عقبات التسوية.. أجندات جريفيثس وتعنّت الحوثيين وتجار الحروب

> محمود الطاهر

>
غادر المبعوث الأممي مارتن جريفيثس يوم الخميس 31 يناير 2019 العاصمة اليمنية صنعاء التي تسيطر عليها المليشيات الحوثية الموالية لإيران دون أن ينظم مؤتمرًا صحفيًا كالعادة، وهو ما يشير إلى غضب البريطاني جريفيثس من التصرفات الحوثية الرامية لهدم خططه الساعية لخدمتها في إنقاذها من هزيمة محققة.

تزامن ذلك مع إعلان التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن الذي تقوده المملكة العربية السعودية استهداف معسكرات للمقاتلين الحوثيين ومخازن أسلحة تتبع للميليشيا الحوثية «الإرهابية» في عدد من المحافظات اليمنية.
وعزا التحالف إعادة الغارات الجوية على مواقع المليشيات الحوثية إلى استمرار الخروقات الحوثية المتعمدة لوقف إطلاق النار بالحديدة والتي أدت إلى وقوع خسائر بالأرواح بلغت العشرات من «الشهداء» المدنيين والعسكريين والمئات من الجرحى.

وتزامن ذلك أيضًا، إعلان وزير الدولة للشئون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، بتغريدة باللغة الانجليزية، عن استعداد التحالف العربي لاستخدام مزيد من القوة لإرغام الحوثيين على الالتزام باتفاق ستوكهولم.

وهذا ما يعني أن ضبط النفس للتحالف العربي والحكومة اليمنية، قد شارف على الوصول إلى مراحله النهاية ما لم يكن هناك موقف واضح من المبعوث الأممي مارتن جريفيثس تجاه الحوثيين الذين يسعون لعرقلة تنفيذ اتفاقية السويد.
وفي الـ 13 من شهر ديسمبر الماضي أعلن أنطونيو جوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة في ستوكهولم توصل الأطراف اليمنية إلى اتفاق بشأن الحديدة وتعز وتبادل الأسرى، وهو إعلان يبدو كان مفروضًا من قبل الأمم المتحدة لتجبر الحوثيين على القبول بالأمر الواقع، وهو ما يشير إلى عدم معرفة الأمم المتحدة بالمليشيات الحوثية.

ومنذ ذلك الحين لم يستطع مارتن جريفيثس، المبعوث الأممي إلى اليمن، ولا الجنرال الهولندي المستقيل، باتريك كومارت، تحريك المياه الراكدة أو تلك الصخور التي وضعها الحوثيون في طريق تنفيذ اتفاق السويد بتسليم مدينة الحديدة وموانئها ورفع الحظر عن تعز، إضافة إلى الملف الإنساني لاسيما فيما يخص تبادل الأسرى التي انبثقت منه لجان لمناقشة هذا الجانب.

تعنت وخرق متواصل
حين تم إعلان التوصل إلى اتفاق في السويد بين الحكومة اليمنية الشرعية والمليشيات الحوثية الموالية لإيران، أظهرنا في كتابة تحليلية في «نون بوست» عن تخوفنا من مآلات تفسير بنود تلك الاتفاقية لاسيما لدى الحوثيين أنفسهم في فهمها وتفسيرها لصالح جماعتهم، وتحقق ذلك التخوف بعد شهر ونحو عشرين يومًا.

الحوثيون فسروا ذلك الاتفاق وفق تطلعهم وهدفهم منه، وهو أنه يقضي بأن تنسحب المقاومة الوطنية المشتركة من الحديدة، وإجبار التحالف العربي على وقف الطلعات الجوية، وفتح مطار صنعاء، على عكس حقيقتها التي تدعو المليشيات الحوثية بتسليم المدينة والموانئ إلى الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا.

في يوم الـ29 من ديسمبر 2018، أعلن الحوثيون إعادة انتشار قواتهم في محافظة الحديدة اليمنية وتسليم موانئ الحديدة لقوات موالية لهم، وأبلغوا الأمم المتحدة بذلك، وطالبوا أيضا القوات الوطنية في محافظة الحديدة بتسليم المواقع التي سيطروا عليها لقوات موالية للحوثيين، لكن الحكومة اليمنية اعتبرت تلك الخطوة محاولة للالتفاف على اتفاقية ستوكهولم، وتنصل من قبل الحوثيين منها، وهو ما يبدو واضحًا من خلال التفسيرات التي فسرها الحوثيون.

هذه العملية أبطأت من تحركات الأمم المتحدة إلى التوصل مع الحكومة اليمنية والمليشيات الحوثية إلى نقطة محددة لتنفيذ بند واحد على الأقل من بنود الاتفاقية، نتيجة لعدم وجود أساس الاتفاقية التي كان لابد على الحكومة اليمنية أن تطالب حينها بإيجاد اتفاق تكميلي آخر يشرح تلك النقاط التي ستمثل إشكالية في التنفيذ ويفهمها كل طرف بحسب ادعائه أنه من يمثل الحكومة الشرعية، لاسيما البند رقم 13 من اتفاقية الحديدة.

يقول البند 13: «تقع مسؤولية أمن مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى على عاتق قوات الأمن المحلية وفقًا للقانون اليمني، ويجب احترام المسارات القانونية للسلطة وإزالة أي عوائق أو عقبات تحول دون قيام المؤسسات المحلية بأداء وظائفها، بما فيها المشرفون. (لا يفهم في هذا البند عن أي مشرفين يتحدث، هل يقصد مشرفي المليشيات الحوثية أو مشرفين من الدولة اليمنية، مع العلم أن في الوظيفة العامة للدولة اليمنية لا يوجد مسمى وظيفي يحمل هذا المصطلح)».

تحيط قوات المقاومة الوطنية المسنودة من الإمارات العربية المتحدة حاليّاً بالأطراف الشرقية والشمالية الشرقية لمدينة الحديدة، على بُعد 4 كلم فقط من الميناء وعلى طول الطريق المباشر إلى صنعاء، في حين تحتفظ المليشيات الحوثية بغالبية المناطق الحضرية والميناء.

يبدو أن المليشيات الحوثية كانت تعلم أن إعلانها بإعادة انتشار قواتها وتسليم موانئ الحديدة تسليمًا وهميًا، ستعترض عليه الأمم المتحدة والحكومة اليمنية، لكي تظل في الحديدة لأطول فترة ممكنة، من خلالها تستطيع استيراد المزيد من الأسلحة الإيرانية، والاستفادة من العائد المالي لموانئ الحديدة، إضافة إلى الاستعداد التام لكي تخوض جولة قتال جديدة لاستعادة ما خسرته في الحرب.

خرق القرار الأممي 2451
يتطلب «اتفاق ستوكهولم» والقرار اللاحق لمجلس الأمن الدولي رقم 2451 قيام الجانبين باتخاذ الخطوات التالية:
وقف إطلاق النار ابتداءً من 18 ديسمبر، والانسحاب الحوثي من موانئ البحر الأحمر، وإعادة الانتشار المتبادل خارج مدينة الحديدة، وإزالة التحصينات.

وبعد هذا، قدمت الحكومة اليمنية، بدعم طائرة مراقبة حديثة ورادار من التحالف، إحداثيات وأوقات وتفاصيل أخرى دقيقة إلى الأمم المتحدة عن العديد من انتهاكات الحوثيين لوقف إطلاق النار.
وقعت أكثر من 100 حالة من الانتهاكات الحوثية في مدينة الحديدة مقابل 400 هجوم في المناطق الريفية جنوب المدينة. وقد استهدفت المليشيات الحوثية الموالية لإيران مراراً طريق الإمداد الرئيسي للحكومة بالقرب من التحيتا (102 هجوم) والدريهمي (90 هجوماً)، بالإضافة إلى 140 هجوماً على خطوط التحالف بالقرب من حيس.

قالت القوات اليمنية وقوات التحالف إنها تعرضت لقذائف الهاون (عادة ما تكون قذائف هاون ثقيلة من عيار 120 ملم) 95 مرّة اعتباراً من 2 يناير، فضلاً عن 21 هجوما بصواريخ «كاتيوشا» و4 هجمات بمدافع الـ «هاوتزر».

ووفقاً لبعض التقارير، تم إطلاق قذيفتين من المدفعية الثقيلة «بدر-1» على مقر للتحالف في 21 ديسمبر، وهو انتهاكٌ قد يتطلب تواطؤ القيادات الرفيعة المستوى والمسؤولة عن هذا النظام الاستراتيجي للأسلحة. كما تشير بعض التقارير إلى أن الحوثيين شنّوا أيضاً 55 هجوماً ببنادق رشاشة ثقيلة عيار 14.5 ملم و12.7 ملم، و12 بقذائف صاروخية، و8 بمدافع مضادة للطائرات عيار 23 ملم، و4 ببنادق عديمة الارتداد من طراز «بي-10»، و76 بأسلحة قناصة ونيران أخرى.

بذلك يكون الحوثيون قد انتهكوا وقف إطلاق النار بمعدّل 20 هجوماً في اليوم اعتباراً من 2 يناير، وامتنع التحالف طيلة الفترة السابقة عن الرد على النيران، وهذا يعني أن التحالف اختار مواصلة وقف إطلاق النار من خلال إظهار ضبط النفس خلال الفترة الماضية بدلاً من اللجوء إلى اتخاذ خطوات استباقية أو الانتقام أو الدفاع عن النفس، لكن ذلك لن يدوم طويلًا طالما وأن الأمم المتحدة عبر مبعوثها الأممي، مارتن جريفيثس، فشلت في إقناع المليشيات الحوثية بتنفيذ بند واحد من اتفاق السويد.

استغل الحوثيون أيضاً فترة وقف إطلاق النار لزيادة تحصيناتهم العسكرية بشكل كبير في مدينة الحديدة، على عكس مقتضيات «اتفاق ستوكهولم» والقرار رقم 2451. فقبل 18 ديسمبر، كان هناك 157 خندقاً للحوثيين في المدينة، إلّا أنه تم حفر 50 خندقاً جديداً ابتداءً من 2 يناير - وهذا تدعمه صور جوّيّة تم تقديمها إلى الأمم المتحدة من قبل التحالف العربي والحكومة اليمنية.

كما قام الحوثيون بنصب العديد من الحواجز داخل المدينة، معظمها حاويات شحن. وقبل وقف إطلاق النار، تم الإبلاغ عن 118 مثل هذه الحواجز، لكن تم تركيب 109 حواجز إضافية اعتباراً من 2 يناير 2019. وقد تم حماية بعض هذه الحواجز بشبكة حقول ألغام جديدة.

وفي الوقت نفسه، تم استهداف مركبات هندسية للتحالف بشكلٍ دوري بواسطة أسلحة مضادة للدبابات، مما منع من إزالة الأنقاض، وبالتالي، لم يتحدَّ الحوثيون متطلبات الأمم المتحدة لـ«إزالة أي مظاهر عسكرية من المدينة» فحسب، بل عرقلوا أيضاً جهود التحالف للتخلص من العوائق في المناطق المحررة.

تشير الأدلّة المقنعة المقدَّمة إلى الأمم المتحدة إلى أن الحوثيين ينتهكون بشكلٍ صارخ قرار الأمم المتحدة رقم 2451 و»اتفاق ستوكهولم» واتفاقها الخاص بالحديدة، وهو ما يعني أن الحوثيين ليسوا مستعدين للالتزام بأي قرار دولي سابق أو حالي أو قادم، وأنهم ماضون فقط لتنفيذ خططهم المرسومة لهم من قبل إيران، وهو إسقاط المحور السني، واستبدالهم بالمحور الشيعي في المنطقة.

ومنذ أربعة أعوام وحتى اليوم، قتل ما يزيد عن 6700 طفل يمني، سواء في جبهات القتال التي توظفهم المليشيات الحوثية كمقاتلين لها، أو بسبب الجوع، أو نتيجة للقصف الخاطئ من قبل أطراف النزاع في اليمن.

إجبار الحوثيين على الجنوح للسلم
تتساهل الحكومة اليمنية مع المبعوث الدولي إلى اليمن، مارتن جريفيثس، لما يقدمه من خدمات مجانية للمليشيات الحوثية، عبر التسويف والمماطلة في تنفيذ اتفاقية السويد، وهو ما يجب على الحكومة اليمنية عدم التعامل بمرونة مع محاولة «جريفيثس» منح الحوثيين مساحة كافية من أجل الاستعداد لجولة جديدة من الحرب لاستعادة ما فقدوه ليفرضوا شروطا جديدة في أي محادثات قادمة.

الحكومة اليمنية في الوقت الحالي بموضع القوة، وعليها أن تزمّن وقتًا محددًا وتطالب الأمم المتحدة بإلزام المليشيات الحوثية الموالية لإيران بتنفيذ ذلك خلال المدة الزمنية المحددة، ما لم تعلن إفشال الحوثيين لاتفاقية السويد، وتلجأ للقوة العسكرية التي قد تجبر الحوثيين على تنفيذ اتفاقية ستوكهولم سواء بالاتفاق أو بالقوة العسكرية، لاسيما وأنه لم يتبق للمقاومة الوطنية المشتركة سوى 4 إلى 5 كيلو مترات من تحرير موانئ الحديدة.

التعامل الحكومي وفقًا لأهواء مارتن جريفيثس، تخدم المليشيات الحوثية الموالية لإيران، وتخدم الأجندة البريطانية التي يحملها جريفيثس وهي مشاريع بريطانية لا دولية.. المشروع الذي طرحته بريطانيا تسعى من خلاله إلى تقسيم اليمن بأية طريقة لاستعادة مناطق نفوذها في المنطقة بعد خمسين سنة من طرد الإنجليز من هناك.. ولذلك ينحاز «جريفيثس» للحوثيين بشكل كبير.

فرص السلام في اليمن بعيدة، ولا تلوح في الأفق القريب، وإنما غائبة تمامًا لأسباب عديدة، منها عدم استعداد الحوثيين لها، ويرفضون أن يدخلوا بأي شراكة سياسية مع أي طرف، وثانيها الأجندة التي يحملها المبعوث الأممي مارتن جريفيثس بحق المنطقة، وثالثها تجار الحرب والمنظمات الإغاثية الدولية التي تستثمر في هذه الحرب.

إضافة إلى ما تعانيه النخب اليمنية أحزابا وأفرادا من حالة تبلد ولامبالاة وجمود إزاء ما يواجه اليمن من مخاطر وتحديات تمس وجوده ووحدته وحاضر ومستقبل أجياله، ويبدو أنها معلنة استسلامها للواقع المزري ومكتفية بفتات المصالح.
عن «نونة بوست»​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى