الشعب يرفض فقدان السيادة الوطنية والاحتلال المغلف أخويا وإنسانيا

> د. مروان هائل عبدالمولى

>
انطلقت أشعة حرية الشعب في الشمال مع فجر ثورة 26 سبتمبر 1962، التي استندت على قائمة من ستة أهداف، لم يتحقق منها أي واحد، وأولهم اﻟﺘﺤﺮر ﻣﻦ الاستبداد والاستعمار وﻣﺨﻠﻔﺎﺗﻬما لإﻗﺎﻣﺔ ﺣﻜم ﺟﻤهوري ﻋﺎدل وإزالة اﻟﻔﻮارق والامتيازات ﺑﻴﻦ اﻟطﺒﻘﺎت، أما في الجنوب فقد كان الشعب على موعد مع الاستقلال عن بريطانيا في 30 من نوفمبر 1967، كان التفاؤل كبيرا ومصحوبا بوعد، بأننا سنأكل العنب من الطاقة (الشباك بالعدني)، خاصة وأن الكوادر والبنى التحتية كانت جاهزة وحاضرة، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، إذ تحول استقلال الجنوب بعد خروج بريطانيا، إلى استقلال لبعض جماعات الحرب الجنوبية، استطاعت بناء دولة مكتملة الأركان، لكنها كانت ناقصة الديمقراطية والنمو الاقتصادي والتحديث والإصلاحات، دولة سقطت في دوامة الصراعات الداخلية السياسية والمناطقية، بين جماعات أكثريتها من خارج نطاق المدنية، قليلة الوعي السياسي والتعليم، قادت البلاد حسب عقليتها ومقاسها هي فقط، وجعلتنا كمواطنين نشعر بأن الاستقلال الكامل لم يتحقق، وكأن الجنوب، كان مزرعة خاصة بها، لأنها كانت تدير الدولة الجنوبية، منذ البداية وحتى يوم الوحدة، بمفردها وحسب مزاجها وعبر التصفية ومصادرة الممتلكات والطرد والإخفاء القسري والسجن، لكل من عارض توجهه السياسي، أو حاول أن يصحح من خط الاستقلال الوطني، من أجل النهوض والتنمية.

لم يتحقق استقلال الجنوب بالكامل، بعد خروج بريطانيا ويمكن تقديم الدلائل والأسباب الموضوعية والتاريخية لذلك، وباختصار شديد تجلى ذلك في تطبيق السياسة الانعزالية، وغياب مفاهيم السلطة بيد الشعب والسيادة الشعبية والاستفتاء والانتخابات الحرة وإدخال نظام تقنين لأنواع كثيرة من المواد الغذائية، ومقتل قيادات الدولة في الصراع على كرسي الحكم بسبب التأمر الداخلي والانقلابات (قحطان الشعبي، سالم ربيع، عبد الفتاح إسماعيل) ناهيك عن آلاف القتلى من القيادات العليا والوسطى للدولة الجنوبية ضحايا الطبال والقوارح، وكل هذا حدث في زمن السلم، كما أن قرار زج الجنوب في الوحدة غير المدروسة وغير المستفتى عليها مع الشمال في 22 مايو 1990 كان قرارا حزبيا مغلقا وليس شعبيا، وأعضاء الحزب الحاكم الجنوبي كانوا هم أول ضحايا هذا القرار المتسرع، حيث تم اغتيال 156 كادرا ومسئولا من كوادر الحزب، كما أدخل هذا القرار البلاد والعباد في وحده مع نظام ينافسه في التفرد بالسلطة، نظام متخلف أعادنا إلى القرون الوسطى، وإلى مربع العنف والفوضى وإلى مفهوم احتلال ثاني بعد حرب 1994، عندما تم فرض الوحدة على الجنوبيين بقوة السلاح وثلاثية شكل الاحتلال وهي الحرب، الظلم، ونهب الأرض والثروات، ثلاثية، لم يستطع الجنوبيون تقبلها وتحملها والتكيف معها، أجبرتهم في النهاية على الدخول في مرحلة جديدة من عملية المقاومة من أجل التحرير والاتجاه نحو استقلال ثاني جديد، دفع ثمنه خيرة شباب الجنوب.

اليوم الشعب في الجنوب يقدر ويحترم مواقف الأشقاء والشعوب، التي وقفت معه وساندته وساعدته في التحرر من عصابات الحوثي وعفاش والإخوان، ولكنه يغلي من المحاولات البائسة لطمس مظاهر الاستقلال الثاني، ومن الأوضاع الصعبة ومن أنصاف الحلول ومن الفقر والبطالة والصمت على الفساد، الشعب في الجنوب يغلي، لأنه يرفض فقدان السيادة الوطنية وشكل الاحتلال المغلف أخويا وإنسانيا، أو الوصايا من أي كائن كان، وإن كان بمشاركة بعض المرتزقة من أولئك المتذاكين الجنوبيين المحليين، ممن يخلطون بين مفهوم الاستقامة والعمالة، بين الوطنية والعملة الأجنبية، بين جيش وطني وجيش خُضعي، بين أمن قومي محلي وآخر إقليمي ودولي، وأسوأ الخلط بين من لا يفهم طبيعة الجنوبيين المسالمة، وشراستهم في انتزاع الحق، وخير دليل على ذلك أن الجنوبيين تعاملوا وتعاونوا مع الإنجليز، وعندما أدركوا مفهوم الاحتلال أخرجوهم وأعلنوا الاستقلال، وكذلك الأمر لم يختلف مع نظام التخلف والعنف، الخليط من جماعة عفاش والإخوان والحوثيين وبعض من مرتزقة الجنوب، واليوم هناك من يكرر نفس الأخطاء، وللأسف يتذاكى بالصمت واللعب من وراء الكواليس بأيادي محلية داخلية، مدمنه على المال والسيارات الفارهة والراحة، وتجهل قوانين الطبيعة والوطن الأم.

الجنوب والشمال ضحية قيادات ونُخب محلية فاسدة، ارتبطت ولازالت مرتبطة بأجندات إقليمية ودولية، دمرت الوحدة بسبب عمالتها وأنانيتها، واليوم من يفتكر أن الصمت في الجنوب صفة خوف هذا شخص حالم، بل هو علامة غضب شعبي صامت يتجه نحو الانفجار من الأوضاع السيئة، والمعيب هو وجود أكثرية من المثقفين الجنوبيين الفاسدين إلى حد كبير يتسترون على هذه الأوضاع المزرية، مع أنهم يدركون اليوم، أن المواطن الجنوبي أصبح أكثر وعياً لما يدور حوله، ويدرك بأن هناك من يستعين بقوى إقليمية ضده، أولوياتها أجنداتها ومصالحها وترفض مصالح الشعب الجنوبي، الذي خرج من أجل الحرية والاستقلال للمرة الثانية خلال عقود قصيرة، وأتمنى ألا تدفع هذه القوى الجنوبيين للخروج من أجل استقلال ثالث، بسبب سلوكها الاستعلائي، الذي يشبه إلى حد كبير الاحتلال، فهل تستفيد هذه القوى من دروس تاريخ الجنوب وتقف إلى جانب تطلعات ومطالب شعبه الواضحة، دون أن تلعب بالنار معه، لأنها هي من ستكتوي بها، فالشعب ناضج وصاحي، ويمتلك خبرة وطنية أصيلة وعريقة، وبحاجة إلى أشقاء بحق وحقيقة، وإلى شخوص محلية تتمتع بالوطنية والأمانة والذكاء والمهنية، ممن لديها شرف وضمير وإيديولوجية تحديث تقود الجنوب، المنهك من الحروب والفساد، نحو مستقبل مشرق.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى