وداعاً بارق الخير (طارق) ..!

> محمد العولقي

>
لم يثر غباراً حول مسيرته الكروية المظفرة ، مع أنه كان سهماً ينطلق من قوس اتحاد الشرطة الرياضي ولا يخطئ هدفه .. ولم يتدثر يوماً بلحاف نجومية التلميع الإعلامي ، ولم يطلب شهرة ورقية للاستهلاك الجماهيري ، قضى شبابه وكهولته في الملاعب الرياضية حاملاً شوكته على ظهره كالعقرب تماماً ، مؤلفاً لكتاب حياته الكروية برأسه وقدميه وعرق جبينه.

 * لم تكن النجومية عنده إسهالاً إعلامياً على الورق أو تقرباً وتزلفاً من ذوي الشأن ، كان ينتزع النجومية في الملاعب بعرقه ورجولته وكفاحه وصبره على البلايا وقسمه العسكري الشهير.
 * صنع مجداً عظيماً لفريق اتحاد (الشرطة) ثم توارى خلف كتيبة كروية مدججة بكل أنواع وأصناف المواهب الكروية الفذة ، وكان وقتها خير من صان تراث النجم الجنوبي الكبير (عزيز عبدالرحمن).

 * لم يحدث أن نال كارتاً أو إنذاراً من حكام المباريات ، فقد احتفظ له رجال القضاء الرياضي بمسافة كبيرة من الود والاحترام .. لم يجادل زميلاً أو يتبرم من مدرب ، أو يأخذ على خاطره من إداري ، عاش في الملاعب مثالياً ، حديقة أخلاق غناء لا تسمع فيها لاغية.

 * كتب مشواره الكروي مع ناديه ومع منتخبات الكرة الجنوبية بهدوئه وابتسامته وثقته بنفسه وموهبته التي تخطت حدودها في زمن قياسي .. يشهد له المدرب الكبير (غازي عوض) : " لقد كان مطيعاً مؤدباً ومهذباً وذا شخصية محبوبة من جميع زملائه ، بالإضافة إلى شخصيته الوقورة التي تنفذ للقلوب دون استئذان".

 * عندما احتكر فريق (الشرطة) بطولة الدوري العام لموسمين متتاليين ، تاركاً التلال قفاه يقمر عيشاً ، كان فقيدنا الراحل سداً منيعاً وصمام أمان ، حال دون بث الفوضى في أمن (الشرطة) المستتب.
 * لم يحدث طوال تراكمية كروية عمرها 15 عاماً أن أستخدم طرقاً ملتوية لمنع مهاجم ، أو لجأ إلى العنف المفلس ، لمصادرة خطورة لاعب ، لقد كان قبعة واقية تحمي حصون (الشرطة) من التوغلات العبثية ، هذا لأنه كان يوازن بين المخ والعضلات حسب متطلبات الموقف.

 * غادر الملاعب الكروية الجنوبية بمنتهى الأدب ، لم يطلب ثمناً لواجبه الكروي ، إنتقل من صخب الملاعب وإثارتها إلى محراب العمل الوطني المقدس .. لم يتسلق في محيط عمله مواسير الواسطات ، لم يستنجد بشيخ ولم يركب موجة قافزي الزانة ، تدرج في عمله خطوة خطوة معتمداً على رصيده الكبير في حب الناس وخدمتهم  وعلى طاقته الكبيرة في تحمل مشاق وظيفة لا تعرف الراحة.
 * لو كان الأمر بيدي لمنحته قبل سنوات لقب (المسؤول المثالي) الذي يجب أن يكون الأمين الذي يؤتمن على معاملات الناس.

 * إلتقيته مرة في مبنى الهجرة والجوازات ، لم أكن قد تعرفت عليه وجهاً لوجه ، شاهدته منهكاً في معاملات المواطنين والإبتسامة لا تفارق محياه ، راقبته عن بعد (مان تو مان) ولكن ليس على طريقة رقابة (جنتيللي لمارادونا) ، كان العرق يتصبب من جبينه ومن فوديه الشائبين ، دون أن يتوقف عن العمل ، بيني وبين نفسي حسدته على سعة صدره وعلى ضبط النفس، وعلى دماثة خلقه وخفة دمه .. سألت نفسي : ترى كم لدينا نجماً كروياً إحتفظ بأخلاق الفرسان ، في
زمن ماتت فيه القيم والأخلاق وشبعت موتاً ..؟
 * داهمته ذبحة صدرية ، وهو منكب على إنهاء معاملات الناس على مكتبه، ورائحة أوراق المواطنين تزكم أنفه ، لم يتوقف وهو يخط النهاية في محراب حربه على الروتين الممل .. فارق العقيد (طارق الهارش) ولفظ أنفاسه الأخيرة في عنابر الموت ، ولم يطلب في محنته المفاجئة تذكرة سفر ، أو معونة للعلاج في الخارج.

 * مات (طارق الهارش) واقفاً كالأشجار ، وهو يؤدي عمله في مكتبه بمبنى الهجرة والجوازات ، وبكاه وطنه (الجنوب) بكاء الخنساء لأخيها صخر ، هذا لأن بارق الخير (طارق الهارش) كان لاعباً محبوباً ومسؤولاً مرغوباً ، وسيظل شامة وطنية على خد وطنه الذي أخلص له ومات بين أوراقه تحت ظل القمر.

 * وداعا كابتن (طارق الهارش) ، فقد تخلصت أخيراً من عبء رسالتك ، عشت بيننا حياة راضية وقد ثقلت موازينك ، ورحلت بسمو أخلاقك حاملاً معك قلباً أبيض من لبن الحليب..!​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى