تكتيكات جريفيثس.. الحلقة الأكثر تعقيدا في مسار التسوية اليمنية

> الدنماركي «لوليسغارد» بديلا للهولندي «كومارت».. نجح الحوثيون أم فشل الاتفاق؟

>  خاص / غرفة الأخبار

 المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن جريفيثس، بات واحداً من أهم التعقيدات التي تعصف باليمن وتشعب مسارات الأزمة وتطيل أمد الحرب بإعطاء الحوثيين مزيداً من الحجم السياسي والمساحة للتحرك فيها، وفقاً لما يرى سياسيون يمنيون.
المسؤول الأممي، الذي يبدو دائماً متفائلاً بالتوصل مع الحوثيين إلى حل سياسي، يثير كثيراً من الشكوك حول جهوده وتكتيكاته السياسية التي يتعامل بها مع طرفي الصراع؛ إذ كان لجريفيثس الفضل في جعل الحوثيين نداً للسلطة الشرعية، وكذا الفضل في شرعنة هذه الرؤية في مجلس الأمن وأروقة الأمم المتحدة التي أصبحت تعترف بسلطات الأمر الواقع للحوثييين، وتعتبرها طرفاً رئيسياً في العملية السياسية بعد أن كان الحوثيون مجرد جماعة انقلابية متمردة.

وبينما تراوح جهود المبعوث الأممي مكانها، في ظلّ الفشل في تنفيذ أي من بنود الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه خلال المشاورات التي احتضنتها العاصمة السويدية ستوكهولم في ديسمبر الماضي، ما تفتأ ثقة المعسكر الممثّل لحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، والمدعومة من التحالف العربي، في جريفيثس، تتآكل بفعل ما يبديه من مرونة شديدة إزاء الحوثيين وصلت حد أن يتجنّب تحميلهم مسؤولية تعطيل تنفيذ الاتفاق، رغم وضوح تلك المسؤولية.

ووفقاً لما نقلته جريدة «العرب» اللندنية عن مصادر يمنية، فإنّ سياسة جريفيثس المتساهلة مع الحوثيين، كانت مدار الخلاف بين الدبلوماسي البريطاني، والجنرال الهولندي باتريك كومارت الذي يرأس لجنة الأمم المتحدة لإعادة الانتشار في الحديدة، وهو في طريقه لمغادرة منصبه بدفع من جريفيثس نفسه بسبب إصرار كومارت على تضمين تقريره للأمم المتحدة إشارة واضحة لمسؤولية المتمرّدين عن تعطيل تنفيذ عملية إعادة الانتشار وإخلاء موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى.

وطرح خلال اليومين الماضيين اسم الجنرال الدنماركي مايكل لوليسغارد ليحل محل كومارت، الذي تعرّض لحملة اتهامات من الحوثيين، كما تعرض خلال عمله بالحديدة لإطلاق نار يعتقد أنّ مصدره ميليشيا الحوثي.
إزاحة الجنرال الهولندي باتريك كومارت من رئاسة لجنة تنسيق إعادة الانتشار في الحديدة لا يمكن لأطراف يمنية إلا أن تنظر إليها باعتبارها استجابة مباشرة لرغبة المتمرّدين الحوثيين الذين رفضوا التعامل مع الرجل بسبب حرصه على تحديد الطرف المسؤول عن إعاقة تنفيذ اتفاقات السويد، على العكس من المبعوث الأممي مارتن جريفيثس الذي بالغ في المرونة مثيراً الأسئلة والشكوك بشأن هدفه من وراء ذلك الأسلوب في قيادة جهود السلام باليمن.

ومن شأن تحييد كومارت أن يزيد من الارتياب بشأن جريفيثس وحقيقة موقفه من الصراع في اليمن، على اعتبار أن الخطوة استجابة مباشرة لرغبة الحوثيين الذين طالبوا بتغيير رئيس لجنة الإشراف على إعادة الانتشار.
واعتبر عضو اللجنة عن الجانب الحكومي، العميد صادق دويد، استبدال كومارت رضوخاً لمطالب الحوثيين.

وقال في تغريدة على حسابه في تويتر: «كان الأجدى بالأمم المتحدة الضغط على الحوثيين لتنفيذ اتفاق السويد، لا الرضوخ لرغباتهم المخالفة للاتفاق».
ومن جهته، اتهم الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، الخميس، الحوثيين بعدم تطبيق الاتفاق في الحديدة، بحسب ما أوردت وكالة سبأ الرسمية للأنباء.

وقالت الوكالة: «إنّ هادي التقى في العاصمة السعودية الرياض المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفيثس ورئيس لجنة فريق الأمم المتحدة المكلّف بالإشراف على تنفيذ اتفاق الحديدة، الجنرال باتريك كومارت، وأكد التزام الحكومة الشرعية باتفاق السويد».
ودعا هادي إلى الإسراع في تنفيذ بنود الاتفاق بما في ذلك وقف إطلاق النار، والانسحاب من الحديدة وموانئها والوفاء بتعهدات اتفاق تبادل الأسرى والمعتقلين.

وبحسب الوكالة، فإن الرئيس طالب أيضا «بوضع النقاط على الحروف وإحاطة المجتمع الدولي بمن يضع العراقيل أمام خطوات السلام وفرص نجاحها»، متهماً المتمردين بـ «المماطلة وعدم الوفاء على الدوام بتنفيذ أي عهد».
وأمس الجمعة، قال مكتب الرئاسة: «إن التراخي في تنفيذ اتفاق السويد يدفع الأمور نحو الفشل». جاء ذلك في سلسلة تغريدات لمدير مكتب الرئاسة اليمنية عبدالله العليمي، نشرها في حسابه على تويتر.

وأضاف العليمي: «37 يوماً منذ اتفاق ستوكهولم، و32 يوماً منذ وصول الجنرال باتريك إلى اليمن، ولا زالت الأمور كما لو أنها في يومها الأول».
وتابع المسؤول اليمني: «حتى الآن لم نحصل على آلية مزمنة لتنفيذ الاتفاق، يعرقل الحوثيون الاتفاقات وتقدم الحكومة عملاً مسؤولاً، ولا تقارير توضح العرقلة ولا شهادات لحسن التعامل».

وأشار العليمي إلى أن «التصعيد المستمر للميليشيات الحوثية والتحشيد العسكري وحفر الخنادق وإعاقة وصول المساعدات الإنسانية والاعتقالات اليومية لا تشير إلى وجود أي نوايا للسلام».
وألمح إلى ضعف دور الأمم المتحدة حيال تنفيذ الاتفاق، وقال: «إن التراخي في تنفيذ الاتفاق وغياب الوضوح (من قِبل الأمم المتحدة) في تسمية المعرقلين يشجع هذه الاستفزازات ويدفع الأمور إلى الفشل».

وكان جريفيثس وكومارت وصلا إلى الرياض الأربعاء قادمين من صنعاء في زيارة لم يتمّ الإفصاح عن موضوعها ونتائجها، لكن دوائر سياسية توقّعت أن جريفيثس «حاول حل الخلاف بين كومارت والحوثيين، دون أن ينجح في ذلك».
ويبدو أن جهود الدبلوماسي البريطاني فشلت في اللقاء بقيادات جماعة أنصار الله (الحوثيين)، خلال زيارته الأخيرة لصنعاء. وعقد جريفيثس لقاء وحيدًا مع رئيس ما يسمى بـ «المجلس السياسي الأعلى»، وهو أعلى سلطة سياسية للحوثيين، مهدي المشاط.

وكانت الزيارة على خلاف زياراته السابقة، التي يلتقي فيها بزعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، ورئيس اللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي، ورئيس حكومة الحوثيين (الغير معترف بها)، ووفد حزب المؤتمر جناح صنعاء.
وغادر جريفيثس، الأربعاء، برفقة رئيس لجنة إعادة التنسيق وقائد فريق المراقبين الدوليين الجنرال الهولندي باتريك كومارت، صنعاء، متوجهاً إلى الرياض ليلتقي الرئيس عبدربه منصور هادي.

ووفق مصدر في مكتب المبعوث الأممي، فإن جريفيثس توجه إلى صنعاء لإقناع الحوثيين بالمضي قدماً في تنفيذ اتفاق السويد، بعد تعثر حتى اللحظة.
وعملياً ما زال كومارت في منصبه، لكنّ الأمم المتحدة تبحث عن خليفة له، بحسب ما عُلِم من مصادر دبلوماسية.

وقال أحد المصادر: «إنّ كومارت سيرحل في نهاية الأمر»، مضيفا «هو في منصبه إلى حين العثور على خلف له»، وموضحاً أنّ مشاورات بدأت بهذا الشأن.
ومنذ وصوله إلى اليمن في 23 ديسمبر الماضي، واجه الجنرال الهولندي، ذو الخبرة ببؤر التوتّر والصراع، صعوبات في العمل إلى جانب المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على مدينة الحديدة. واتهمه بعضهم بأن لديه أجندة خاصة، الأمر الذي نفته الأمم المتحدة. وتعرض موكبه في 17 يناير الجاري لإطلاق نار لم يوقع إصابات؛ وذلك عند خروجه من اجتماع مع الحكومة اليمنية. وقالت الأمم المتحدة «إنها لا تعرف مصدر إطلاق النار».

وبينما يرى محلّلون سياسيون أن الدبلوماسي البريطاني المخضرم، مارتن جريفيثس، يمارس أسلوبه المعهود في العمل، والذي يقوم على التزام أقصى درجات الصبر والمرونة إزاء فرقاء الصراعات، وأنّه يحافظ بذلك على فرصة للسلام ريثما تتوفّر الظروف لاستغلالها، يرى آخرون أنّ الرجل بالغ في اتّباع هذا الأسلوب العقيم، وتحوّل إلى غطاء للمتمرّدين الحوثيين وحامٍ لهم من الإدانة وتحمّل مسؤولياتهم إزاء المجتمع الدولي.

ويعتبر أصحاب هذا المنظور أن اتفاق السويد كان سيتحوّل إلى ورطة للمتمرّدين الحوثيين المطالبين بموجب الاتفاق بسحب قواتهم من الحديدة وتسليم الموانئ التي يسيطرون عليها، إلاّ أن سياسة المبعوث الأممي أتاحت لهم هامشاً من المناورة، بعد أن كانوا قد وصلوا، قبيل إطلاق محادثات السويد، إلى أسوأ وضع عسكري لهم في الحديدة، التي كانت قريبة من الخروج من سيطرتهم، بفعل الحملة العسكرية الكبيرة التي شنتها القوات اليمنية المتعددة إلى جانب قوات تحالف دعم الشرعية.

وكان اتفاق السويد قد قضى بالوقف الفوري لإطلاق النار في الحديدة، وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، وانسحاب القوات الحكومية والحوثيين إلى خارجها، والالتزام بعدم استقدام أي تعزيزات عسكرية للمدينة. كما قضى بتسليم المدينة للسلطة المحلية، والموانئ لقوات خفر السواحل، وتشكيل لجنة مشتركة من الطرفين لتنفيذ الاتفاق برئاسة الأمم المتحدة.
كما توصل الطرفان إلى تفاهم لتحسين الوضع في تعز وتبادل الأسرى. ورغم مرور 40 يوماً على الاتفاق إلا أنه لم يتم تحقيق أي تقدم في تطبيق الاتفاق. وعلى إثر ذلك، كثّف المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن جريفيثس، خلال الآونة الأخيرة، من تحركاته لتحقيق اختراق في تطبيق الاتفاق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى