محادثات سقفها لا يتجاوز «الطموح» وآمال وقف الحرب تبدو مستحيلة

>
 يعمل المبعوث الأممي «مارتن جريفيثس» جاهداً من أجل تحقيق نجاحه الأول في ملف السلام اليمني منذ تعيينه في فبراير 2018م. وتمثل مشاورات ديسمبر 2018م، وحضور الحكومة المعترف بها دولياً وجماعة الحوثي إلى «استوكهولم» نجاحاً، بعد الفشل الأول لجهوده حين رفض الحوثيون حضور مشاورات جنيف التي كانت مقررة مطلع سبتمبر 2018م.

يأتي تحرك جريفيثس محمولاً برغبة دولية لوقف الحرب في اليمن، وإنهاء ما وصفته الأمم المتحدة «بأكبر أزمة إنسانية من صنع الإنسان شهدها العالم في العصر الحديث».
بدأت الحرب في اليمن بشكل فعلي «عندما قام الحوثيون - وهم جماعة مسلحة متمردة مدعومة من إيران - بتفجير الأوضاع في دماج بصعدة، ثم السيطرة على محافظة عمران - شمال صنعاء -، وقِتال وحدات من الجيش اليمني يقودها قائد اللواء 310، اللواء حميد القشيبي، والتي انتهت بمقتله، وسيطرة الحوثيين على مدينة عمران في يوليو 2014م، ثمّ بعدها انتقل الحوثيون إلى صنعاء من أجل السيطرة عليها، وتم ذلك بتسهيل من قوات موالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح في سبتمبر 2014م..

كانت اليمن قد انتهت من مسودة الدستور الجديد الذي تم إقراره في مؤتمر الحوار الوطني، ورفض الحوثيون شكل الدولة اليمنية الجديدة المكونة من ستة أقاليم، إذ لم يتضمن إقليم آزال الذي يتواجدون فيه منفذاً بحرياً.

فرض الحوثيون الحصار على منزل الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، ووضعه تحت الإقامة الجبرية، وقاموا بحل البرلمان، وشكلوا لجنة ثورية عليا لإدارة البلاد، بدلاً من الحكومة والرئاسة، وقد تمكن الرئيس هادي من الخروج إلى عدن (جنوبي البلاد)، وطلب من الإقليم التدخل لاستعادة السلطة، وهو ما أعلنته السعودية بعد ذلك لقيادة تحالف عربي في مارس 2015م دعماً للرئيس هادي وسلطته ضد الانقلاب الذي قاده الحوثيون والرئيس السابق علي عبد الله صالح.

ومنذ بدء العمليات العسكرية للتحالف العربي لمساندة شرعية الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، رعت الأمم المتحدة ثلاث جولات من المشاورات، كانت اثنتان منها في سويسرا، وثالثة استمرت أكثر من تسعين يوما في الكويت، ومنذ أغسطس 2016م فشلت جهود الأمم المتحدة من أجل إحياء جولة جديدة للمشاورات. ومارتن جريفيثس هو المبعوث الثالث للأمم المتحدة حيث تم تعيين جمال بنعمر (المغربي)، للإشراف على المبادرة الخليجية بعد ثورة 2011م، أعقبه إسماعيل ولد الشيخ (الموريتاني)، الذي انتهت فترته في فبراير 2018م، وحلَّ جريفيثس (البريطاني) بديلاً عنه.

جهود جريفيثس قبل المشاورات
يعتمد جريفيثس وهو بريطاني الجنسية، في جهوده على ارتباطه بالأطراف اليمنية منذ عام 2017م، عندما كان يقود جهوداً خلفية لصالح الاتحاد الأوروبي، بصفته رئيساً لمعهد السلام التابع للاتحاد، وشكل مجموعات عمل من كل الأطراف من باحثين وسياسيين وشخصيات اجتماعية لتكوين رؤية لما هو قادم عليه، واستند على ذلك في تحركاته، لكنه اصطدم في سبتمبر 2018م بأول عقبة في طريقه برفض الحوثيين الحضور إلى جنيف.

حصل «جريفيثس» على دعم المجتمع الدولي بريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، ودول أخرى من أجل بدء المشاورات، واستغل جريفيثس الضغط الدولي بشأن مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في الضغط على المملكة العربية السعودية من أجل تحقيق تقدم في الرؤية التي يقترحها من أجل السلام.

بعد لقاءات بـ «جريفيثس» في أكتوبر 2018م دعا كل من  وزير الخارجية الأمريكي ،مايك بومبيو، ووزير الدفاع الأمريكي ،جيمس ماتيس، إلى إنهاء القتال، وأعربا عن دعمهما العلني لمحادثات السلام التي اقترحتها الأمم المتحدة.
وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هانت، أيضا تحرك في جولات مكوكية، من أجل دعم خطط جريفيثس في اليمن، شملت أبوظبي والرياض وطهران، والأخيرة هي الداعم الرئيسي لجماعة الحوثي المسلحة.

تحدث بومبيو وماتيس في لقاءات وبيانات منفصلة عن سُبل وقف الحرب في اليمن، وتصور بلادهما لحل الأزمة، وإيقاف الحرب أبرز نقاطها:
- يوقف الحوثيون إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة على السعودية والإمارات، بعد ذلك سيكون على التحالف وقف الغارات الجوية التي تستهدف الحوثيين في المناطق السكنية.

- عمل منطقة حدودية منزوعة السلاح بين اليمن والسعودية.
- سحب الأسلحة الكبيرة، مثل الصواريخ الباليستية من اليمن «قال ماتيس: لن يغزو أحد اليمن».

- منطقة حكم ذاتي للحوثيين في شمال اليمن «من أجل أن يتأزروا ويتركوا إيران، ويكون صوتهم مسموعاً».
وخلال العامين الماضيين، لم تقل إدارة ترامب الكثير عن الصراع في اليمن، تاركة حلفاءها السعوديين ليأخذوا زمام المبادرة. لكن تصريحات «ماتيس وبومبيو» تظهر أن الولايات المتحدة تتدخل الآن بطريقة لم تحدث من قبل، على الرغم من دفاعهما الدائم عن حق السعودية في حماية حدودها، وقتال الحوثيين ضمن مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.

الضغط المتزايد من الكونجرس الأمريكي قبل وبعد الانتخابات النصفية، وفوز الديمقراطيين «بأغلبية» في مجلس الشيوخ، يجعل إدارة ترامب تبحث عن كيفية تخفيف ذلك الضغط خاصة بشأن مقتل الصحفي «جمال خاشقجي»، مع تجنب اتخاذ موقف صدامي مع السعودية، وهذه الفرصة تراها من خلال إحداث تقدم في ملف السلام المتعلق في اليمن.

مثل القرار الأمريكي وقرار التحالف العربي بوقف الولايات المتحدة تزويد طائرات التحالف بالوقود في الجو، محاولة لتخفيف الاحتقان في الكونجرس ضد إدارة ترامب، لكنه قد يزيد الأخطاء لطائرات التحالف في الغارات الجوية، وإفلات أهداف يتم مراقبتها من أجل العودة للتزود بالوقود، إلا إذا كان التحالف يملك فعلاً أسطولا لتزويد طائراته في الجو.

على الرغم من ذلك لن تتخلى «واشنطن»، عن دعم السعودية والعمليات العسكرية وبذل الجهد كقوة دولية داعمة للتحالف العربي. يظهر ذلك في وقت لاحق حين أوقفت واشنطن مشروع قرار بريطاني في مجلس الأمن يدعو لوقف إطلاق النار في مدينة وميناء الحديدة.
تمثل معركة الحديدة، غربي البلاد، حيث يوجد ميناء حيوي مسؤول عن إدخال 70 % من احتياجات اليمنيين الغذائية، الحدث الأبرز الذي كان سيمثل إطاحة بجدول المشاورات في ديسمبر بالسويد، واشترط «جريفيثس» وقف معركة الحديدة من أجل البدء بالمشاورات، وقد يكون ذلك سبباً لتأجيل المشاورات من نوفمبر إلى الشهر التالي.

أعلن الحوثيون في نوفمبر عن وقف إطلاق الصواريخ الباليستية وطائرات دون طيار على السعودية والإمارات، بعد انتهاء زيارة قام بها «هانت» إلى الرياض، والتقى خلالها ولي العهد السعودي. وعرض «هانت» رؤية المجتمع الدولي وبريطانيا لوقف الحرب، وهو ما أغضب الأمير محمد بن سلمان حسب ما أفادت سي إن إن.

لم يوقف التحالف العربي غاراته على مواقع الحوثيين، ويسعى جريفيثس إلى إقناع التحالف بالامتناع عن توجيه ضربات جوية مقابل التزام الحوثيين بوقف إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة. ويعمل المبعوث على بناء الثقة من الجانبين من خلال خطوات مثل تبادل الأسرى، وهو يقود محادثات سياسية تتناول الترتيبات الانتقالية وسط تهديدات متزايدة بفصل جنوب البلاد عن شماله.

تبدو استراتيجية «جريفيثس» التي تقوم خطوة تتبعها خطوة، معقولة، لكن المشكلة أن الأمر سيستغرق وقتا طويلا. ففي اليمن تدور حرب كارثية، ويواجه حوالي نصف السكان مجاعة محتملة، ما يعني أن هذا ليس وقت التشاحن، لكن استراتيجية موائمة بين منتصرين أو لا منتصر، توضح أن التشاحن هو بالضبط ما ستنتجه عملية جريفيثس. ويرجع ذلك جزئيا إلى أن أي من المتحاربين يمكن أن يجعل المفاوضات رهينة لمطالب غير معقولة. ومحاولات التفاوض على وقف إطلاق النار يمكن أن تتشابك بسهولة مع رؤية من يملك القيادة الانتقالية، فالقيام بالجانب السياسي قبل الجانب الأمني والعسكري، يعني أن الحرب القادمة ستحتاج أشهراً من المفاوضات قبل أن تتجدد بشكل أكثر عنفاً.

المشاورات في استوكهولم
ولأول مرة منذ عامين، حضر وفدا الطرفين إلى السويد، وبدأت المشاورات يوم الخميس السادس من ديسمبر، في قلعة هادئة تبعد عن «استوكهولم» 60 كم. كل وفد يتكون من 12 شخصاً، يرأس وفد الحكومة المعترف بها دولياً وزير الخارجية، خالد اليماني، ويرأس وفد الحوثيين المتحدث باسم الجماعة المسلحة، محمد عبدالسلام.

 أُعلن في اليوم الأول عن توقيع اتفاق للإفراج عن الأسرى والمعتقلين من الطرفين، تقول الصليب الأحمر إن العدد يصل إلى 5000 أسير ومعتقل، وستشارك فيه اللجنة.
أيضا هناك تقدم في ملف الأسرى والمعتقلين، وهو ما يعني أن هناك تقدماً في إجراءات بناء الثقة التي يجري النقاش حولها في هذه المشاورات، لكن ذلك مقروناً أيضاً بالتقدم في المجالات الأخرى.

لن تكون هناك مشاورات مباشرة، وسيتنقل مكتب المبعوث الأممي بين الوفدين ضمن ستة ملفات رئيسية: الملف السياسي والأمني والعسكري، وملف ميناء ومدينة الحديدة، ملف مطار صنعاء، ملف الأسرى والمعتقلين، ملف توحيد البنك المركزي ودفع الرواتب (الملف الاقتصادي)، ملف الهدنة ووقف إطلاق النار.

الأمني أم السياسي ؟
معضلة أيهما أولاً: الأمني أم السياسي، تبدو واضحة في المشاورات وكل المشاورات السابقة، حيث ترى الحكومة الشرعية الالتزام بالمرجعيات الثلاث «المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن أهمها القرار 2216»، وقد كان الحوثيون في مشاورات جنيف1 (2015م) قد وافقوا تحت ضغط أممي على الاعتراف بالقرار الأممي 2216، والذي يطلب من الحوثيين الانسحاب من المدن، وتسليم السلاح الذي تم نهبه من مخازن الجيش اليمني للحكومة اليمنية.

لم يعترف الحوثيون بالمبادرة الخليجية التي أوصلت الرئيس عبدربه منصور هادي إلى السلطة (2011 - 2012م)، رغم أنهم شاركوا في مؤتمر الحوار الوطني (2013 - 2014م) ضمن كل المكونات اليمنية الأخرى، وهو ضمن آلية الانتقال التي نصت عليها المبادرة، لكن في النهاية انقلبوا على مخرجاته.

في المشاورات الحالية يرفض الحوثيون الاعتراف بالمرجعيات الثلاث، ويريدون قرارا جديدا من مجلس الأمن يستوعب التطورات الجديدة، يعني استمرار سيطرتهم على المدن، ويضمن بقاء الأسلحة في أيديهم، ويرفضون الاعتراف بضرورة عودة السلطة الشرعية للبلاد.

تدور هذه المعضلة الرئيسية في إطار من الاختلاف الحاد الذي قد يُفشل أي تقدم في الملفات الأخرى المتبقية، إذ أن الحوثيين يشترطون سلطة انتقالية جديدة لا تتضمن الرئيس: «هادي انتهى» -حسب تعبير أحد أعضاء وفدهم. وتكون لهذه السلطة الانتقالية التي يقترح الحوثيون أن تكون بين عامين وثلاثة أعوام القدرة على استلام السلاح من جميع الأطراف، يقصد حتى سلاح الحكومة نفسها أو الجيش الوطني، وتمثل مشكلة الميليشيات التي تعمل خارج ِِالحكومة والمدعومة من بعض أطراف التحالف العربي مبرراً للحوثيين، كما أن ضعف سيطرة الحكومة الشرعية على المناطق الخاضعة لإدارتها مبرراً آخر للجماعة في محاولة فرض رؤيتهم على الحكومة والدول العشر الراعية، والتي يتواجد سفراؤها ضمن جهود خلفية للضغط على الأطراف في السويد.

لكن ذلك يعود للسبب الرئيسي للوصول إلى هذه النقطة، وهو انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية في اليمن، واحتلال المؤسسات، وبناء سلطات موازية لسلطة الدولة منذ 2014م. وبدون حل هذه المعضلة بدون بقاء رمز للشرعية والانتخابات في البلاد ممثلة بانتخاب هادي رئيساً، فإن البلاد ستدخل في دورة جديدة من العنف والخلافات التي لا نهاية لها.

ميناء الحديدة
تنجرف المدينة والميناء إلى حرب دموية يتوقع أن تكون الأوسع والأكثر تدميراً، وقد توقفت المعارك مطلع نوفمبر 2018م، بسبب ضغط كبير من المجتمع الدولي على التحالف.
يعي التحالف خطورة خوض معركة برية في شوارع وأزقة المدينة، فالعملية العسكرية المخطط لها كي تستمر 4 أسابيع قد تستمر أشهر عديدة، فلا يمكن التنبؤ بدرجة الاستعداد ولا بطريقة حرب العصابات في المدن التي قد تتحول إلى استنزاف طويل، فالحوثيون يحاولون أن يكون جهدهم منصب على عدم فقدان الميناء، وبالتالي يعتبرونها معركة مصيرية. بعكس الحكومة الشرعية التي من المفترض أن ترى في معركة «صنعاء» وتحريرها من الحوثيين معركة مصيرية يمكن من خلالها إعلان الانتصار على الجماعة تعود من خلاله لممارسة سلطتها من عاصمة البلاد الأصلية.

تجنباً لذلك تدفع الأمم المتحدة نحو اتفاق في ميناء الحديدة، يرى الحوثيون أن إشرافاً أممياً على الميناء ووارداته مقبولا، لكن الحكومة قد تقبل بشأن إشراف الأمم المتحدة على الميناء شريطة أن تكون بنفس الكادر الذي عمل في الميناء قبل (سبتمبر 2014م)، وتسليم الإيرادات للبنك المركزي اليمني في عدن، إلا أنها ترى وجود الحوثيين في المدينة أمراً لا يمكن السماح به، وتطلب تسليم المدينة وبقية الموانئ للحكومة الشرعية. الولايات المتحدة والأمم المتحدة تعتقدان أن تسليم الميناء والمدينة لطرف محايد هو الأسلم.

لكن خارطة طريق تسربت أثناء المشاورات تبحث عن قبول الطرفين تشير إلى ضرورة إيقاف أي تصعيد عسكري، وانسحاب كل الوحدات العسكرية والميلشيات المسلحة من المدينة وموانيء الحديدة والصليف ورأس عيسى، على أن يسلم الأمن لخفر السواحل وأمن المنشئات، وتسلم إدارة الميناء للجمارك، وكلها من المعينين قبل 2014م، ونشر مراقبين أمميين، وتسلم المدينة للأمن المحلي وموظفي الخدمة المدنية والمنتخبين في السلطة المحلية سابقا، لتسيير شؤون الحياة، فيما تسلم الإيرادات لفروع البنك المركزي في الحديدة بغرض تسليم رواتب موظفي الدولة، إضافة إلى تسليم خرائط الألغام في المدينة وموانئ الحديدية والصليف ورأس عيسى.

وإذا كانت مثل هذه الخارطة لم تنجح في نزع فتيل الحرب وتطبيع الأوضاع في الحديدة ، فإن تشكيل إدارة جديدة وطرف ثالث -كما كانت تنص مبادرة لولد الشيخ- تحتاج إلى وقت طويل تبعاً للآليات البيروقراطية في أجهزة الأمم المتحدة، ومن الصعب الحصول على فريق جاهز في غضون أسابيع، ما يعني إشعال توتر قد يثير الحرب من جديد، والوقت ليس في صالح «جريفيثس»، وخطط الخطوة تتلوها خطوة أخرى.

مطار صنعاء الدولي
توقف مطار صنعاء في أغسطس 2016م إلا من رحلات نادرة للأمم المتحدة، ذهب الحوثيون إلى مشاورات السويد طالبين فتحاً كاملاً للمطار، وعودته كما كان قبل مارس 2015م. بالمقابل ترى الحكومة اليمنية أنه بالإمكان رفع الحظر الجوي عن المطار لكن شريطة أن يتم تفتيش الطائرات في مطاري عدن وسيئون، وأن يتحول المطار إلى مطار داخلي.

 يرفض الحوثيون هذا المقترح ويتمسكون بمطلبهم. خلال الفترة بين مارس 2015م وأغسطس 2016م، كانت الطائرات التي تقلع وتعود إلى مطار صنعاء تخضع للتفتيش في مطار بيشة السعودي.

وضع البنك المركزي
يقف البنك المركزي عاجزاً عن مواجهة الانقسام الحاصل، وعاجزاً عن مواجهة مسؤولياته، حتى أن الوديعة السعودية المقدرة ملياري دولار لم توضع في أرصدة البنك بل في حساب للبنك المركزي اليمني في البنك الأهلي السعودي.
 لم يتسلم موظفو الحكومة في مناطق سيطرة الحوثيين رواتبهم منذ أكثر من عامين؛ وتصرف رواتب مناطق الحكومة الشرعية بشكل دوري، تقول الحكومة: إن الحوثيين لا يسلمون الإيرادات للبنك المركزي في عدن وعليهم تحمل التبعات.

وضعت الأمم المتحدة البنك المركزي في أجندة المشاورات من أجل معالجة الانقسام الحاصل، لدفع رواتب الموظفين، وحتى تجد هيئة يمكنها تسلم إيرادات ميناء الحديدة وتسليمها لموظفي الحكومة. هناك 1.2 مليون موظف لم يستلموا مرتباتهم، وهي كارثة أخرى تضاف إلى الكارثة الإنسانية، كما أن انهيار العملة اليمنية بفعل انقسام البنك والمضاربة التي تبدو في جزء منها فِعلاً سياسياً وحربياً، يفرض على المتحاورين إيجاد حل لهذه الأزمة. ومع ذلك فإن الاتفاق السياسي مرتبط بكل ذلك.

ملف الأسرى والمعتقلين والإغاثة
يبدو هذا الملف الأكثر تحركاً، فعلاوة على كونه ملفاً إنسانياً مهماً، إلا أنه سيخضع أيضاً للاتفاق السياسي لاحقاً. حقق الطرفان تقدماً في الاتفاق على «الإفراج عن الأسرى والمعتقلين» لدى الطرفين «الكل مقابل الكل». وفي التاسع من ديسمبر، سلّم وفد الحوثيين قوائم بأسماء أسرائه، لكن الوفد الحكومي طلب مهلة للحصول على الأسماء من جبهات القتال.

سيبذل الطرفان جهوداً لتحقيق نجاح في هذا الملف، من أجل تطمين اليمنيين أنهم بدأوا في الالتئام والخروج من دائرة الحرب إلى الاتفاق.
في هذا الملف سيتحدث الطرفان عن انتشال الجثث من مواقع القتال، وتشكيل لجان تحت إشراف الصليب الأحمر.

 مستقبل المشاورات
لا يمكن التعويل على المشاورات الحالية في إيجاد نهاية للحرب أو إيقافها، فمن المقرر أن تنتهي المشاورات يوم 14 ديسمبر (اليوم)، وستكون هناك جولة جديدة في يناير في دولة أخرى ربما تكون الكويت.

قد يحقق الطرفان اتفاقاً بشان مطار صنعاء إذا قبل الحوثيون بالتفتيش في المطارات اليمنية، كما إن إحداث تقدم في ملف الأسرى والمعتقلين مصلحة مشتركة للطرفين، لكن إحداث تقدم في ميناء الحديدة والبنك المركزي سيكون صعباً، ومع التزام الحكومة بتسليم رواتب الموظفين في صنعاء ووقف انهيار الريال كما حدث في نوفمبر، فإن الحوثيين سيخسرون جانبا من سيطرتهم الاقتصادية. أما بالنسبة لمعضلة أيهما أولاً: السياسي أم الأمني، فلا يبدو أن الطرفين سيتمكنان من إحداث تقدم.

في حال انتهت المشاورات دون اقتناع الحوثيين بعودة الشرعية كسلطة انتقالية يشاركون فيها وتقديم الأمني على السياسي، قد يعاود التحالف في دعم الشرعية، وخوض حرب السيطرة على ميناء الحديدة، وإن كان ذلك مكلفا، وقد تحصل ضغوط دولية لمنع حدوث مثل هذا الأمر لتبعاته الإنسانية، لكن ستبقى معركة الحديدة جبهة استنزاف على طول 70 كم، وقد يبدأ التحرك العسكري الفعلي في منطقة «نهم» شرقي صنعاء باتجاه مديرية أرحب، خلال الفترة بين ديسمبر2018م، ويناير2019م.

إذن يمكن للأمم المتحدة والرعاة الغربيين وجماعة الحوثي والحكومة الشرعية أن يتحدثوا عن طموحات بشأن المشاورات لكن الحديث عن أمل في وقف الحرب يبدو مستحيلاً، فطريق السلام في البلاد مايزال طويلاً وصعبا، وهناك أطراف عدة دخلت على الحرب لم تكن موجودة في مارس 2015م.

خلاصة:
ليس أمام المتحاورين في السويد إلا الوصول إلى اتفاق يوقف الحرب ويعيد مؤسسات الدولة، ويجعل السلاح حق حصري للجيش الذي سيتشكل تحت إشراف محلي وإقليمي ودولي، بحيث تكون نواته الجيش الوطني التابع للرئيس الشرعي، وبدون تحقيق ذلك ستظل البلاد في دورات عنف متجددة حتى لو حدث اتفاق شكلي بضغوط خارجية.

استعادة مؤسسات الدولة أولاً، وبناء المؤسسات التي تعرَّضت للهدم هو ما يكفل عودة وطن آمن مستقر، بنظام الدولة الجمهورية ووفقاً لما اتفق عليه اليمنيون في مخرجات الحوار الوطني، ضمن مرحلة انتقالية قصيرة تضمن التصويت على مسودة الدستور وتنتخب المؤسسات التمثيلية المعبرة عن الشعب من جديد، فكلما طالت المرحلة الانتقالية زادت الخلافات على المحاصصة.

وما لم يحصل الاتفاق أو انتصار طرف على طرف، فإننا أمام حرب طويلة تؤسس لفوضى في اليمن سرعان ما تخترق جدار الأمن الاقليمي، وتهدد أمن دول الخليج بالذات، وتضع ممرات التجارة الدولية في قلب تلك الفوضى.
عن: مركز أبعاد للدراسات والبحوث​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى