كيف يمكن مواجهة الحوثيين وتحقيق السلام في اليمن؟

> محمود الطاهر

> تشكل الحرب في اليمن واحدةً من أهم النماذج التي يمكن من خلالها كشف الدور الإيراني وتدخلاته في زعزعة الأمن والاستقرار، سواء داخل دول عربية أم على مستوى الأمن والسّلم الإقليمي والدولي.
بل إنه، ومن خلال النتائج التي أفرزتها سنوات الأزمة والحرب التي يعاني منها اليمن، يمكننا القول إن الأزمة الحاليّة في اليمن تعود إلى عوامل خارجية، حيث يظل اليمنيون في غالبيتهم خارج نطاق الصراع المسلح الحالي، فلا نقف على عمليات انتقام أو قتل على الهوية الطائفية أو القبلية أو الحزبية كما رأينا في سوريا أو في ليبيا، من جانب الشعب اليمني نفسه، وإنما تتم هذه الأعمال من جانب الحوثيين بحق المواطنين القاطنين في المناطق التي تسيطر عليها المليشيات الموالية لإيران.

لقد مرَّت الأزمة اليمنية بمحطات أساسية أهمها عام 2011م، عندما شهدت أحداثاً أطاحت بالرئيس الراحل علي عبدالله صالح، وفقًا لتسوية سياسية قادتها دول مجلس التعاون الخليجي، وعاما 2014 و2015 اللذان شهدا الانقلاب العسكري، الذي قامت به جماعة الحوثي على ترتيبات العملية السياسية المتفق عليها في المبادرة الخليجية وعلى الحوار الوطني اليمني، ثم حرب «إنقاذ الشعب اليمني» التي بدأها التحالف العربي بقيادة السعودية بدءاً من مارس 2015.
وطيلة السنوات الماضية، كانت إيران أحد أبرز الفاعلين الخارجيين في اليمن، ووفق تقارير وأدلة وشهادات عدة، فقد كان التدخل الإيراني يتم إما بصورة غير مباشرة من خلال وكلاء أو من خلال إرسال أسلحة وخبراء عسكريين وأمنيين إيرانيين إلى اليمن.

فهم التدخل الإيراني
وفي نقطة الوكلاء، فإن أول ما قد يتبادر إلى الذهن هو جماعة الحوثي الموالية لإيران، إلا أن وكلاء إيران في اليمن لا يقتصرون على جماعات يمنية، وإنما تتدخل كذلك إيران في اليمن من خلال وكلاء خارجيين مثل «حزب الله» اللبناني.
وهذه النقطة ليست من نافلة القول، وإنما من الأهمية بمكان في صدد أكثر من أمرٍ مهم، منها توصيف حقيقة الموقف في اليمن، وخريطة القوى الفاعلة في المشهد اليمني، وبالتالي، تحقيق فهمٍ أفضل للموقف، وبالتالي تحسين القدرة على التعامل معه.

ومن ضمن أهم ما يؤشّر إليه هذا الأمر، هو تعقيد الموقف فيما يخص طريقة تعاطي المملكة العربية السعودية -الطرف الفاعل الأهم الآخر في الأزمة اليمنية- مع الملف اليمني، مع كون وجود وكلاء غير يمنيين وبالذات «حزب الله» في الصورة، يكشف حقيقة وحجم المخطط الإيراني في اليمن، الذي يسعى لتصدير المشروع الإيراني إلى دول الجوار، والمملكة المستهدف الأكبر.

وجود «حزب الله» في الموضوع، حوَّل الأزمة والحرب في اليمن إلى سياق آخر إقليمي ودولي، مع دخول أطراف أخرى يمثل لها الحزب أهميةً أو تهديداً لمصالح أمنها القومي، وعلى رأسها «إسرائيل» ومن ورائها الولايات المتحدة.
وزاد من حجم التدخل الإقليمي والدولي لهذا السبب، وغيره، أن الإدارة الأمريكية وضعت أولوية لسياساتها الخارجية، ما يصفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأركان إدارته، بالتصدي للنفوذ الإيراني وتقييد يد طهران في دعم الإرهاب في الشرق الأوسط.

وبالتالي، فإن الأزمة اليمنية تتحمل في الوقت الراهن أعباء الكثير من الأزمات والقضايا التي تتصل بالموضوع الإيراني في أطرافه الأخرى، فيمكن القول إن الأزمة والحرب الراهنة في اليمن، تختزل صراعاً إقليميًّاً ومشهداً دوليًاً أكبر بكثير من حيز النطاق الجيوسياسي للدولة اليمنية.

وثمَّة حقيقة مهمة أخرى وهي؛ أن التدخل الإيراني في اليمن ينطلق من أكثر من منطلق، ولا يقف عند مستوى نقطة الصراع الإقليمي على النفوذ، وإنما الأمر يتصل بصميم المشروع الإيراني الشامل في المنطقة الممتدة من آسيا الوسطى شرقاً، وحتى المغرب العربي وغرب إفريقيا غرباً.

لا يمكن فهم التدخلات الإيرانية في اليمن والدعم الذي تقدمه طهران لجماعة الحوثي، من دون فهم الإطار العام الذي يحكم السياسة الخارجية الإيرانية والمجالات الحيوية لها، وكيف تدير طهران تدخلاتها في شؤون الدول الأخرى، ومبدئيًّا، فإن هناك أربعة مجالات أساسية تتحرك فيها إيران على مستوى مجالها الحيوي، في الجناحين الأساسيين المحيطين بها من العالم العربي والإسلامي، شرقاً وغرباً، وهي:
- إقليم الهلال الخصيب والمشرق العربي، ويشمل العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن.

- إقليم القوقاز، ويشمل أذربيجان وأرمينيا وجورجيا وتركيا أو هضبة الأناضول.
- إقليم آسيا الوسطى، ويبدأ من شرق بحر قزوين وحتى الحدود الصينية الشمالية، بالإضافة إلى أفغانستان.
- الإقليم الجنوبي، الجزيرة العربية بالأساس، وفيه البحرين واليمن، وجهتان أسياسيتان لسياسات التدخل الإيراني.

ولقد أسس النظام الحاكم في إيران تدخلاته الخارجية على أكثر من ركيزة، من أهمها الركيزة الدستورية، فهناك أكثر من مادة في الدستور الإيراني تؤصِّل لهذه التدخلات، تحت شعارات إنسانية براقة، مثل «دعم المستضعفين» و «التلاقح الحضاري»، وغير ذلك.

ومن بين ذلك، ما جاء في الباب العاشر من الدستور الإيراني، حيث تضمن أربع مواد، هي: (152) و(153) و(154) و(155)، احتوت على عدد من المبادئ التي تُعتبر محددات للسياسة الخارجية الإيرانية، وأساساً مهمًّا للتدخلات الخارجية لإيران في الإقليم، ضمن مبدأ «تصدير الثورة».

ونركِّز في هذا الإطار على المادة (154) التي تتماس بشكل مباشر مع هذا الموضوع، وتنص على: «تَعتبر جمهورية إيران إن هدفها المقدس هو سعادة الإنسان في كل المجتمعات البشرية، وترى أن الاستقلال والحرية وإقامة حكومة الحق والعدل، هو حق لجميع شعوب العالم كافة، لذا فإن جمهورية إيران الإسلامية ستقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أي بقعة من العالم، وذلك دون أن تتدخل في الوقت نفسه في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى».

ويشبه هذا النص، ما نصَّت عليه المادة الثالثة من الدستور الإيراني، في البند (16) منها، حيث قالت: «تُنظَّم السياسية الخارجية للبلاد على أساس المعايير الإسلامية والالتزامات الأخوية تجاه جميع المسلمين، والحماية الكاملة لمستضعفي العالم».

وتمثل هذه النصوص وغيرها، الأساس الدستوري الذي تقوم عليه التدخلات الخارجية الإيرانية في شؤون الدول العربية وغير العربية، في مناطق الظهير الحيوي المختلفة التي يحددها النظام الإيراني كمجال لتحركات أدواته الخارجية.
وتتضمن هذه التحركات بالأساس دعم جماعات محلية معارضة تنتمي للمذهب الشيعي، كما كان الحال في العراق، خلال حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فقد اعتبرت نشاط المعارضة الشيعية العراقية من ضمن «النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أي بقعة من العالم»، وكذلك دعم «حزب الله» في لبنان وجماعة الحوثيين في اليمن والمعارضة الشيعية في البحرين، وغير ذلك.

وفي هذا الإطار، نجد تناقضاً، سواءً بين النصوص بعضها البعض، أو بين هذه النصوص والممارسة السياسية الخارجية لطهران، فالمادة (154) تتحدث عن «دعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أي بقعة من العالم» وفي ذات الوقت «دون أن تتدخل في الوقت نفسه في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى»، وهو أمر من المستحيل تفاديه في حال حصول هذا الدعم.. كما أن الانتقائية واضحة في هذا الأمر لدى طهران، فغالبية الأطراف التي تدعمها إيران في بلدان المشرق العربي والإسلامي تحت بند «نضال الشعوب»، هي من الشيعة، سواءً أحزاباً سياسية أم مجموعات مسلحة تسعى لتغيير الواقع السياسي والاجتماعي القائم.. ولمزيد من الإيضاح، فإن إيران تستخدم مجموعة كبيرة من الأدوات في سياساتها الخارجية من أجل توسيع قاعدة نفوذها وتأثيرها على الصعيدَيْن الإقليمي والدولي، وتتنوَّع بين أدوات القوة الناعمة والخشنة، بما في ذلك القوة المسلَّحة، سواءً التي تحمل الهوية الإيرانية كجهاز رسمي ويمثل «الحرس الثوري» وذراعه الضاربة «فيلق القدس» الوسيلة الأساسية لهذه الأداة، أم غير إيرانية من خلال وكلاء وحلفاء محليين مثل «حزب الله» اللبناني و «الحوثيين» في اليمن.
مثلما لا يُعدُّ التدخل الإيراني في اليمن بدعاً من الإستراتيجية العامة للدولة الإيرانية، فإنه كذلك لا يختلف في آلياته عن الآليات التي يتبناها النظام الإيراني في تثبيت نفوذه الإقليمي.

إدارة ملف الحرب في اليمن
أول حقيقة ينبغي إدراكها في هذا الصدد، أن إيران من خلال إدارتها لملف الحرب في اليمن وتوظيفها لجماعة الحوثيين، لا يهمها مستقبل الدولة اليمنية، أو وقف إطلاق النار بالشكل الذي يحقق النواحي المتعلقة بالاعتبارات الإنسانية على الأرض، فإدارة ملف الحرب في اليمن رهينٌ لدى طهران بأمرَيْن: الأول هو تمكين الحوثيين بأي صيغة من الصيغ التي تضمن سيطرتهم على الوضع في اليمن، ولو كان الثمن اللجوء إلى خيار تقسيم البلاد، الأمر الثاني هو إدارة ملف الحرب بالصورة التي تتفق مع ملف العلاقات التنافسية التي تحولت إلى علاقات صراعية صريحة في السنوات الأخيرة، بين إيران وأطراف أخرى في المنطقة.

التدخلات الإيرانية في اليمن كانت أحد أهم أسباب اندلاع الحرب الحاليّة، فدعم إيران للحوثيين سابق على الانقلاب الذي قاموا به في سبتمبر 2014، وإيران، منذ أن اندلعت الفوضى في اليمن، في فبراير 2011، وهي تتحضّر لنقل الموقف في هذا البلد لمرحلة تالية، من أجل تمكين وكلائهم المحليين هناك، ممثلين في الحوثيين، من أجل استكمال مخططاتهم في «تصدير الثورة».

أهمية اليمن على وجه الخصوص بالنسبة للمشروع الإقليمي الإيراني، أنه يستكمل تطويق المملكة العربية السعودية، الخصم الأكبر والأهم لإيران ومنافسها الإقليمي الأقوى جنوباً، وتوسيع سيطرة إيران على الممرات البحرية الإستراتيجية، كورقة تلعب بها في علاقاتها مع القوى العظمى.

حدود الحرب اليمنية
في هذا الإطار، فإن الحرب في اليمن لا تقف عند حدود هذا البلد، ولم تؤدِّ الفوضى التي قاد إليها التدخل الإيراني والتدخلات الإقليمية الأخرى في اليمن، إلى الأزمة الحاليّة هناك، وإنما قادت إلى مشكلات أكبر على المستوى الإقليمي والدولي، منها ما يمس مصالح الأمن القومي لقوى إقليمية ودولية كبرى مثل مصر والإمارات والسعودية والولايات المتحدة وأوروبا الغربية.

ولا يبدو -في المقابل- أن العقوبات الأمريكية قادرة على احتواء النفوذ الإيراني أو تقييد يد طهران، في ظل -كما تكشف تطورات الملف النووي الإيراني- تقديم الغرب تنازلات لإيران في مقابل الأدوار الأمنية المهمة التي تقوم بها إيران في ملف مكافحة التنظيمات الراديكالية السُنِية، في قطاع عريض من أخطر المناطق الجيوسياسية في العالم، الممتد من أفغانستان وحتى ساحل البحر المتوسط في لبنان وسوريا مروراً بالعراق.

وهو نفس المنطق الذي دفع إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، إلى تقديم المصالح الأمنية مع طهران على حساب الأمن القومي العربي، وهو ما يحاول ترامب وقفه، ولكن بصعوبة، لأن المؤسسات الحاكمة في الولايات المتحدة تعمل وفق منظومة سياسات طويلة المدى، فيها إيران عاملٌ مهم للإستراتيجية الغربية في الشرق الأوسط من أكثر من زاوية: الأولى هي مكافحة التنظيمات الراديكالية السُّنية وإعاقة أي إمكانية لالتقاء مناطق نفوذها من أفغانستان وباكستان، وفي المشرق العربي، أو استقرارها من الأصل في مناطق بعينها.

الزاوية الثانية؛ أن إيران هي الفزاعة التي تضمن ابتزاز أموال دول الخليج العربية في صفقات سلاح و «رشاوى» ممثلة في مشروعات وتمويل مصانع وبورصات الولايات المتحدة والغرب، ولو اختفت إيران لاختفت الحاجة إلى القواعد العسكرية الغربية في دول الخليج ولاختفت ضرورة صفقات السلاح الضخمة التي تقدَّر بمئات المليارات من الدولارات، وبالتالي؛ فإن الملف الإيراني وظيفي بالنسبة للغرب، ولذلك لن يمكن الحديث عن سلام في اليمن أو استقرار في المنطقة في مواجهة التدخلات من هذه القوى كإيران وتركيا، من دون أمرَيْن:

- إعادة تفعيل مظلة النظام الإقليمي العربي وتوطيد علاقات التعاون الأمني والسياسي الإستراتيجي بين الدول العربية، أو على الأقل الدول التي يمكن لها أن تحقق ضمانة دفاعية وأمنية في مواجهة هذه القوى.
- تقييد يد الوكلاء المحليين لإيران وتركيا وغيرها من هذه القوى مثل الحوثيين في اليمن والإخوان المسلمين في دول أخرى.
ومن دون ذلك، لن يمكن الحديث عن أي استقرار أو سلام في منطقتنا العربية ومنها اليمن بطبيعة الحال!
عن «نون بوست»​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى