القوية والشجاعة وحبلى بالمتناقضات القوية، التي تحتاج للخبرة والحنكة في العلوم الإستراتيجية، السياسية والاقتصادية والأمنية، لضمان مساحة اقتصادية وقانونية وأمنية واحدة على أراضي اليمن، وضمان استقرار مالية الدولة، ووفاء السلطات بالتزاماتها المالية والخدماتية، وتنظيم الإيرادات واستعادة النظام في إنفاق أموال الميزانية والتخلص من عملية توريث ممتلكات ومؤسسات وأراضي الدولة.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى