تعز.. بين مرارة الحرب وأمل البدء بتطبيع الحياة

> تقرير خاص

>
  شوّهت الحرب الدائرة في محافظة تعز لنحو أربع سنين وجه الحالمة وعمق البلاد الثقافي، قتل ودمار وخراب طال كل جوانبها، لتحتل بذلك النصيب الأكبر من بين المحافظات والمدن الأخرى.

فمنذ أن قرعت طبول الحرب فيها وسكانها يكتوون بنيرانها وتداعياتها المؤلمة، بعد أن كانت قد شهدت تطوراً ملحوظاً في فترة محافظها الأسبق شوقي هائل سعيد بحسب تأكيدات الأهالي، نتيجة للجهود المبذولة من قبله لخدمة المدينة في مجالات متعددة، غير أن الكثير من المشاريع لم تنفذ بسبب الحرب التي ما تزال تصب حمم نيرانها على المحافظة وقراها.

وتمكنت قوات الحوثي الانقلابية بمساندة قوات علي صالح من اجتياح تعز والسيطرة عليها عام 2015م متسببة بموجة نزوح جماعي للسكان بعد أن قاوموا الحرب طويلا، وأيقنوا بأن الموت هو الخيار الوحيد لهم إن هم قرروا البقاء في المدينة لاسيما بعد أن حصدت قذائف الانقلابيين أرواح الأبرياء ودمرت منازل كثيرة.

400 ألف نازح
وتشير إحصائيات أن عدد النازحين من المدينة إلى أرياف المحافظة ومدن أخرى بلغ 400 ألف شخص، معظمهم تعرضوا لانتهاكات من الحوثيين قبل نزوحهم».

حينها أصبحت المدينة شبه خالية إلا من أصوت آلة الحرب وأشلاء الأبرياء والدمار المرتسم في كل زاويا وأرصفة شوارعها.


تقول أم مؤيد وهي تسرد لـ«الأيام» واحدة من الانتهاكات التي تعرضت لها قبل أن تُجبر بالنزوح: « كنتُ بمعية أم محمد نسير في أحد أسواق بئر باشا قبيل الظهر في أحد الأيام، وبعد أن اشترينا خضروات وأشياء أخرى، ذهب أم محمد لشراء ثلج من محل بالقرب من منازلنا أثناء العودة، حينها اعترضنا عنصر حوثي وتحت تهديد السلاح طلب منها أن تضع قطعة الثلج على الأرض وتجلس، ونتيجة لخوفنا ما كان منها إلا أن تُلبي له أمره، ولم يأخذه ولكنه أطلق ضحكة ساخرة وذهب بطريقة مستفزة لا تنم عن أخلاق أو دين وتتنافى حتى مع العادات والأعراف وتقاليد القبيلة».

فيما أكد أخرون في أحاديث أخرى لـ «الأيام» أن عناصر من الجماعة الانقلابية كانوا يأتون لحاراتهم ويتبولون في خزانات المياه التي كانت تشرف على تعبئتها منظمات إغاثية بفعل الحصار، أو يعمدون إلى فتحها للأرض بهدف حرمان الأهالي من الاستفادة منها.

 قتلى وجرحى معظمهم مدنيون
تسببت القذائف العشوائية التي تطلقها قوات الحوثي الانقلابية، على الأحياء السكنية في مدينة تعز بمقتل وإصابة 161 مدنياً، بينهم 36 امرأة و33 طفلا، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري.

وكشف تقرير حقوقي، عن أن ميليشيا الحوثي أطلقت منذ إعلان الجيش اليمني بإسناد التحالف عملية عسكرية لتحرير تعز في 5 يناير 2018، أكثر من 270 مقذوفا عشوائيا استهدفت الأحياء السكنية، وأدت إلى مقتل 58 مدنياً بينهم 16 امرأةً و15 طفلاً، وأكثر من 103 جرحى بينهم 20 امرأة و18 طفلاً، وذلك حتى نهاية مارس 2018م.


وأفاد التقرير الصادر عن مركز سكوب للدراسات والإعلام الإغاثي والإنساني، أن القصف العشوائي الحوثي على تعز في ذات الفترة خلف دماراً كلياً لأكثر من 20 منزلاً وتدميراً جزئياً لـ66 مبنى خاصاً وعاماً و35 حافلة وسيارة، إضافة إلى تدمير 15 دراجة نارية.
ودعا للضغط على ميليشيا الحوثي لإيقاف الاستهداف العشوائي للمدينة والمدنيين، وإطلاق سراح جميع المحتجزين والمخفيين قسراً والامتناع عن تجنيد الأطفال.

وحذر التقرير من كارثة مجاعة تهدد المدنيين في تعز، بسبب الحرب والحصار المفروض من ميليشيا الحوثي على المدينة منذ ثلاث سنوات، وناشد جميع المنظمات الإنسانية التدخل العاجل وإدخال المساعدات الإنسانية، وفتح الممرات الآمنة لتحرك المواطنين وتنقلهم لتسهيل وصول المساعدات العلاجية والإغاثية.

وأكد تجاوز عدد النازحين من تعز 400 ألف شخص، انتقلوا إلى ريف المدينة ومحافظات أخرى (منذ ثلاثة أعوام)، وأن هؤلاء النازحين تعرضوا لانتهاكات من ميليشيا الحوثي.
وبحسب التقرير، فإن إجمالي الضحايا والمصابين المدنيين في تعز منذ مارس 2015م حتى نهاية مارس 2018، جراء الحرب التي أشعلتها ميليشيا الحوثي بلغ 3863 قتيلاً، و17300 جريح، وتضرر وتدمير 4303 منازل بين تفجير وتدمير كلي وجزئي.

قنص
توصف أم ملاك وهي من سكان حي كلابة الذين نزحوا لوسط المدينة، بأن الحي أصبح بيئة للقناصين وقذائف الحوثيين المتمركزين في تبة السلال المطلة عليه.


وتضيف موضحة لـ«الأيام» قصة مسنة في ذات الحي «غادر الجميع المكان عدا مسنة، حاولنا مراراً اقناعها بالخروج معنا ولكنها كانت ترفض بشدة وتقول: « أموت أو أعيش داخل بيتي»، تركناها وحيدة داخل الحي، بعد أن شاهدنا تمركز القناصين مقابل منزلنا، أما هي فاشترت كل احتياجاتها حتى لا تضطر للخروج، وفي ذات يوم خرجت وشاهدها قناص حوثي حينها أطلق عليها النار لتسقط مضرجة بدمائها».

وتؤكد أم ملاك أن حي الجمهوري هو الآخر من أكثر الأماكن تمركزًا للقناصة الذين حصدوا أرواح الكثير من المدنيين بينهم نساء وأطفال».


تحرير أجزاء من المدينة
استعادت قوات الشرعية المدعومة من التحالف العربي خلال الفترة الماضية الكثير من مناطق المحافظة وأعادتها إلى حضن الشرعية، وكان في مقدمتها مديرية الصلو بعد معارك طاحنة ضد الجماعة الانقلابية التي حاولت مرارا السيطرة عليها لموقعها الاستراتيجي المرتفع والمطل على عدن ومدن أخرى، وتمكن السكان من العودة إليها بعد أن شردوا لاسيما من: قرى الحود، والصيرتين، والشرف، غير أن من مسلم منهم أضحى ضحية الألغام التي زرعها الحوثيون قبل هزيمتهم.


وفي جبل حبشي، يقول السكان لـ«الأيام» إن الانقلابيين زرعوا الألغام في مدرجاته الزراعية ومساحات الأخرى وهو ما عرض حياة المواطنين ومواشيهم للخطر فضلاً عما تعرضت له مناطقهم وقراهم من دمار وخراب جراء الحرب».

وفي المدينة نفسها تحررت أجزاء كبيرة، وعادت على إثره الحياة إلى طبيعتها في الأسواق المؤسسات والجامعات والمدارس وكذا المتنزهات منها قلعة القاهرة الأثرية التي حولها الانقلابيون إلى تبة للدبابات والقناصة لاستهداف المدينة وأبنائها، فيما يواصل الجيش معاركه لتحرير ما تبقى منها.

عودة الحياة للمدينة 
وأوضح سنان مرشد، وهو شاب يعمل في إحدى أسواق المدينة، أن الحياة بدأت بالعودة تدريجياً في المدينة، بعودة الأهالي إليها وافتتاح المحال التجارية وتزايد حركة المتسوقين يوماً بعد آخر».

وتقول غزال علي لـ«الأيام»: «كنت أمر في شوارع المدينة قبل سنة وهي خالية على عروشها، ومؤخراً عادت إلى عهدها من جديد، وبدأت المياه تصل إلى الأحياء بعد أن كانت منقطعة تماماً عن المنازل، فضلاً عن عملية إعادة تأهيل ما خربته الحرب بشوارع المدينة، لتصبح في الوقت الحالي ملاذاً للنازحين من محافظة الحديدة والمدن الأخرى التي ما تزال تشهد معارك طاحنة فيها».


ويعمل أبناء المحافظة بكل جهد لإعادة تأهيل وبناء مدينتهم من جديد، وذلك بافتتاح المؤسسات وترميم الطرقات وغيرها، وباتت أزقة تعز ممتلئة بضحكات الأطفال بعد أن غادروها مرغمين للنجاة من الموت قتلا.

 حصار مطبق
من جهته قال عبدالحفيظ الشرعبي وهو من سكان المدينة: «منذ منتصف العام 2015م والمليشيا تفرض حصارًا خانقًا على المدينة، متسببة بمعاناة كبيرة للسكان بل كبدتهم على إثره وجعا من نوع آخر، فالذاهب إلى الحوبان كان لا يستغرق نصف ساعة وحالياً يحتاج المرء إلى أربع ساعات على الأقل، ونتيجة للحصار الذي تفرضه المليشيات ارتفعت تكلفة الايجارات، والمواد الغذائية تشهد هي الأخرى ارتفاعاً جنونيا لصعوبة وصولها للمدينة، وهو ما تسبب بتزايد رقعة الفقر والمجاعة في أوساط المواطنين الذين فقد كثير منهم مصادر دخلهم وتوقف صرف مرتباتهم».

وأكد الشرعبي في حديثه لـ «الأيام» أنه ونتيجة للحصار تكدست القمامة بشكل كبير في المدينة، الأمر الذي أدى انتشار الكثير من الأمراض والأوبئة أبرزها وباء حمى الضنك، إلى جانب تدهور الوضع الإنساني، فضلاً عن منع وصول المواد الغذائية والخضروات والفواكه وبعض الأدوية».
وزاد ارتفاع  أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، والمشتقات النفطية، نتيجة لاستمرار انهيار سعر العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، وكذا انقطاع خدمة الكهرباء والماء بفعل الحرب زادوا من معاناة أبناء محافظة تعز.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى