الأغنية الحضرمية.. ذات أجنحة لا تعترف بحدود الجهات الأربع..!

> أحمد النظامي

>
أحمد النظامي
أحمد النظامي
مثلما تمتلك بلادنا اليمن تنوعا حيويا وجغرافيا، فكذلك الأغنية اليمنية تمتلك تنوعا فنيا ما بين أغنية صنعانية أو ما يسمى "اللون الحميني" وهناك الأغنية الحجية "اللون القمنداني، والأغنية العدنية، والأغنية التهامية، والأغنية الحضرمية وما يطلق عليه "فن الدان الحضرمي".
وبالتالي فكل نوع من هذه الأنواع صار مدرسة متكاملة الخصوصيات والأبعاد لها رموزها وفرسانها.. هذا التشكل البانورامي يجعل من الأغنية اليمنية منظومة مترابطة ومتكاملة ذات ثراء وتنوع، والأغنية الحضرمية هي جزء مهم من هذه المنظومة الجميلة، وتعد الأغنية الحضرمية من أهم روافد المشهد الفني والثقافي للوطن والجزيرة العربية.

الأغنية الحضرمية.. وطن أخضر.. وشلال يروي عطش المواجيد الظمآنة والمتعطشة إلى دفء الكلمة، وعذوبة اللحن، ودندنة النغم.. تنحدر من سماوات تريم الغناء، ومدينة سعاد وبطعم عسل دوعن ، وشاي المكلا، وقهوة ليالي الدان والسمر.
نبتت وردة على شفاه غيل باوزير، وتشكلت موجة من عطر على صدى أمواج البحر العربي في شواطئ المكلا.. حضرموت الحبيبة.

حقول تغذية الأغنية الحضرمية
إذا كانت جلسات النابغة الذبياني في سوق عكاظ قد لعبت دورا بارزا في تغذية القصيدة العربية والتنظير المؤسسي والنقدي في تنمية الإبداع.. فإنها -أي الأغنية الحضرمية- قد أدركت حاجتها لمثل هكذا فعاليات وخلق حراك ثقاف يتمثل في إقامة جلسات أصبحت تقليدا دوريا عمل ويعمل على تغذية وتنمية القصيدة الغنائية الحضرمية حتى صارت عابرة للحدود الجغرافية، ذلك لما للتلاقح الثقافي من دور في تبادل الخبرات وصقل المواهب لدى شعراء الأغنية، وهو ما سافر بهم في سماوات التجلي والشهرة.

تمتلك حضرموت العديد من المؤسسات الثقافية والملتقيات الأهلية ذات الطابع الثقافي والتي تحتضن الإبداعات والمبدعين، وتعد متنفسا لكتاباتهم وإبداعاتهم.. منها: دار باكثير، وجلسات الدان، ومركز تريم للدراسات، وجلسات الإنشاد، وسبتية باظفاري، وملتقى عطاء الثقافي، وغيرها من اللقاءات والتقاليد الثقافية، بالإضافة إلى الدور الذي يلعبه فرع اتحاد الأدباء والكتاب وغيره من المؤسسات.
وعلاوة على القول، فقد شكلت مثل هكذا مؤسسات كيانا يضم شمل المبدعين في بوتقة واحدة دفعت بالقصيدة/ الأغنية إلى آفاق التطور.

الأغنية الحضرمية خارج الوطن
لم تولد لتبقى حبيسة الأدراج، أو لتظل محصورة داخل أسوار حضرموت ، لكنها -بعد توغلها في وجدان كل يمني- امتلكت أجنحة من ضوء لا تعترف بحدود الجهات الأربع، فضجت بها المحافل العربية والدولية، ومثلما ترنمت بها حناجر الفنانين اليمنيين من مختلف أصقاع اليمن، فقد ترنمت بها حناجر كبار الفنانين العرب لتكون بذلك السفير المخلص للتعريف بالأغنية اليمنية.

فهذا الفنان عبد المجيد عبدالله يشدو:
باشل حبك معي بلقيه زادي
ومرافقي في السفر..
وباتلذذ بذكرك في بلادي في مقيلي والسمر..
وهي إحدى روائع الأغاني الحضرمية التي استهوتهم بكلماتها الوارفة ولحنها السحري بجمله الموسيقية العذبة.

فيما يشدو الفنان عبدالله الرويشد بأغنية:
لما قلبي يحب لما يحب قلبه..
وكذلك الفنانة الإماراتية أحلام..
والأغنية من كلمات الشاعر صالح باظفاري.
وهذا الفنان حسين الجسمي يترنح بكل طبقاته الصوتية:
حبي لها رغم الظروف القاسية رغم الحزن
وهي من كلمات وألحان نجم حضرموت الشاعر والملحن المرحوم حسين المحضار..

ويحلق الدكتور عبد الرب إدريس بواحدة من أشهر أغاني محمد جمعة خان والتي كتبها حداد بن حسن الكاف:
بالغواني.. قلبي مولع
حاير وفاني.. دايم حليف السهر..
كم يعاني.... الخ..

أما سفير الأغنية د/ أبو بكر سالم بلفقيه فقد عرف وجدد الأغنية الحضرمية اليمنية وخدم التراث اليمني والعربي على مدى أكثر من نصف قرن:
يا مسافر على البلاد بروحي وقلبي..

وكذلك أغنية "زارعين العنب" والتي تناقلها عشرات الفنانين محليا وعربيا لسلاسة مفرداتها ولملامستها هموم وتطلعات الجماهير، وأيضا رقة وعذوبة اللحن وطواعيته وقابليته لإدخال أدوات الغناء "عود، اورج، آلات موسيقية"
بلاني بهم ربي
وولاهم على قلبي وهو والي
مازال في يدهم قلبي
يميتونه ويحيونه 
يا زارعين العنب ما با تبيعونه!!
اما أغنيات الفنان محمد جمعة خان فقد أضحت مصدرا ملهما للباحثين والفنانين والمهتمين بالأغنية العربية في ثوبها ومذاقها الحضرمي.

الأغنية الحضرمية تنبت مع اللحن
الذي يقرأ النص الشعري للأغنية الحضرمية خصوصا بعض النصوص المتعددة الوزن يخيل إليه أنها مختلة الوزن، لكن ذلك الشك يزول بمجرد أن تستمع إلى القصيدة مغناه؛ وتعليل ذلك هو: أن النص الشعري كتب للتغني لا للقراءة العادية.. بمعنى أن الأغنية الحضرمية نبتت مع اللحن منذ لحظات التشكل إلى ما بعد قطع الحبل السري.. وهذا معناه أن الشاعر الحضرمي مشبع بثقافة موسيقية عالية وهو فنان في نفس الوقت وكثيرا ما نجد كالمحضار يكتب القصيدة ويلحنها..

ويرى الأستاذ عبدالله البردوني في كتابه "فنون الأدب الشعبي في اليمن" أن هناك فرقا بين القصيدة القصيدة، والقصيدة الأغنية".
قبل أيام وأنا أطالع ديوان "تغاريد القلوب" لصديقي الشاعر الحضرمي الكبير صالح باظفاري والذي صدر عن دار (الفنون) بجدة ويقع في 164 صفحة من القطع المتوسط لاحظت أن كل قصيدة غنائية في الديوان مختتمة ومذيلة بنوتة موسيقية خاصة باللحن، مما يؤكد أن القصيدة الغنائية في حضرموت تولد ملحنة وهذا نوع تكاملي بين عناصر ومكونات الأغنية نجم عن ذلك تطور وذيوع الفن الحضرمي.

أختتم هذا المقال بجولة قصيرة مع دندنة الوتر وفنجان شاي حضرمي منعش:

أنت فينك؟
من الروائع المحضارية التي أبدع في غنائها الفنان المذيع عبد الرحمن الحداد وأيضا الفنان أيوب طارش،
انت فينك أدور منك يومين
انت في الأرض عادك او بلغت القمر؟!
انت يا هاجري في داخل العين
كلما غبت عنها غاب عنها البصر
ما نسيانك واسمك بين قوسين

داخل القلب وكلامك شبيه الدرر
عندما تغنى هذه القصيدة يتم إضافة لازمة لفظية أو إضافة لحنية بعد الشطر الأول وهي كلمة "يزين" فيصير البيت هكذا:
ما نسيناك واسمك بين قوسين يزين
داخل القلب وكلامك شبيه الدرر.
وهكذا تتضافر جهود الشاعر والملحن وتكون الخلاصة عملا فنيا ناضجا بامتياز.

منى الخاطر
إحدى روائع الشاعر الحضرمي حسين البار:
تفضل يا منى الخاطر
وقل لي ذي مضى شي بايعاد.

لحضرموت السلام والمحبة ولروادها الخلود حسين المحضار والكاف ومحمد جمعة خان ومحمد سالم بن شامخ، ومن المعاصرين عبد الرحمن الحداد وبلفقيه وعبدالله البار وعلي أحمد بارجاء وسالم بلحمر وباظفاري وهود العيدروس وغيرهم من الوجوه الشابة فنيا وثقافيا ممن يتسع لهم القلب ولا تتسع لهم هذه التناولة.. للجميع تحية عرضها الأمنيات.
* شاعر وكاتب يمني​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى