اتفاق البريكست: طلاق معقد بعد 46 سنة من زواج بلا حب

> بروكسل/لندن «الأيام» أ ف ب

>  طوى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة صفحة تاريخية من علاقاتهما أمس الأحد، عبر إبرام اتفاق انفصال يُفترض أن ينهي علاقات مضطربة استمرت أكثر من أربعين عاما.
وأكدت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أمس بعد القمة أن اتفاق خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي «هو الوحيد الممكن»، في تصريحات تتقاطع مع ما سبق أن أعلنه رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر.

وصرح يونكر بعد المصادقة على الاتفاق «إنه افضل اتفاق ممكن، إنه الاتفاق الوحيد الممكن».
من جهتها، صرّحت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أن «رؤية المملكة المتحدة تخرج من الاتحاد الأوروبي بعد 45 عاماً هو أمر مأساوي».

ووصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اللحظة بأنها «حرجة»، معتبراً أن «هذا يبيّن أن الاتحاد الأوروبي يعاني ضعفا».
غير أن ميركل أشادت بتوصل المفاوضين إلى اتفاق نتج بحسب قولها من «عمل دبلوماسي خلاق»، بعد 17 شهراً من مفاوضات صعبة وأكثر من عامين على استفتاء بريكست.

وشدد رئيسا وزراء إيرلندا وهولندا على أنه «لن يكون هناك خطة بديلة».
وقال يونكر في وقت سابق أمس الأحد «إنه يوم حزين. خروج بريطانيا أو أي دولة أخرى من الاتحاد الأوروبي لا يدعو للابتهاج ولا للاحتفال، إنها لحظة حزينة، إنها مأساة».
ويُفترض أن تمرّ «معاهدة الانسحاب» غير المسبوقة المؤلفة من 585 صفحة، باختبار مصادقة البرلمان الأوروبي وخصوصاً البرلمان البريطاني قبل أن تدخل حيّز التنفيذ، وهو أمر غير مؤكد من الجانب البريطاني.

 أفضل اتفاق
وأعلنت الدول الـ27 التي التفت حول كبير مفاوضيها في ملف بريكست ميشال بارنييه أثناء فترة المفاوضات في وجه البريطانيين الذين كانوا منقسمين حول الأهداف التي يريدون تحقيقها، أن هذا الاتفاق هو الأفضل الذي كان يمكن أن تحصل عليه المملكة المتحدة.
وقالت ماي «إذا كان الناس يعتقدون أنه يمكن إجراء مزيد من المفاوضات، فالأمر ليس على هذا النحو. إنه الاتفاق المطروح، إنه أفضل اتفاق ممكن، إنه الوحيد الممكن».

وصرّح يونكر أمام الصحافة «أولئك الذين يعتقدون أنه عبر رفضهم لهذا الاتفاق، سيحصلون على أفضل منه، سيخيب أملهم»، مؤكداً أنه «أفضل اتفاق ممكن». وقال «أدعو جميع من سيصادقون على هذا الاتفاق في مجلس العموم الى أخذ هذه الحقيقة في الاعتبار».
وكُتب في «الإعلان السياسي» القصير الذي صادق عليه أيضاً أمس المجلس الأوروبي وتيريزا ماي وسيتمّ ضمّه إلى معاهدة الانفصال، أن الاتحاد الأوروبي سيعمل على إرساء «أقرب علاقة ممكنة» مع لندن بعد بريكست.
وقال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك «هناك أمر واحد مؤكد، سنبقى أصدقاء إلى الأبد».

وكانت ماي أكدت في «رسالة إلى الأمة» أمس أنه «اتفاق من أجل مستقبل أفضل يسمح لنا بانتهاز الفرص التي تنتظرنا».
وصرح رئيس الوزراء الهولندي مارك روتي «أعتقد أن تيريزا ماي بذلت جهودا كبيرة من أجل اتفاق جيد وبالنسبة للاتحاد الأوروبي إنها نتيجة مقبولة» منبها بدوره الى أن المملكة المتحدة يجب ألا تأمل بالحصول على أفضل من الاتفاق المطروح.

 قبل انتهاء الفترة الانتقالية
إلى ذلك، شدد قادة الدول الاوروبية في إعلان ملحق بما توصلت إليه قمتهم الاستثنائية أمس، على ضرورة إبرام اتفاق مع بريطانيا حول الصيد البحري «حتى قبل انتهاء الفترة الانتقالية» التي تلي خروجها من الاتحاد.

وكتب القادة في هذا النص الذي أضيف بناء على إلحاح دول مثل فرنسا وهولندا، أن «اتفاقا حول الصيد البحري هو مسألة اولوية، ويتعين أن يستند الى أمور منها مبادئ الوصول المتبادل والحصص المعمول بها»، معربين عن اسفهم للتقاعس في تسوية هذا الملف في اتفاق بريكست.

وتصدعت الوحدة التي ظهرت من الجانب الأوروبي في الأيام الأخيرة عندما هددت اسبانيا بالتسبب بإلغاء القمة إذا لم تحصل على ضمانات مكتوبة حول مصير جبل طارق. وبعد مفاوضات شاقة، أكد رئيس الوزراء الاسباني بيدرو سانشيز بعد ظهر السبت أنه تمت تلبية طلبه.
وبين الوثائق الملحقة بالاتفاق رسائل من ممثل بريطانيا في المجلس الأوروبي ومن رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر ومن رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إلى رئيس الوزراء الاسباني بيدرو سانشيز.

وتتضمن هذه الرسائل تأكيدات لاسبانيا بشأن دورها في المفاوضات حول العلاقة المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي وجبل طارق بعدما كاد خلاف حولها يطيح بالقمة الأوروبية.

وقال مصدر حكومي اسباني الأحد إن الدولة «الوحيدة التي تملك مفتاح (العلاقات المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي وجبل طارق) هي اسبانيا». وأضاف أنه «انتصار كبير».
ويتضمن الإعلان قضايا أخرى تتعهد فيها الدول الـ27 التزام «الحذر» حيال لندن في تطبيق الاتفاقات المتعلقة بها، مثل «المنافسة النزيهة» في المجال الاقتصادي.

ويحل اتفاق الانسحاب خصوصا قضية الفاتورة التي يفترض أن تدفعها لندن للاتحاد الأوروبي بدون أرقام، وينص على حل مثير للجدل لتجنب العودة إلى حدود فعلية بين جمهورية إيرلندا ومقاطعة إيرلندا الشمالية البريطانية.

ويمهد الإتفاق الذي توصلت إليه بريطانيا والاتحاد الأوروبي الأحد الطريق لإنهاء زواج استمر نحو 46 عاما بين الطرفين، وقام على الحذر المتبادل بدلا من الأحلام المشتركة.
وقالت بوليت شنابر استاذة التاريخ البريطاني المعاصر في جامعة السوربون في باريس «لقد كانت علاقة نفعية منذ 1973 وكان التركيز دائما على البعد الاقتصادي وليس السياسي».
واضافت «كان البعد العاطفي شبه منعدم».

وعارضت بريطانيا الإنضمام في البداية إلى المشروع الأوروبي عندما ظهر بعد الحرب العالمية الثانية.
وقال أناند مينون استاذ السياسة الأوروبية في جامعة كينغز كوليدج في لندن «لم نشعر بأننا على درجة من الضعف تجعلنا ننضم» إلى المشروع.

وبدلاً من ذلك فضلت بريطانيا التركيز على علاقاتها الخاصة بالولايات المتحدة وما تبقى من إمبراطوريتها.

ومع ذلك فقد دعمت لندن المساعي للتكامل في القارة الأوروبية، ودعا رئيس وزراء بريطانيا وقت الحرب العالمية الثانية ونستون تشرتشل إلى إنشاء «الولايات المتحدة الأوروبية» في كلمة القاها في زيوريخ عام 1946.
ولكن في مطلع الستينات تدهورت الأوضاع في بريطانيا، وبدأ نموها الاقتصادي في التراجع عن اقتصادي فرنسا وألمانيا، مما جعل خيار الإنضمام إلى السوق الأوروبية الموحدة أكثر جاذبية.

«أريد استعادة أموالي»
قال تيم اوليفر المحاضر في جامعة لافبورو في لندن «أدرك زعماء بريطانيا في الستينات أن بلادهم لا يمكنها أن تكون خارج المنظمة الأوروبية الغربية الرائدة للاقتصاد والسياسة والشؤون الأمنية غير التقليدية».
وأضاف «كان على بريطانيا أن تكون متواجدة داخلها لتسهم في تشكيلها».

لكن الإنضمام إلى المشروع الأوروبي لم يكن أمراً سهلاً.
واعترض رئيس فرنسا في ذلك الوقت شارل ديغول عام 1961 على أول طلب لبريطانيا للإنضمام، ورأى أنها «حصان طروادة» للولايات المتحدة، مشككا في روح بريطانيا الأوروبية.
وتلا ذلك اعتراض فرنسي آخر في 1967، ولم يتم الترحيب ببريطانيا في السوق الأوروبية المشتركة سوى في الأول يناير 1973.

ولكن ولسوء حظ بريطانيا، فقد اندلعت أول أزمة نفطية في العام نفسه، ولم يتحقق النمو الإقتصادي المنشود.
ومع ذلك فقد صوت 67 % من البريطانيين لصالح البقاء في السوق الأوروبية المشتركة في استفتاء جرى في عام 1975.

ولكن هذه النتيجة لم تهدئ من التشكك في جدوى الإنضمام إلى المشروع الأوروبي، حيث تردد السياسيون من جميع الأطياف في الدفاع عن المشروع، ولم يطل الوقت حتى اندلعت أول أزمة بهذا الشأن.  فقد رفضت لندن في 1979 المشاركة في النظام النقدي الأوروبي ودافعت عن سيادتها الوطنية والمالية.

وبعد ذلك أطلقت بريطانيا مبادرات ترسخ وحدتها السياسية مما زاد من الانتقادات بأن لبريطانيا قدم داخل المشروع الأوروبي والآخر خارجه.  ورفضت بريطانيا عام 1985 المشاركة في اتفاق شنغن للتنقل الحر، وفي 1993 رفضت الإنضمام إلى اليورو.
وقد أوضحت رئيسة الوزراء السابقة مارغريت تاتشر موقف بريطانيا المناهض للفدرالية في كلمة ألقتها عام 1988 في كلية أوروبا في مدينة بروج.
ورفضت تاتشر في هذه الكلمة فكرة «الدولة الأوروبية العليا التي تمارس هيمنة جديدة من بروكسل».

حرية «وهمية»
ومع تعمق الوحدة السياسية الأوروبية في التسعينات، تسارع رفض بريطانيا لبروكسل، ما قاد إلى تأسيس حزب «استقلال بريطانيا» الذي دعا إلى خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي.
وأدى نجاح الحزب خاصة في انتخابات البرلمان الأوروبي في 2014 عندما تصدر الانتخابات، بالحكومة التي يقودها المحافظون إلى تشديد خطابهم.

وزادت أزمة منطقة اليورو والهجرة الواسعة النطاق من الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا وأزمة اللاجئين في السنوات القليلة الماضية من الاستياء، ما دفع رئيس الوزراء ديفيد كاميرون إلى الدعوة إلى اجراء استفتاء حول البقاء في الاتحاد الأوروبي في يونيو 2016.
وبالنسبة لمؤيدي البريكست، فإن التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي سيعني أن بريطانيا «ستستعيد التحكم» أخيرا في حدودها وفي القانون والوضع المالي.

وقال باسكال يوانين المدير التنفيذي لمؤسسة روبرت شومان التي تحمل اسم سياسي فرنسي يعتبر واحدا من «الآباء المؤسسين» للاتحاد الأوروبي «لقد كان البريطانيون يتمتعون بوضع أشبه بالحلم منذ دخولهم الاتحاد، ولكن كانت لهم اعتراضات على عدد من الأمور».  وأضاف «ولكنهم الآن سيكونون خارج مؤسسات الاتحاد ولن يكون لهم صوت، وعليهم في الوقت ذاته الالتزام بعدد من القوانين الأوروبية».

بعد المصادقة على اتفاق الخروج من الاتحاد الاوروبي والاعلان السياسي حول مستقبل العلاقة بين الاتحاد والمملكة المتحدة، كسبت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي معركة، ولكن ليس الحرب. فلا تزال أمامها معركة اقرار الوثيقتين في البرلمان البريطاني حيث ترتسم ملامح مقاومة.
في ما يأتي القوى الممثلة في مجلس العموم الذي يضم 650 عضوا.

المؤيدون
«المخلصون» لماي :يتوقع ان تؤيد غالبية النواب المحافظين (315 عضوا) خطة رئيسة الوزراء. وهم من البراغماتيين ويضمون في صفوفهم مؤيدين لبريكست او مناهضين معتدلين لاوروبا يرون الخطر الاكبر في الخروج من الاتحاد بدون اتفاق.
لكن بعض أعضاء حكومة ماي لا يزالون يبدون شكوكا جدية. وبين هؤلاء وزير البيئة وأحد صناع فوز الخروج من الاتحاد مايكل غوف.

الليبرالي الديموقراطي :يصنف الحزب الليبرالي الديموقراطي بين القوى المناهضة لاوروبا لكن أحد نوابه ال 12 ستيفان لويد قطع مع خط الحزب وتعهد الدفاع عن الاتفاق الذي توصلت اليه ماي.
كما أعلنت النائب العمالية كارولين فلينت التي انتخبت في دائرة أيدت بريكست، أنها ستصوت مع الاتفاق لتفادي خطر خروج بلا اتفاق.

المعارضون
مجموعة البحوث الاوروبية: يعارض هذا التحالف من النواب المحافظين المناهضين لاوروبا بشدة الاتفاق. وهو مكون من 60 الى 85 نائبا ويرأس التحالف جاكوب ريس-موغ ويضم الوزيرين السابقين بوريس جونسون وديفيد ديفيس.
يؤيد هؤلاء اتفاق تبادل حر وفق النموذج الكندي وحتى خروجا بدون اتفاق مع الاتحاد الاوروبي.

وحاول هذا التحالف الاطاحة بتيريزا ماي لكنه لم ينجح حتى الان في جمع 48 رسالة من نواب محافظين للتمكن من تنظيم تصويت على الثقة بحكومة ماي.
حزب العمال: معظم نواب حزب العمال الـ257 مؤيدون لأوروبا ويعارضون بحسب خط القيادة، الاتفاق الذي توصلت اليه ماي وذلك بهدف فرض انتخابات او حتى استفتاء جديد.

لكن زعيم الحزب جيريمي كوربن غير متحمس لفكرة تنظيم استفتاء جديد.
الحزب القومي الاسكتلندي: يشكل نواب الحزب القومي الاستكتلندي ثالث أكبر كتلة في مجلس العموم بعد حزب المحافظين الحاكم وحزب العمال المعارض. وهم يؤيدون بقوة الاتحاد الاوروبي وضد اتفاق بريكست.
ويريد الحزب ان تبقى المملكة المتحدة، أو على الاقل اسكتلندا، ضمن السوق المشتركة والاتحاد الجمركي الاوروبي.

واذا لم يحدث ذلك فقد تعهدت زعيمة الحزب ورئيسة الحكومة الاسكتلندية نيكولا ستورجن تنظيم استفتاء جديد على استقلال اسكتلندا.
الحزب الوحدوي الايرلندي: يؤيد الحزب الوحدوي الايرلندي الشمالي (محافظ متشدد) الذي يمنح نوابه العشرة لتيريزا ماي أغلبيتها الصغيرة في البرلمان، بريكست ويعارض مشروع الاتفاق مع الاتحاد الاوروبي معتبرا أنه يهدد الوحدة الاقتصادية والسياسية للمملكة المتحدة.

والسبب هو الحل الذي أطلق عليه «شبكة الامان» لتفادي حدود برية فعلية بين جمهورية ايرلندا الشمالية (العضو في الاتحاد الاوروبي) ومقاطعة ايرلندا الشمالية البريطانية، ويعني ذلك ان تبقى المقاطعة الايرلندية البريطانية تابعة للقواعد الأوروبية ما يمنحها وضعا خاصا.

وكان هذا الحزب وجه تحذيرا هذا الاسبوع لماي عبر امتناعه عن التصويت على العديد من التعديلات على مشروع قانون المالية.
المحافظون المؤيدون لاوروبا:كان 12 نائبا محافظا قد شنوا حملة ضد بريكست في استفتاء 23 يونيو 2016 واستمروا معارضين لنتيجة الاستفتاء، وهم يدافعون عن اجراء استفتاء ثان.  وأكدوا معارضتهم الاتفاق الذي توصلت اليه ماي. وبين هؤلاء الوزيران السابقان جاستن غرينينغ وجو جونسون والنائبان آنا سوبري ودومينيك غريفي.

المترددون 
العماليون المؤيدون لبريكست:هناك مجموعة صغيرة من نواب حزب العمال تدافع عن بريكست ضد موقف الحزب. ويمكن أن يؤيدوا الاتفاق في البرلمان الا اذا فضلوا دعم خروج من الاتحاد الاوروبي بدون اتفاق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى