لماذا تسعى السعودية لتأسيس كيان البحر الأحمر؟

> إحسان الفقيه

>
تتنافس قوى إقليمية ودولية على تأسيس نفوذ لها في البحر الأحمر لضمان مصالحها في منطقة تخلو من كيانات أو مؤسسات إقليمية تنظم العلاقات والتعاون بين البلدان المعنية.
تمر من البحر الأحمر وامتداده إلى خليج عدن عبر مضيق باب المندب نسبة عالية من التجارة العالمية؛ شكّل هذا عامل جذب للقوى الإقليمية والدولية للتواجد في المنطقة بتأسيس قواعد عسكرية في دول الشاطئ الإفريقي المعروفة بهشاشة قدراتها الأمنية ونزاعاتها الداخلية وفشلها في مواجهة التهديدات الأمنية للتجارة العالمية.

استكمالا لما دار في اجتماعات القاهرة يومي 11 و12 ديسمبر 2017 بين وزراء خارجية سبع دول عربية وإفريقية متشاطئة على ساحلي البحر الأحمر الشرقي والغربي وعلى خليج عدن؛ استضافت العاصمة السعودية، الرياض، اجتماعا «تشاوريا» هو الأول يوم 12 ديسمبر 2018 لوزراء خارجية تلك الدول، عدا إريتريا التي شاركت في اجتماعات القاهرة وغابت عن اجتماعات الرياض، بينما حضرت الصومال التي غابت عن اجتماعات القاهرة.

تم الاتفاق في اجتماعات الرياض على «أهمية إنشاء كيان يضم الدول العربية والأفريقية المتشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن يستهدف التنسيق والتعاون بينها ودراسة السبل الكفيلة بتحقيق ذلك في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية والأمنية».
يسعى الكيان المنتظر، «أرسقا»، استكمال المشاورات حول إنشائه في القاهرة لاحقا، «لتحقيق مصالحها المشتركة وتعزيز الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي».

ووفقا لتقارير إعلامية، يتجاوز الناتج الإجمالي للدول السبع المشاركة في الكيان الجديد، «أرسقا»، ترليونا ومائة مليار دولار، بينما يبلغ عدد سكانها أكثر من 232 مليون نسمة.
وقبل عدة أسابيع توسطت الإمارات والسعودية في توقيع اتفاق سلام بين إثيوبيا وإريتريا التي تقع إلى الشمال قليلا عن مضيق باب المندب على الساحل الغربي للبحر الأحمر.

يتشكل الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر من السعودية واليمن، وعلى الشاطئ الغربي كل من مصر والسودان وجيبوتي والصومال وإريتريا؛ أما الشاطئ الشمالي من خليج عدن فتنفرد اليمن به، في حين تتشارك جيبوتي والصومال بشاطئه الجنوبي. ويطل الأردن من خلال خليج العقبة، شمالا، على البحر الأحمر.

الممرات والمضائق البحرية بمسافاتها الضيقة تشكل أهمية أمنية للدول المعنية بالتجارة العالمية عبر خليج عدن والبحر الأحمر الذي تقع قناة السويس أقصى شماله، وتشكل منفذا رئيسيا لحركة التجارة بين آسيا وأوروبا.
في عملية ترسيم الحدود بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، حالت الحدود المرسومة لليمن وسلطنة عمان، دون وصول السعودية إلى خليج عدن وبحر العرب ومن ثم المحيط الهندي.

يعتمد الاقتصاد السعودي في معظمه على تصدير النفط الذي جعل من الوصول إلى ممرات الشحن البحرية أمرا بالغ الأهمية للمملكة، والتي تصدر النسبة الأكبر من منتجاتها النفطية المستخرجة من المنطقة الشرقية على الخليج العربي، عبر مضيق هرمز بين سلطنة عمان وإيران التي طالما هددت بإغلاق المضيق أمام حركة السفن.

لدى السعودية مصلحة إستراتيجية في الحفاظ على أمن البحر الأحمر وحمايته بما يمكنها من الوصول الآمن جنوبا إلى خليج عدن والمحيط الهندي عبر مضيق باب المندب، وشمالا إلى البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس، حيث قد يتوجب على السعودية نقل مخزوناتها النفطية من شرق المملكة على الخليج إلى غربها، على البحر الأحمر، لتفادي التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز.

لم تبد مصر استجابة قوية لدعم التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، واكتفت بتسيير دوريات بحرية في البحر الأحمر، كما أن مصر لم تبد ما يكفي من الرغبة في الانخراط الكامل ب»تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي» (الناتو العربي) الذي ترعى الولايات المتحدة فكرة ولادته لمواجهة التهديدات الإيرانية، وتوفير قوة ردع دفاعية في المنطقة بمشاركة دول مجلس التعاون الست وكل من الأردن ومصر. غير أن القاهرة لا تتبنى في استراتيجياتها المواجهة المباشرة مع إيران، سواء في منطقة الخليج، أو في سوريا واليمن.

في المقابل، قد تجد مصر رغبة أكبر في المشاركة بالكيان الجديد الذي سيكون تحالفا إقليميا في منطقة ضمن المجال الحيوي للأمن القومي المصري، ترعاه بشكل ما الولايات المتحدة، وليس موجها ضد إيران بشكل مباشر، إنما لحماية أمن الممرات البحرية وهو هدف استراتيجي مصري، ولأيضا للتنسيق الاقتصادي بين الدول السبع، وهو ما يشكل حاجة مصرية اقتصادية.

وتتمتع مصر بموقع جغرافي هو الأكثر أهمية بين الدول في الكيان الجديد، لأنها تشكل جسرا يربط بين شمال البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس، في مقابل اليمن وجيبوتي والصومال التي تقع على جانبي مضيق باب المندب، والذي يربط بين خليج عدن والبحر الأحمر من جهته الجنوبية.
تشكل منطقة البحر الأحمر وخليج عدن أهمية إستراتيجية، اقتصادية وأمنية متداخلة يصعب الفصل بينهما، لكل من مصر والسعودية والسودان وإسرائيل، إلى جانب القوى الإقليمية مثل تركيا وإيران والقوى الدولية البعيدة جغرافيا مثل الولايات المتحدة والصين.
تتوزع على الساحل الغربي للبحر الأحمر وخليج عدن مجموعة من الدول الضعيفة نسبيا بسبب النزاعات الداخلية وقلة الموارد والفقر وعوامل أخرى ساهمت في إضعاف الحكومات المركزية في تلك الدول لصالح جماعات قبلية مسلحة أو تنظيمات مسلحة، وهي عوامل ساهمت في لجوء معظم الحكومات لقبول تواجد عسكري أجنبي ونفوذ اقتصادي على أراضيها مقابل تأمين الحماية ومساعدات اقتصادية وعسكرية.

الموقع الجغرافي للبحر الأحمر على طرق التجارة البحرية الدولية خلق تنافسا إقليميا ودوليا لتأسيس نفوذ عسكري أو اقتصادي في بعض الدول على الساحل الغربي للبحر الأحمر في منطقة القرن الإفريقي، مثل إيران والسعودية ودولة الإمارات والولايات المتحدة والصين وغيرها.
وجاء التدخل الإيراني في اليمن عبر جماعة الحوثي التي تسيطر على ميناء الحديدة شمال مضيق باب المندب، ليهدد بشكل جدي، بالنسبة للسعودية بشكل خاص، طريق الوصول إلى خليج عدن وبحر العرب؛ وظل ميناء الحديدة، على الساحل اليمني، خاضعا لسيطرة جماعة الحوثي بعد سيطرة قوات الحكومة اليمنية على الشريط الساحلي الغربي لليمن، الممتد من المهرة إلى ميناء المخا.

ترى الرياض أن إيران تحاول حرمانها من الوصول إلى البحر الأحمر كطريق شحن احتياطي لمنتجاتها النفطية، في حال أقدمت إيران على إغلاق مضيق هرمز في الخليج، وذلك من خلال احتمال قيامها بتوجيه جماعة الحوثي الحليفة لها بإغلاق مضيق باب المندب لفرض حصار بحري كامل على السعودية سواء عبر الخليج أو عبر البحر الأحمر.

عبر مضيق باب المندب في جنوب البحر الأحمر وقناة السويس في شماله، تمر مئات مليارات الدولارات سنويا من عائدات الصادرات الصينية إلى أوروبا، وسيكون لإغلاق أي من الممرين البحريين تكاليف مضاعفة على شحن البضائع الصينية التي يتوجب عليها المرور حول رأس الرجاء الصالح، أقصى جنوب القارة الإفريقية، إلى المحيط الهادئ، ثم شمالا إلى أوروبا.

بالإضافة إلى السعودية، من المرتقب أن يضم «كيان الدول المتشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن» كلا من مصر وجيبوتي والصومال والسودان واليمن والأردن، فيما لم تحضر إريتريا التي شهدت اجتماعات القاهرة نهاية العام الماضي، وهي إحدى الدول المطلة على البحر الأحمر.
على الرغم من أن إثيوبيا ليست من الدول المتشاطئة على البحر الأحمر أو خليج عدن، إلا أن الكيان المنتظر تشكيله، من المحتمل أن يضمها مستقبلا إلى جانب دول عربية وإفريقية أخرى.

من المرجح أن تكون مواجهة «الكيان الجديد» للتهديدات الإيرانية «المفترضة» على قائمة الأولويات السعودية في منطقة القرن الإفريقي.
وتحاول الدبلوماسية السعودية جذب دول تحتفظ بعلاقات وثيقة مع إيران، مثل الصومال وجيبوتي والسودان، إلى الكيان الجديد عبر تقديم مساعدات اقتصادية واستثمارات لهذه الدول الفقيرة، ضمن هذا الكيان، بما يدفع للتاثير سلبا على علاقاتها مع إيران.
 عن (الأناضول)

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى