الاتفاق لم يُبنَ على نوايا حسنة ولا رغبة في تنفيذه إلى نهايته

> «الأيام» عن «الأناضول»

>
 مرّ أكثر من شهر على توقيع اتفاق ستوكهولم بين الحكومة اليمنية وجماعة «أنصار الله» (الحوثيين)، دون إحراز أي تقدم حقيقي على الأرض، وسط اتهامات متبادلة بالمسؤولية عن عرقلة تنفيذ اتفاق يرى مراقبون أن ولادته كانت «قيصرية» تحت ضغوط في واشطن والرياض وأبوظبي.

برعاية الأمم المتحدة، توصل الطرفان، في العاصمة السويدية، يوم 13 ديسمبر الماضي، إلى اتفاق بشأن معالجة الوضع في محافظة الحديدة الساحلية الاستراتيجية (غرب)، وتبادل قوائم الأسرى والمعتقلين (أكثر من 15 ألفا)، فضلا عن اتفاقهما على خفض التصعيد في محافظة تعز (جنوب غرب).

لكن وزير الخارجية اليمني، رئيس الوفد الحكومي المفاوض، خالد اليماني، أعلن، في تصريح تلفزيوني الإثنين الماضي، أن الاتفاق لم يحقق أي شيء، فيما يرى الحوثيون أن الحكومة هي من تضع العراقيل أمام تنفيذه.
اليماني حمّل الحوثيين المسؤولية عن عرقلة تنفيذ الاتفاق، وقال إن البعثات اليمنية والسعودية والإماراتية في الأمم المتحدة ستبعث تقريرا مفصلا إلى كل من الأمين العام للمنظمة، أنطونيو جوتيريش، ومجلس الأمن، حول «انتهاكات وخروقات» الحوثيين.

موقف اليماني جاء بعد يوم من تغريدة للمتحدث باسم جماعة الحوثي، رئيس وفدها المفاوض، محمد عبد السلام، حمّل فيها الجنرال باتريك كومارت، رئيس الفريق الأممي لمراقبة وقف إطلاق النار في الحديدة، مسؤولية عدم إحراز تقدم في المحافظة.

ووجه عبد السلام إلى المسؤول الأممي اتهاما بـ«الخروج عن مسار الاتفاق، بتنفيذ أجندة أخرى».
وبين هؤلاء وهؤلاء، يرى متابعون للشأن اليمني أن الشق الإنساني من الاتفاق - المتعلق بإيصال المساعدات الدولية للداخل اليمني ومفاوضات تبادل الأسرى - هي التي تحقق تقدما، ولو نسبيا، فيما يسيطر الجمود على الشق السياسي من الاتفاق.

وتمثل محافظة الحديدة على البحر الأحمر الملف الأبرز في اتفاق ستوكهولم، ويسيطر عليها، منذ عام 2014، الحوثيون، المتهمون بتلقي دعم من إيران.

عراقيل حوثية
على الجانب الحكومي، قال العميد عسكر زعيل، عضو وفد الحكومة في مشاورات ستوكهولم، إن «الاتفاق بشأن الحديدة واضح في فقراته ومضمونه، ويقضي بأن يبدأ الحوثيون بإعادة الانتشار الكامل من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى إلى مناطق متفق عليها خارج الحديدة كمرحلة أولى، وتسليمها إلى قوات أمن الموانئ المحلية التابعة لوزارة الداخلية، بدعم وتنسيق فني من الأمم المتحدة لتشغيل الموانئ».

وأضاف زعيل، في تصريح للأناضول: «على الحوثيين، وفقا للاتفاق، تنفيذ هذه المرحلة قبل المرحلة الثانية، وهي إعادة الانتشار من الجانب الحكومي والحوثيين إلى خارج المدينة جنوبا وشمالا على التوالي».
وأوضح أن «التاريخ المحدد لذلك كان الثامن من يناير، وقد مر هو وتاريخ الإضافي في 15 من الشهر ذاته».

وشدد على أن «تنفيذ هذه المرحلة (الأولى) خاص بالحوثيين، فالموانئ تحت سيطرتهم بقوة السلاح، ولا تواجد للجانب الحكومي.. طالما لم ينفذوا إعادة الانتشار، فهم المعرقل الرئيس لتنفيذ الاتفاق».
واستطرد: «رغم محاولات الجنرال كومارت إقناعهم بذلك، إلا أنهم أقدموا على التصعيد الإعلامي ضده، في محاولة أخرى منهم لعدم تنفيذ الاتفاق، فضلا عن خروقات حوثية لوقف إطلاق النار زادت عن 400 خرق».

وبشأن الأسرى والمعتقلين، قال زعيل إن «الإجراءات كانت تسير بوتيرة سريعة حتى جاءت ردود الحوثيين بالنسبة للمختطفين لديهم محبطة لما تم الاتفاق عليه من إطلاق الأسرى».
وأوضح أن «الحوثيين وصفوا بعض الأسرى بالمجهولين وغير الموجودين، ولم يشيروا لا إيجابا ولا سلبا إلى الاستعداد لإطلاق سراح البقية، وفي مقدمتهم المشمولين بالقرار الأممي رقم 2216: وزير الدفاع السابق، محمود الصبيحي، وناصر شقيق الرئيس (اليمني)، عبد ربه منصور هادي، والسياسي البارز محمد قحطان».

وأضاف أنه «فيما يتعلق بالأسرى لدى الجانب الحكومي كانت إجاباته واضحة بجميع الموجودين لديه واستعداده لإطلاقهم، تنفيذا للاتفاق، ويسعى مكتب المبعوث الأممي إلى عقد لقاء استثنائي، خلال الأيام المقبلة، بين الجانبين لحلحلة الإشكالات العالقة».

وشدد المفاوض الحكومي على أن «نجاح اتفاق ستوكهولم مرهون بتنفيذه حسب ما تم الاتفاق عليه، إذ وافق عليه الحوثيون أمام العالم».
وتابع: «ما نراه من جهد أممي ودولي يساعدنا على التفاؤل بشأن إنجاز الاتفاق، حرصا منا كحكومة تؤمن بالحل السلمي، على رفع المعاناة الإنسانية عن أبناء شعبنا، وبناء الثقة لمستقبل الحل الشامل في اليمن».

اتهامات للحكومة وكومارت
على الجانب الآخر من اتفاق ستوكهولم، اتهم عضو وفد جماعة الحوثي المفوض، حميد عاصم، الحكومة بوضع العراقيل أمام تنفيذ الاتفاق بشأن الحديدة وتبادل الأسرى.
وقال عاصم، في تصريح للأناضول: «نفذنا كل ما هو مطلوب منا، لكن الطرف الآخر والسعودية والإمارات لم ينفذوا شيئا.. هم لا يريدون أن تتوقف الحرب (المستمرة منذ أكثر من أربع سنوات).. والجنرال كومارت منحاز بشكل كامل إلى الطرف الآخر».

وأضاف أن «الجماعة سلمت ميناء الحديدة إلى السلطة المحلية في المحافظة، لكن الطرف الآخر يريد أن يكون شريكا في إدارة الميناء».
وتتهم الحكومة الحوثيين بتسليم الميناء الاستراتيجي إلى قوات تابعة للجماعة.

وبخصوص ملف الأسرى، قال عاصم: «أرسلنا جميع المعلومات التي لدينا عن أسرى إلى الطرف الآخر، بينما لم نتسلم إلا بيانات عن ألف أسير فقط من أصل ثمانية آلاف».

ملابسات الاتفاق
وفقا للمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، فإن «الأسباب الرئيسية لعدم نجاح اتفاق ستوكهولم هو أنه لم يُبنَ على نوايا حسنة، لا من جانب الحوثيين ولا الحكومة والتحالف».
وأضاف التميمي: «المجتمع الدولي أراد أن يصرف الأنظار إلى الجزئية التي تهمه، وهي مسألة الإغاثة، فاختار محافظة الحديدة كمنطقة نزاع منفصلة، وأسس على ضوئها هذا الاتفاق».

وتابع: «يبدو أن الطرفين لا يظهران الحماس الكافي لتنفيذ اتفاق الحديدة.. ليس هناك رغبة في تنفيذ الاتفاق إلى نهايته».
ورأى أن «الحكومة تخسر سياسيا عندما تقبل بالتساوي مع الحوثيين في الحديدة والتعاطي معهم كطرف مكافئ، بينما ما تزال المليشيا في نظر المجتمع الدولي متمردة، وفقا لقرارات مجلس الأمن».

وقال المحلل اليمني إن «ملابسات اتفاق ستوكهولم تمثلت في أن إرادة دولية تشكلت في لحظة حرجة بواشنطن والرياض وأبو ظبي، وهي العواصم التي وقعت تحت ضغط سياسي استثنائي».
وأوضح أن هذا الضغط تمثل في «تصعيد الكونجرس الأمريكي ضد إدارة الرئيس (الأمريكي دونالد) ترامب؛ بسبب استمرار دعمه للسعودية في حربها على اليمن، وتورط ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي (في قنصلية المملكة بإسطنبول، أكتوبر الماضي)».

واستطرد التميمي: «كان هناك ما يشبه الرغبة من إدارة ترامب، عبر وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس الذي استقال لاحقا، بأن يتم التوصل إلى نوع من التهدئة، لذا مارست واشنطن ضغوطا على الرياض وأبو ظبي لدفع الأطراف اليمنية إلى الذهاب إلى مشاورات السويد والخروج باتفاق».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى