قصة قصيدة: يوم بؤس ويوم نعمة !

> محمد حسين الدباء

> بمناسبة العام الميلادي الجديد 2019، والذي نسأل الله أن يكون عام نعمة، سنتناول في عمودنا هذا قصة (يوم البؤس ويوم النعمة) التي كان ضحيتهما الشاعر عبيد بن الأبرص، والذي يعد واحدا من فحول الشعراء في الجاهلية، وهو من بني أسد.
وقد بدأت نهاية هذا الشاعر على يد الملك المنذر بن ماء السماء؛ فهذا الملك كان له يومان يوم بؤس ويوم نعمة، وقيل أن سبب اليومين أنه كان له نديمان من بني أسد، أحدهما خالد بن المضلِّل والآخر عمرو بن مسعود بن كَلَدة، فأغضباه في بعض المنطق، فأمر بأن يحفر لكلّ منها حفيرة بظهر الحيرة ثمّ يجعلا في تابوتين ويدفنا في الحفرتين، ففُعل بهما ذلك، حتى إذا أصبح سأل عنهما فأُخبر بهلاكهما، فندم على ذلك وغمّه، ثم ركب حتى نظر إليهما فأمر ببناء الغَرِيّين فبنيا عليهما، وجعل لنفسه يومين في السنة يجلس فيهما عند الغريّين أحدهما يوم السعد والآخر يوم التعس، فأوّل من يطلع عليه في يوم نعيمه (يوم السعد) يعطيه مائة من الإبل شؤماً، أي سوداً، وأول من يطلع عليه يوم بؤسه (يوم التعس) يعطيه رأس ظَرِبان أسود، ثم يأمر به فيذبح ويغرّى بدمه الغريّان.

فلبث بذلك برهة من دهره.. وفي يوم أقبل عبيد بن الأبرص فكان أوّل من أشرف على المنذر في يوم بؤسه فقال: هلاّ كان الذّبحُ لغيرك، يا عبيد.
فقال: أتتك بحائن رجلاه.

فقال المنذر: أو أجلٌ بلغ أناه، ثم قال له: أنشدني فقد كان شعرك يعجبني.
فقال حال الجريض دون القريض.
فقال أحد ندماء المنذر: ما أشدّ جزعك من الموت يا عبيد!
فقال: لا يرحلُ رحلك من ليس معك.

فقال له المنذر: قد أمللتني فأرحني قبل أن آمر بك!
فقال عبيد: من عزّ بزّ.
فقال المنذر: أنشدني قولك: «أقفر من أهله ملحوب».

فقال عبيد:
«أقفر من أهله عبيدُ
فليس يُبدي ولا يُعيدُ
عنّت عنّةٌ نَكودُ
وحان منه لها وُرودُ»

فقال له المنذر: يا عبيد! ويحك أنشدني قبل أن أذبحك.
فقال عبيد:
«واللهِ إن متُّ لما ضرّني
وإن أعِش ما عشتُ في واحدة»

فقال المنذر: إنّه لا بدّ من الموت، ولو أن النعمان - أي ابنه - عرض لي في يوم بؤس لذبحته، فاختر إن شئت الأكحل، وإن شئت الأبجل، وإن شئت الوريد.
فقال عبيد: وإن كنتَ لا محالة قاتلي، فاسقني الخمر حتى إذا ماتت مفاصلي وذَهِلت ذواهلي فشأنك وما تريد.
فأمر المنذر بحاجته من الخمر، حتى إذا أخذت منه وطابت نفسه دعا به المنذر ليقتله، فلما مثل بين يديه أنشأ يقول:

«وخيّرني ذو البؤس في يوم بؤسه
خَصالاً أرى في كلّها الموتَ قد برَق
كما خُيّرتْ عادٌ من الدّهر مرّةً

سحائبَ ما فيها لذي خِيرةٍ أنَقْ
سحائب ريحٍ لم تُوكَّل ببلدةٍ
فتتركها إلاّ كما ليلةِ الطّلَقْ»

فأمر به المنذر ففصد، فلما مات غذي بدمه الغريّان.. وقد يضرب المثل بيوم عبيد، عند العرب، لليوم المشؤوم الطالع.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى