قضية خاشقجي تغيّر معادلات حرب السعودية في اليمن

> سيلين جريزي*

> الأمير الطموح كانت مبادرته عبارة عن تحدٍ لكي يظهر أن العالم السني أخذ زمام المبادرة ضد تقدم إيران، والتي اتهمت بالوقوف وراء تقدم الحوثيين ودعمهم في اليمن. كان يعتقد أن الحرب ستكون سريعة. لكنها لم تكن كذلك.
قالت ليز غراندي، منسقة الأمم المتحدة للمساعدات إلى اليمن لـ BBC إن ما بين 12 إلى 13 مليون مدني معرضون للخطر. وأضافت: «اعتقدنا أنه في القرن الواحد والعشرين، لن نرى مشاهد المجاعة التي رأيناها في إثيوبيا أو بنغلاديش، وهذا أمر غير مقبول».

سبع سنوات من التشنجات السياسية، حرب أهلية، وتدخل عسكري قرره ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان - الرجل الذي هو أيضاً على المقعد الساخن في قضية اغتيال جمال خاشقجي.
الصدى الضئيل لهذا الصراع يعود بالدرجة الأولى إلى أنه قلة من الصحفيين قادرين على الوصول إلى هناك، وأولئك الذين يقومون بذلك يواجهون مخاطر كبيرة. وقد تم تقديم جائزة «تقرير حرب» قبل أيّام في بايو إلى المراسل العالمي، جان فيليب ريمي، عن سلسلة مثيرة للإعجاب حول اليمن، بعنوان «الحرب خفية».

لكن هناك أيضاً سياق استراتيجي لا يمكن التغاضي عنه يشرح صمت الدول. عندما شكل الأمير محمد بن سلمان ائتلافاً دولياً لإزاحة من سماهم بـ «المتمردين الحوثيين» من العاصمة اليمنية في عام 2015، حصل على دعم من الولايات المتحدة وفرنسا، وهما من أكبر مزوديه بالأسلحة.

بالنسبة لهذا الأمير الطموح، فقد كانت مبادرته عبارة عن تحدٍّ لكي يظهر أن العالم السني أخذ زمام المبادرة ضد تقدم إيران، والتي اتهمت بالوقوف وراء تقدم الحوثيين ودعمهم في اليمن. كان يعتقد أن الحرب ستكون سريعة. لكنها لم تكن كذلك.
منذ ذلك الحين، أصبحت هذه الحرب مستنقعاً، والخيار العسكري لا يجدي نفعاً، ومع ذلك تستمر التفجيرات، المحاولات للوصول إلى حل سياسي وصلت إلى طريق مسدود.

اختفاء الصحفي يخلق حركة غير مسبوقة من الضغط على المملكة العربية السعودية، ويضع ولي العهد في موقف دفاعي. ولكن في الوقت الراهن، لا أحد من حلفاء المملكة مستعد للتخلي عنها ولا حتى قادر على انتقادها بحدة لأنها تمثل لهم عنصراً هاماً وشريكاً استراتيجياً واقتصادياً لا يمكن التفريط فيه بسهولة وبمجانية على الأقل في الوقت الحالي، كما لخصه وزير الاقتصاد الفرنسي عندما سئل عما إذا كانت مقاطعته منتدى «دافوس الصحراء» تعني إعادة النظر في العلاقات بين باريس والرياض، فأكد «لا، إطلاقاً» موضحاً أن «السعودية شريك استراتيجي لفرنسا على أكثر من صعيد، وهذا لا يعيد النظر في هذه الشراكة الاستراتيجية».

تعرف فرنسا جيداً أن هذه الحرب في اليمن ليس لها أي معنى عسكري ولها عواقب وخيمة على السكان المدنيين. لكنها لا تزال حذرة في مواقفها، رغم أنها في نفس الوقت وضعت مشروع لجنة برلمانية للتحقيق حول دور الأسلحة الفرنسية في الحرب باليمن، مشروع ينتظر أن تتم المصادقة عليه خلال الأيام أو لنقل خلال الأسابيع المقبلة.

تعتبر مقاطعة «دافوس الصحراء» خطوة سيئة لأن المملكة العربية السعودية لديها حاجة حيوية للتنويع.
أعلنت عدة شخصيات بارزة مقاطعتها لـ«دافوس الصحراء»، المؤتمر الاقتصادي الذي نظمته المملكة العربية السعودية في الرياض، في حين أن الشكوك القوية تلقي بثقلها على البلاد بعد اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

أعلن كل من وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين، رئيسة صندوق النقد الدولي (FMI) كريستين لاجارد، وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لو مير، وزير الاقتصاد الهولندي فوبكه هوكسترا ونظيره الألماني وقائمة موسعة من الوزراء والرؤساء التنفيذيين، أنهم لن يذهبوا إلى الرياض بسبب الشكوك التي تحيط باختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن العالم كان ينتظر «القشة التي ستقصم ظهر البعير» أمام صمت رهيب حيال ما يحصل باليمن، الانتقادات لتدخل السعودية كانت تدور بالكواليس وكانت المصالح الجيوسياسية قد طغت على النزعة الإنسانية في صراع كان أحد أطرافه شريك مهم للغرب وحليف له في السراء والضراء.

هناك شيء واحد مؤكد: من خلال كسر التوافق بين كبار الأمراء من مختلف فروع الأسرة، العديد منهم تم سجنهم لبعض الوقت من قبل محمد بن سلمان.. الرجل الأقوى في الرياض صنع ضده جبهة تضم العديد من الأعداء بين آل سعود. ولكن أيضاً في الحرس الوطني، الجيش البدوي القوي، والذي يرأسه الأمير متعب، ابن الملك السابق عبدالله، والذي تم فصله العام الماضي. ناهيك عن العديد من المعارضين له خارج حدود المملكة.

«كبش فداء» جاهز
«بين اليمنيين الذين يقصفهم، القطريون الذين يحاصرهم، الفلسطينيون الذين يشعرون بالإحباط بسبب تحركاته وتطبيعه مع إسرائيل، الأتراك، الإيرانيين، والآن، جزء من الأميركيين، بالإضافة إلى الإعلام الأنغلوساكسوني... الأعداء كثر» هكذا أسر دبلوماسي فرنسي رفيع المستوى لجريدة «لوفيغارو»، والذي يحذو حذو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، «في انتظار الحصول على مزيد من المعلومات» للتصويت على تدابير انتقامية محتملة ضد الرياض.

رغم محاولة إيجاد «ستراً ملائماً» لهذا الوضع المحرج إلا أنه من المؤكد أن حلفاء المملكة قد يجدون مخرجاً ملائماً ومريحاً للملك سلمان على عكس ابنه وولي عهده الذي قد يكون كبش الفداء والذي تروج إشاعات لتعويضه على المدى المتوسط بأخيه الأمير خالد سفير المملكة العربية السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية.. لكن هل هذا الحل- الذي قد يكون حسب رأينا خلاصة تعاون تركي أمريكي- سيرضي الملك؟ وهل سيضطر لتغيير ولي عهده قريباً؟
وهل ستكون وفاة جمال خاشقجي بداية ولادة موقف صريح وتدخل فعلي إزاء ما يحصل باليمن؟
المعروف أن الضغط يولد الانفجار، لكن هذه المرة انفجار قضية اغتيال خاشقجي ولّد الضغط على الغرب إزاء ما يحصل باليمن.

* أكاديمية وكاتبة مختصة بالقضايا العربية في باريس - عن (قناة الميادين)​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى