التصالح والتسامح الجنوبي وأهمية دعم الحامل السياسي لاستعادة الحق والسيادة

> عبد الله ناجي بن شملان

>
التصالح والتسامح الجنوبي عبّر عن توق المجتمع الجنوبي لحياة الحرية والاستقلال بعد أن أذلته سنوات الهيمنة الشمالية ويلات القهر والإذلال والاستعباد، وجعلت من ماضي الجنوبيين وخلافاتهم السابقة وتأجيجها أسلوبا لتمزيق الجنوبيين وعدم النظر لآفاق حريتهم واستقلالهم.

وحين فاقت مظالم الحاضر نكبات الماضي كانت حركة التصالح والتسامح الجنوبي هي جسر العبور لاستعادة الجنوبيين لثقتهم ببعضهم البعض، وأدركوا أن الشعوب الحية لا يمكنها النظر إلى آفاق المستقبل إلا بتضميد جراحها ودفن ضغائن الماضي المعيقة لحركة وحدة النضال الوطني الجنوبي من أجل الحرية والانعتاق من براثن الاحتلال القبلي المتخلف الذي لازال يحاول زرع أجندة جديدة لتشتيت وحدة الجنوبيين بعد اندحاره مهزوما بنضالات شعب الجنوب ومقاومته البطلة.

 حقق التصالح والتسامح الجنوبي أهدافه الحقيقية، واستعاد الجنوبيون ثقتهم ببعضهم البعض، مستفيدين من أخطاء الماضي، رغم وجود بعض الشوائب، التي تستدعي الماضي والتمترس خلفه، لمن لا يريدون التصالح مع الوطن لأسباب مصالح ذاتية بحتة.

إشكاليات الحامل السياسي
بعد استكمال تحرير الوطن من الاحتلال الشمالي، فإن الضرورة تستدعي أهمية وجود الحامل السياسي للقضية الجنوبية، لتمثيلها في الحوارات والمفاوضات السياسية القادمة.

هذا الهاجس السياسي كان محورا مهما في نضال مختلف المكونات الحراكية الجنوبية، التي كانت تسعى لإيجاد مثل هذا الحامل السياسي، غير أن هذه المساعي لم تحظَ بالنجاح رغم المحاولات المتكررة.. وقد كان من أهم أسباب عدم نجاح تلك المحاولات، هو:
أولا، إن تلك المحاولات أتت في ظل وجود الاحتلال الذي صنع بعض الاختراقات، وصنع بعض الشخصيات أو المكونات التي كانت بمثابة أجندة لتخريب أي توافق جنوبي لإيجاد مثل هذا الحامل.
ثانيا، إن تعدد المكونات بدون أطر وهيئات تنظيمية وهيكلية فعلية مسؤولة أفقدت الحوارات روح المسؤولية.

ثالث، الذاتية التي طغت على بعض القيادات جعلت من نفسها عائقا أمام تكوين مثل هذا الحامل.
رابعا، كثرة المكونات التي لم يكن لبعضها تواجد حقيقي في كامل الساحة الجنوبية، وكانت بعضها عبارة عن أفراد، وبعضها أجندة مصنوعة من قبل بعض أجهزة الدولة أو الأحزاب السياسية وعلى رأسها حزب الإصلاح.

خامسا، حين كان الاحتلال مسيطرا على الارض، وكان هناك جزء من الجنوبيبن في السلطة، فقد تعددت الرؤى السياسية وسقوفها.
سادسا، كان لثورة التغيير في صنعاء أثر في تشتيت وحدة الهدف الجنوبي، والذي كان ولا يزال يصر على إلحاق ثورة الحراك الجنوبي بحراك ثورة الشباب في صنعاء.

تشتت الرؤى السياسية، أفقدت الكثير من المكونات السياسية الاشتراك الفعلي في معركة التحرير 2015م، مما نتج عن ذلك ضعف في إدارة المقاومة الجنوبية أثناء الحرب وما بعدها، غير أن هناك ثابتا لا يمكن إغفاله وهو أن المقاومة الجنوبية واستبسالها وصمودها قد صنعته العقيدة الثورية والتحريضية التي صنعتها مكونات الحراك الثوري، والذي ساعد فعلا على اندفاع الشباب واستبسالهم في معارك التحرير في عدن وغيرها من محافظات الجنوب.

سابعا، إن موقف الشرعية المعادي للحراك قد دفع بتحفظات التحالف عن دعم قوى الحراك وأي قوى تنتمي إليه أو تؤيده، رغم ان هناك الألوية شكلت ورفض تسليحها.
ما بعد عملية تحرير عدن كان هناك سعي لأجندة بقايا نظام صنعاء وحزب الاصلاح خصوصا بالعمل على إغراق العاصمة عدن بعناصر القاعدة، وشهدت شوارع عدن الشالات السوداء وشعارات القاعدة، وعمليات الاغتيالات لقيادات أمنية وقيادات مقاومة وتوصلت إلى اغتيال محافظ محافظة عدن اللواء جعفر محمد سعد.

لم يكن أمام الرئيس عبدربه منصور والأجهزة الأمنية في عدن غير استدعاء المناضلين الثائرين عيدروس الزبيدي وشلال علي شائع وتكليفهما بمحاربة الإرهاب والقاعدة في عدن، وفعلا تمكنا من القضاء على القاعدة في عدن ولحج وأبين وشبوة وحضرموت بعد تضحيات جسيمة كبيرة جدا، حين كانت تباد بعض النقاط الأمنية بالعشرات جراء العمليات الإرهابية..

لم تكن السلطة في ظل تواجد الشرعية كأجنحة لازالت لمشاريع الاحتلال مطلبا لهما ولا لكل الحركة الثورية، ولكنه كان مطلبا من أن لا تتحول المدن المحررة إلى كونتونات لأمراء القاعدة والإرهاب، لتعود لتذبح الحرية والأحرار، وتصبح الجنوب إمارات إسلاميه كما كان يخطط لها علي عبد الله صالح وعلي محسن وحزب الإصلاح وكل من كانت له مصالح في الجنوب، ويريدون تحويل نصر الجنوبيين إلى هزيمة ثانية داخل أرضهم المحررة.

تكوين الحامل السياسي
دعا المناضل عيدروس الزبيدي إلى ضرورة تشكيل الحامل السياسي في 10 سبتمبر وهو لازال محافظا لمحافظة عدن، وليس كما يقول البعض إنه بعد أن عزل من السلطة عمل على الدعوة لتشكيل الحامل السياسي الجنوبي.

بعد إعلانه هذا والذي قوبل بتأييد معظم المكونات الثورية وتأييد واسع من قبل الشعب عمل على تكوين اللجنة التنظيمية التنسيقية لإعداد الوثائق الأساسية للمجلس الانتقالي الحنوبي، والتي كانت في الأساس مستوعبة لمعظم الوثائق التنظيمية والرؤى السياسية لمعظم مكونات الحراك الثوري الجنوبي المؤمنة بحرية واستقلال الجنوب.

بعد استكمال الوثائق الأساسية للمجلس والرؤية السياسية لتصورات دولة الجنوب الاتحادية القادمة تم الاستدعاء لمليونية ٤ مايو 2017م والتي تم فيها الإعلان عن المجلس الانتقالي الجنوبي وتحديد مهامه النضالية القادمة وسط تأييد شعبي منقطع النظر، والتي فيها فوض المناضل الزبيدي بتشكيل رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي.

وعلى ضوء هذا التفويض تم في 11 مايو 2017م الإعلان عن رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة الرئيس عيدروس قاسم الزبيدي.

بعد التشكيل وبخطوات حثيثة تم تأسيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي لتستوعب كل الخارطة السياسية والوطنية للجنوب على قاعدة التساوي وفقا لقاعدة المساحة والسكان.. وبعدها تم تأسيس المجالس المحلية للانتقالي في المحافظات والمديريات، لم تكن حينها أي أصوات رفعت لتعارض التفويض الشعبي، رغم أنها قد توجد بعض التحفظات وليست المعارضة على المجلس أساسا، وتركز بعضها حول عدم استيعاب الكثير من المناضلين في المجلس، وهذا صحيح أنه ليس هناك إمكانية لاستيعاب الجميع في المجلس، لكونه لا يمكن فعلا استيعاب آلاف المناضلين في الهيئات، ولكنه ليس بسبب الإقصاء، وقد تكون هناك بعض النواقص فعلا ولكنه في الأساس كيف يتم أولا تشكيل البنى التنظيمية والمؤسسية للمجلس وهي الغاية الأساسية لتشكيل الحامل السياسي الجنوبي في ظرف سباق مع الزمن وظرف مؤامرة على القضية الجنوبية برمتها.

دون شك، إن تشكيل سياسي لا يمكن له الكمال، ولكن من يضفي الكمال على هذا الكيان هو الشعور بالمسؤولية عند المناضلين الذين كان همهم ولا يزال تشكيل الحامل السياسي بغض النظر عن مواقهم فيه وهم كثر ومن أصلب وأشرف وأقدم المناضلين.
نعم في الفترة الأخيره بدأ بعض الأفراد بالتفكير في إنشاء مكونات، بغض النظر عن حجمها وإمكانياتها، وهذا حق مشروع لها بغض النظر عما تحمله من أهداف لها أو معبر عنها.

غير أن الأهم من ذلك أن المجلس الانتقالي قد عبر عن نيته الحقيقية في الحوار مع أي قوى جنوبية تريد الحوار على قاعدة الهدف المشترك لشعبنا والمعبر عنه بإرادته الشعبية حرية واستقلال الجنوب وبناء الدولة الاتحادية الجنوبية، دولة النظام والقانون والعدالة الاجتماعية.

ليس هناك إجبار أو اشتراط للانضمام إلى المجلس، فالهدف هو كيف يصل المناضلون الجنوبيون إلى وحدة هدفهم بالانضمام إلى المجلس الانتقالي الجنوبي أو التوافق على الأهداف العامة لتمثيل الجنوبيين بصوت واحد.. وقد بدأ المجلس فعلا بهذه الحوارات مع الأحزاب الجنوبية المنشأ وعدد من المكونات والشخصيات والتي شكلت لها لجانا خاصة لهذا الغرض.

قضية الجنوب ليس هناك خلاف للحوار حولها مع كل من تعنيه هذه القضية وإرادة الشعب وأهدافه. والأهم من ذلك أن لا تكن هناك أهداف للنيل من المجلس الذي غدا إنجازا شعبيا وسياسيا يفترض تقييمه وتعزيزه لا لخلق معوقات لتشتيت التمثيل السياسي التي تعمل عليه بعض القوى الداخلية والخارجية بكل وضوح، وخاصة مع قرب المحادثات لإنهاء الأزمة والحرب.

 إن المسؤولية الوطنية تتحتم على من بالمجلس وخارجه العمل على وحدة الصف والهدف الجنوبي، وكل جنوبي له موقعه في الجنوب الذي سرتيعنا جميعا بغض النظر عن ماضي أي منا أفرادا أو جماعات. وإن أي تفكير بالعودة لتأسيس حامل سياسي من درجة الصفر سيساعد على الهدم وليس البناء. وإن أي تفكير لرهن قضية شعبنا وإرادته بمصالح أفراد أو جماعات لا يتوافق أبدا مع مبادئ الحوار وإرادة الشعب. فلنبنِ على ما تأسس ونساعد في تقييمه وتقويمه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى