الغارات الأمريكية تعتمد على «التخمين» وقتلت أكثر من ألف يمني منذ 2002

> عمر أحمد

>
كشفت أستاذة علوم سياسية في «كلية هنتر» في «جامعة سيتي» في نيويورك، جيليان شويدلر، عن أنه ومنذ أن بدأت الولايات المتحدة في استخدام الطائرات بدون طيار في اليمن العام 2002، لقتل الأفراد المرتبطين بـ«تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية» والمنظمات التي سبقتها، «قتل أكثر من ألف يمني، وعشرات الأطفال، خلال أكثر من 200 غارة نفذتها، كما أنها تسببت بمقتل عدد من المواطنين الأمريكيين، واحداً منهم كان هدفاً متعمداً».

ولفتت شويدلر، في مقال تحليلي أورده معهد «بروكنغز»، إلى أنه «وعلى الرغم من أن البرنامج، قد لقي إدانات واسعة من منظمات حقوق الإنسان وبعض هيئات الأمم المتحدة، فإنه لا يزال قائما، لأن إداراتي جورج دبليو بوش وباراك أوباما تعتبرانه نجاحاً، كما صرح كلاهما علنا»، مبينة أنه «غالباً ما يتخذ نقد البرنامج، شكل مناقشات حول النظام القانوني ذا الصلة بالحكم على استخدام الدولة لعمليات القتل المستهدف، والتي يطلق عليها النقاد، الإعدام خارج نطاق القضاء، أو ببساطة الاغتيالات».

وتساءلت شويدلر عما «إذا كان قادة القاعدة في جزيرة العرب يقتلون بالفعل؟»، بل وأكثر من ذلك، ما «إذا كانت وفياتهم قد عطلت بشكل كبير أنشطة الجماعة في اليمن، أو قدرتها على متابعة أهدافها خارج اليمن؟»، معتبرةً في إجابتها على تلك التساؤلات «أن النجاح في إخراج قيادات القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والأعداد الذين تم الإبلاغ عنهم رسمياً على أنهم من القتلى، أمر مشكوك فيه ومبالغ بشكل كبير، لكون الإدارة الأمريكية تعتبر جميع الذكور البالغين في المناطق المجاورة للهجمات من المقاتلين وليس من المدنيين، ما لم يكن من الممكن إقامة تسوية وضعهم المدني في وقت لاحق».

 سيادة مهدرة ومسؤلون فاسدون
ونوهت شويدلر إلى أن «التحقيقات الكاملة ليست صائبة دائماً، ولا براغماتية بالنسبة للحكومة الأمريكية، خاصة وأن اليمن هي موقع لحرب مدنية وإقليمية»، مشيرة إلى أن الأمر الأكثر إزعاجاً، هو أنه «في بعض الأحيان قد لا تكون الولايات المتحدة، متأكدة من أهدافها الأساسية، وكثيراً ما تستخدم لغة شرطية، بحيث يبدو أن هناك قدرا أكبر من التخمين حول هويات الأشخاص المستهدفين».

وأوضحت شويدلر، أن الأثر المزدوج لتسارع الولايات المتحدة في ضربات الطائرات بدون طيار منذ العام 2010 واستمرار استخدامها خلال الفترة الانتقالية، كان الهدف منه «عدم الدخول في حكم أكثر خضوعاً للمحاسبة، بعد أن أظهر القادة اليمنيين على الدوام، تنازلاً عن سيادة وأمن مواطنيهم للولايات المتحدة».

وبيّنت شويدلر، أن السيادة الضعيفة للدولة اليمنية «تُعامل على أنها المشكلة التي سمحت للقاعدة في شبه الجزيرة العربية بالتوسع»، مؤكدةً في ذات الخصوص أنه «وعلى من تقويض سيادة الدولة بشكل مباشر من قبل السياسة الأمريكية، في عهد الرئيس علي عبد الله صالح، وخلال الفترة الانتقالية، فإن الأمن لأمريكي دائماً ما يوضع فوق الأمن اليمني، حيث يوافق القادة اليمنيون الفاسدون على الهجمات، لكونها لا تحدث أي فرق في الرأي العام».

ونوهت في ذات السياق إلى أن «التدخل السعودي الذي بدأ بالضربات الجوية في مارس من العام 2015، وتصاعده إلى تدخل القوات البرية، هو فقط أحدث وأشد فظاعة لجهود المملكة للتأثير على السياسة اليمنية، بعد أن دأبت على التدخل وبشكل محدود في هذا البلد منذ سقوط النظام الملكي المتوكلي في أواخر الستينيات»، مشيرةً إلى أن تلك الخلفية «ضرورية لفهم لماذا كان اليمن دولة فاشلة، وأن انتهاك سيادته من قبل اللاعبين الخارجيين يرجع إلى عقود مضت».

وأشارت شويدلر، إلى أن التدخل الأمريكي المباشر في اليمن «قد تم إثباته بشكل أكبر بالدعم المادي والاستخباراتي الأمريكي للحملة العسكرية التي تقودها السعودية، حيث تنتشر على نطاق واسع صور للقنابل العنقودية الأمريكية الصنع، في الوقت الذي مازالت تواصل فيه الطائرات الأمريكية بدون طيار حملتها المتمثلة في الاغتيال المستهدف».

نتائج عكسية
وذهبت شويدلر إلى القول: «يعتقد المرء أن الهجمات السعودية لن تساعد القاعدة، ولكن الحقيقة هي أنها تعمل عكس ذلك، بدليل أن القوات السعودية أو الخليجية لم تستهدف على الإطلاق الأماكن التي كانت تحت سيطرة تنظيم القاعدة، كميناء المكلا في حضرموت»، مبينةً في هذا الشأن أن «التداخلات المتعددة بين تركيز القوات السعودية على هزيمة الحوثيين وإعادة هادي إلى السلطة، وتولي الولايات المتحدة مهمة استهداف عناصر القاعدة، تخلق بيئة مناسبة لتنظيم القاعدة ليستأنف نشاطه بطرق لم يسبق له مثيل من قبل».

وكشفت شويدلر، عن أن استخدام الولايات المتحدة للطائرات بدون طيار لقتل قادة تنظيم القاعدة في اليمن «تم تحديده بشكل عكسي، لكونه يعطي صدا لمزاعم التنظيم، ويقدم الدليل على أن مزاعم القاعدة واستراتيجياتها مبررة، وأن اليمنيين لا يمكنهم الاعتماد على الدولة لحمايتهم من التهديدات الأجنبية والمحلية».

ورأت شويدلر، أن ضربات الطائرات بدون طيار «ليست فقط هي من تجعل تجنيد القاعدة أمراً أكثر سهولة، ولكن أيضاً لتوسع المساحة الاجتماعية التي يعمل فيها التنظيم تعد أحد العوامل الهامة في ذلك»، مؤكدةً على أن أمريكا «لا تحتاج إلى كسب قلوب وعقول اليمنيين لخدمة بعض مشاريعها الكبرى في المنطقة، وإنما تحتاج إلى التوقف عن إتباع سياسات من شأنها أن تثير غضب وإغراء اليمنيين الذين قد يكونون محايدين».

كما أكدت شويدلر، على أهمية رؤية الصورة الأكبر، وهي الصورة التي يخبرها بها الأصدقاء اليمنيون منذ زمن طويل عن تزايد معاداة الولايات المتحدة، حيث كان هناك سابقا القليل جدا منها، ما يعني أن الرأي العام تجاه أمريكا بوضوح خلال العقد الماضي، مشيرة في ختام تحليلها إلى أن الولايات «ستحتاج إلى وقت طويل لعكس تلك الآراء».

 التمهيد للعملية السياسية لا يقل أهمية
وفي سياق آخر لفت «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية» (مؤسسة بحثية)، إلى أن «العديد من المراقبين، وبعد الإطاحة بالحوثيين من المدن الرئيسية كمأرب وعدن في العام الأول من القتال، توقعوا أن تنتهي الحرب الدائرة في غضون أسابيع، لكن ما حدث هو أن تباطأت حملة التحالف بشكل كبير، ولم تحقق سوى مكاسب في المناطق الريفية».

وأشار «المجلس الأوروبي» إلى أنه ووفقاً لبعض الدبلوماسيين الغربيين، فإن «دعوات إلى وقف إطلاق النار من قبل وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس ووزير الخارجية الأمريكي مايكل بومبو، عجلت في اندلاع القتال مؤخراً، حيث أدى ذلك إلى تعقيد الدبلوماسية التي تقودها الأمم المتحدة في اليمن، كما رأينا في تأجيل محادثات السلام في ستوكهولم التي كان من المقرر أن تعقد في أواخر نوفمبر».

وأكد «المجلس الأوروبي» أنه «وعلى من الرغم من اقترب المقاتلين المدعومين من التحالف من تطويق مدينة الحديدة ، واتخاذهم مواقعاً في الجنوب الغربي، فإن ذلك لا يعني أن مثل هذه المعركة ستكون سريعة أو حتميّة»، مشدّداً في ذات الخصوص على أهمية «أن يبذل المجتمع الدولي كل ما في وسعه لحماية المدنيين اليمنيين وأن يدفع بقوة لحماية المدنيين والحفاظ على فتح ميناء الحديدة، مع إدانة انتهاكات المحاربين للقانون الدولي الإنساني».

ولفت إلى أن الجهود التي تبذلها الدول الأوروبية لحماية الحديدة من المزيد من القتال «جديرة بالثناء، ويجب أن تستمر، مع ضرورة توقع إمكانية نشوب معركة موسعة في المدينة برغم من جهود تحقيق الاستقرار، والدعوات لخفض التصعيد والتوتر في المحافظة».

ونوه «المجلس الأوروبي» إلى أن «الرغبة في العودة إلى المسار السياسي أمر مفهوم»، ولكنه شدد على أن الفترة التمهيدية للعملية السياسية «لا تقل أهمية عن المشاورات نفسها، لتجنب حدوث انهيار جديد للعملية كما حدث في جنيف قبل أشهر»، مبيناً أنه «ومع تزايد العنف يدفع الحوثيين وخصومهم إلى تبني خطاب قاسٍ على نحو متزايد، فإن عمل المجتمع الدولي الشاق في تأسيس قنوات خلفية وإجراءات لبناء الثقة بين الجانبين يزداد أهمية».

وختم «المجلس الأوروبي» تقريره موضحاً أنه «وفي ضوء توافق الولايات المتحدة الأخير مع موقف أوروبا القديم بشأن الصراع، فإنه توجد الآن فرصة للخطوات الأولية على الطريق الطويل نحو السلام»، ولكنه شدد في مقابل ذلك على أن الأمل «سيكون ضئيلاً من دون رغبة المقاتلين على الأرض».
عن (العربي)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى