اشتهرت مدينة عدن منذ القدم بأنها أرض الثقافة ومنبع العلم عبر أجيال متعاقبة، ومنها أنجبت المنتديات التي أصبحت جزءا من تراثها الثقافي والفني يجتمع فيها الفكر والعلم عبر نقاشات المفكرين والسياسيين والاجتماعيين والمتخصصين في شتى المجالات التي يرجع أثرها للمجتمع، ومع مرور السنوات أصبحت هذه المنتديات تلعب دورا كبيرا في صنع الرأي بالرغم من افتقارها للدعم من قبل الجهات المختصة حتى تواصل بقوة في صنع القرار.

يقول عميد الصحافة العدنية نجيب يابلي ورئيس منتدى “اليابلي”: “إن عدن سيدة مدائن الجزيرة والخليج، وإذا وقفنا أمام التاريخ القديم والوسيط والحديث سنرى عدن متقدمة على الخليج والجزيرة بشتى المجالات ومن ضمنها المنتديات التي لعبت في هذه المدينة قديمًا أفضل بكثير من هذا الوقت في طرح الآراء وتأثيرها، وعموما المنتديات في ظل عدن الدولة كان لها تأثير، أما غير عدن العاصمة فليس لها إنصات أو تأثير بالشكل المطلوب، وفي عدن أيضاً كانت هذه المنتديات وعاشت بوجود المجلس التشريعي، ومحاضر هذا المجلس ما تزال موجودة مع البعض، ومثلت عصرًا مزدهرًا لهذه المدينة التي شهدت عدة منتديات، أبرزها منتدى “العراسي”، وكان عميده عبد المجيد الأصنج، وهدفه بارز تنويري وثقافي، إذ كان يطرح فيه الموضوعات والبقية يقدمون ملاحظاتهم حلو ما ورد فيه”.

وأضاف في تصريحه لـ “الأيام”: “حقيقة أن هذه المنتديات كانت تنويرية وتثقيفية وإصلاح ذات البين وكانت من مهامها مناقشة كل القضايا التي تشهدها، ومن هذه المنتديات أيضاً منتدى “الدوبي” في التواهي، وفي كريتر منتدى “العيدروس، و “الموشجي”، ومن القضايا التي كان يناقش فيها مشاكل المدرسين وغيرها، وبهذا نستطيع أن نقول إنها شكلت طاقة شمسية لا تنضب، وظلت فاعلة أيضاً بعد الاستقلال وحتى هذه اللحظة، تقوم باستقبال الدكاترة والمتخصصين لمناقشة القضايا وطرح الأفكار، بالإضافة إلى استقبال مجالس العزاء والمناسبات والنقاشات، ويتم من خلالها إلقاء الكلمات وغيرها”، واستدرك بالقول: “لهذه المنتديات في الوقت الحالي دور، ولكن في ظل هذا الوضع العصيب لا ينفع وحالها في عدن تحفر بأظفارها في ظل وضع غير مدني، والسبب أن الوضع في عدن أصبح حاليًا وضعًا قبليا”.

█ تدارس الأوضاع وطرح الحلول
وقال فؤاد علي سالم، القائم بأعمال منتدى “الطيب الثقافي الاجتماعي”: “لعبت المنتديات في عدن دورًا حقيقًا وكبيرًا في بداية الحرب، ومن خلالها وجه ممثلوها وكذا الشخصيات والواجهات بمحافظة عدن رسالة إلى رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي وإلى رئيس الوزراء السابق خالد بحاح ومحافظ عدن السابق نايف صالح البكري بهذا الخصوص، وقد تداعت عبر ممثلين لها وعقدوا لقاءات ابتداء مع محافظ عدن السابق، وذلك لتدارس أوضاع المحافظة بعد الانتصار على الحوثيين، كما لعب منتدى “الطيب” دورًا مهما في معالجة الوضع الأمني والمعيشي لعدن، وشكل تحالف مع المنتديات والشخصيات المجتمعية والواجهات في عدن وخصوصًا بعد حرب 2015م والتي تعرضت فيها عدن للقتل والتدمير، وبهذا الخصوص تقدم منتدى “الطيب” بمقترح على أن تضم جميع المنتديات إلى جملة من الإجراءات والتواصل مع السلطة المحلية لتكون عونا لها، وقد نفذت فعاليات كثيرة منها الفنية والثقافية بقيادة الفنان عبد العزيز مقبل الذي حافظ على التراث العدني الأصيل، وكذا في الجوانب الصحية والزراعية”.

وأشار في حديثه لـ “الأيام” إلى أن “هذا المنتدى الذي تأسس عام 1983م في المنصورة يتواجد فيه جميع الأحزاب، وأجمل ما فيه هناك آراء متنوعة، وأثناء الحرب ضم كثيرا من الشخصيات، وكانت تحدث لقاءات فنية ورياضة وسياسية، وكانت هذه المنتديات في الماضي للمقيل وللفن والكلام العادي أو زائر من الدولة أو من المحافظة، لكن الآن العكس أصبحت تستضيف مسئولين لطرح الآراء لهم”، مطالبا السلطة المحلية بـ “دعم هذه المنتديات، خصوصًا في جانبي الكهرباء والماء”.

█ رمز لعدن
وتحدث رئيس منتدى بن جازم الثقافي في مديرية الشيخ عثمان جميل جازم عن دور المنتديات في عدن بالقول: “منتدى بن جازم الثقافي له نشاط أسبوعي أي كل أربعاء، وتمثلت أبرز الأعمال التي قمنا بها منذ بداية نشاطه من أول يوم من يناير عام 2014م في تنفيذ الأمسيات ويتجاوز عدد 200 أمسية متنوعة بين التاريخ والأدب والطب والشعر والفنون والاقتصاد، يتحدث فيها أكاديميون ومهندسون وأطباء وأدباء ومثقفون وباحثون، ولمن يريد متابعة أعمالنا للمنتدى قناة يوتيوب خاصة بالأمسيات مسجلة صوتا وصورة، ويوجد مكتبة خاصة بالمنتدى لمن يريد الاطلاع تحتوي على أكثر من 300 كتاب تم من خلاله ربط المنتدى بجامعة عدن لاستقطاب بعض الدكاترة المختصين في مختلف المجالات وإشراكهم بأعمال المنتدى، ومن أعمالنا أيضاً يوجد صندوق رعاية الصحية لرواد المنتدى باشتراك شهري إذا قدر الله لأحدهم وعكة صحية بقدوم المنتدى بدفع مساعدة مالية للمريض مباشرة”، مشيراً في ختام حديثه لـ “الأيام” إلى أن “المنتدى أصدر مجلة لنشر الأمسيات التي تقام بالمنتدى لتوصل المعلومات إلى خارج، لكون المنتدى منبرا من منابر التوسع الثقافي والمعلوماتي في ترشيد المجتمع الداخلي والخارجي عن أن عدن تعيش سلاما وأمنا واستقرارا”.

█ أقدم المنتديات
وأضاف سمير أحمد مسعد الضالعي، رئيس منتدى أحمد مسعد الضالعي: “تأسس هذا المنتدى عام 1960م، ويُعد من أقدم المنتديات في عدن وفي منطقة الشيخ عثمان في شارع ظفار بحي الهاشمي، وكان وما زال حتى الآن يؤدي دورًا بارزًا في المجالات والأنشطة المختلفة، وخلال فترة الكفاح المسلح كان يتقاطر إليه الكثير من الشخصيات الوطنية التي ساهمت في الكفاح المسلح سواء من جبهة التحرير أو الجبهة القومية، وكان يتوافد إليه الكثير من المناطق القريبة من عدن وتحديدًا من الضالع، كون أبناء الضالع كانوا يعتبرون هذا المنتدى نقطة وصل بينهم، كما أن موقع هذا المنتدى في شارع ظفار جعله قريبا من أهم ناديين رياضيين في الشيخ عثمان (نادي الهلال ونادي الفيحاء)، فضلا عن أنه قريب من حافة السلاطين، ولهذا نستطيع القول إن مناضلي الجبهة القومية أمثال الشهيد سالمين وعلي شايع وعلي عنتر وغيرهم قد تشرفوا بالمرور بهذا المنتدى، وفي فترة ما بعد الاستقلال ظل هذا المنتدى من خلال صاحبه الحاج أحمد مسعد ناشر مركزا فعالاً من الإسهام في الكثير من القضايا الوطنية في مراحل مختلفة ومنعطفات حساسة، كما يعتبر هذه المنتدى نقطة للجمع لا للتفريق ونقطة لجمع جميع الأطياف، وذلك تمثل من خلال رواده الذين كانوا من جميع الأطياف السياسية والاجتماعية”.

وقال في حديثه لـ “الأيام”: “كان المنتدى ومازال إلى الآن يقوم بدور إيجابي، حيث إن معظم رواده من مستويات مختلفة وينظم إليه طيف مختلف من أكاديميين ومعلمين وقادة عسكريين وعمال ومدراء عموم وغيرهم من مكونات المجتمع ونشطاء سياسيين ورياضيين من الأندية المختلفة، فضلاً عن إسهامه بالحفاظ على كثير من الأطفال والشباب من طريق الانحراف، وهذا دور كبير لعبه المنتدى خلال فترة وجوده ومازال حتى اليوم يلعبه عبر السماح لأحد مدربي كرة القدم في الشيخ عثمان وهو الكابتن محمد عبدالقادر البوزة مدرب فريق أشبال الهاشمي، أن يجعل المنتدى منطقة لقاء للفريق ونقطة انطلاق لأجل نشر ثقافة الرياضة ولأجل الإسهام في جمع الشباب والحرص عليهم بعيدا عن الظواهر السلبية، كما أن الكثير من سكان المنطقة يلجؤون إلى المنتدى لحل المشاكل الاجتماعية ولم يتخلَ عن السكان يوما، كما أسهم المنتدى خلال فترة الحرب في جمع صفوف الشباب والعمل على حماية الممتلكات الخاصة والعامة وحماية الأرواح من أبناء كافة المناطق، وكان هذا الدور مشهودا له ولا يستطيع أحد إنكاره”.

█ دور توعوي
أما المستشار محمد عبد المجيد الحريري، رئيس منتدى الحريري للتصالح والتسامح بمديرية التواهي، فقال: “المنتديات تلعب دورًا مهما في نشر الوعي بين مختلف فئات المجتمع، والفرق بين منتديات الأمس واليوم هو تطور الثقافة واستنهاض كثير من المعارف التي تلازم الحياة وهي ذات بعد إنساني واجتماعي وثقافي، حيث نلاحظ أن تأثيرها ينعكس على المجتمع بطرق توصيل هذه المعلومة للناس ومحاورتهم والاستماع لهم والوصول إلى قاعدة مشتركة قد يقتنع فيها الكل أو الجزء، ولهذا يجب احترام كل الآراء لما فيه خدمة الإنسان، فمن خلال ما يقوم به رواد المنتدى أو المثقفون في التواصل بين الفئات الاجتماعية في المنتديات هو في الحقيقة تجسيد حي للروح الاجتماعية والثقافية بين الجميع، وهذا الأمر يقوي ويعزز العلاقة لمختلف جوانب الحياة وبنفس القدر يؤدي إلى استنهاض الإنسان على معرفة وقراءة المتغيرات بعقل منفتح على الجميع، والمنتديات بشكل عام تمثل كثير من الآراء ذات الأهمية الكبيرة وترتبط بالوعي الاجتماعي، لأنه من الضروري أخذ تلك المنتديات على عاتقها رفع الوعي الاجتماعي من خلال نشره في المجتمع”.

وطالب الحريري المنتديات بـ “إقامة فعاليات صغيرة يمكن من خلالها أن يخصص مناقشة مواضيع ذات أهمية وجدانية بالنسبة للمجتمع، وكيف تحث الإنسان على أن يسلك في ثقافته النظافة وكيف يحمي البيئة وكيف يتعامل في الشارع مع النظافة وأسلوبها، وتوجيه الآخرين لهذا السلوك يعطي انطباعا جيدا لنشر الوعي بين الناس فيما يخصهم في الخدمات”.
وقال: “نحن في هذا المنتدى تناولنا العديد من القضايا المرتبطة ليس بمحدودية الثقافة والفكر، ولكن مثلا في المفهوم الريادي والثقافة الرياضية والأندية الرياضية وأهميتها وكيف أن نستخلص من هذه الآراء والأفكار ما يلائم أبناءنا في النهوض بالرياضة في هذا الحي أو ذاك، كما ناقشنا على مستوى المنتدى كثيرا من الحالات الأخرى مثل التعليم وأهميته وظاهرة الغش وكيف توجيه الطلاب وكيف الالتقاء بالإباء والإدارات المدرسية، باعتبار أن هذا جهدا مجتمعيا لابد من تعزيز التلاحم بين المدرسة والمجتمع، وهذا عمل ثقافي واجتماعي”.

وأكد الحريري في ختام حديثه لـ “الأيام” أن “المنتديات يقع عليها دور كبير في تعزيز العلاقة بين المفكر والمثقف وبين الفئات الأخرى باختلافها، وكذلك في تنمية الوعي الاجتماعي نحو الانفتاح العقلاني الذي يؤدي إلى نتائج مثمرة لمختلف التوجهات والأعمال المراد إقامتها، ونتمنى من المنتديات أن تتسع وتنفتح في مجال الحوارات على مختلف الفئات الاجتماعية وتحفزهم على التصالح والتسامح”.

█ الافتقار للدعم
وقال الدكتور في قسم الجغرافيا بكلية التربية جامعة عدن، صلاح سالم: “نحن نرتاد هذه المنتديات باستمرار، لكونها ملتقى لكثير من المثقفين من مختلف المجالات، منهم المتخصص في الطب أو العلوم الإنسانية أو التربوية أو العسكرية، فالمنتديات دورها التنويري كبير مثل إقامة المحاضرات عن البلد وجوانب تنموية وثقافية وتوعوية، وهذا يخدم المجتمع ولا يخدم أشخاصا، ومن داخل هذه المنتديات من يتحول إلى مستشارين للوزراء وللمحافظة، ولكن للأسف المنتديات هذه لا تتلقى الدعم من قبل مكتب الثقافة أو الإعلام ولو بسيطا كي يساعد على ثبات هذه المنتديات ونشاطها، حيث تقدم مجهودا ولا تتلقى الجهات المختصة منها شيئا”.

وأضاف د. عبدالله باشراحيل، وهو عضو منتدى الفقيد “النجاشي” في الشيخ عثمان: “لا شك أن المنتديات في عدن بدأت في الأربعينات من القرن الماضي، كما أنها مستمرة في استضافة الأدباء والفنانين والسياسيين، حيث يعد هذا المنتدى من أهم المؤرخين للرياضة في عدن، لكون مؤسسه هو أحمد النجاشي الذي تأسس قبل سبع سنوات”.
ولفت في حديثه لـ “الأيام” إلى أن “هذه المنتديات شاركت في كثير من المشاركات الثقافية والفنية في عدن، ولكن مع الأسف هناك تقصير في دعهما من قبل الجهات الخاصة بل ومظلومة ولا تحظى بأي دعم بالرغم أن كثيرا من القيادات على مستوى المحافظة وبعض الوزراء كانوا من رواد هذا المنتدى، ولكن للأسف أول ما تم تعيينهم نسوا كل هذه المنتديات والدور الذي كانت تقوم بها من حيث الرعاية”.

█ نشاط متجدد
وقال د. عثمان محمد نعمان، وهو أكاديمي في جامعة: “تُعد المنتديات واحدة من أهم مظاهر النشاط الاجتماعي في مدينة عدن عبر تاريخها الممتد، وقد شكلت ملاذًا للعديد من المبدعين والناشطين في كافة المجالات، وكان لكل حي من أحياء هذه المدينة عدد من المنتديات اندثر بعضها بفعل المتغيرات الكبيرة التي مرت بها المدينة، ولكن بالمقابل ظهرت منتديات أخرى لتواصل هذا النشاط في مدينة لا تستطيع أن تعيش دون أن يكون لها نواة تتشكل من خلالها شخصيتها وطابعها الحضري والمدني”.

وأضاف قائلا: “لعب منتدى الحاج أحمد مسعد ناشر دورًا كواحد من أهم وأقدم منتديات الشيخ عثمان بتاريخه الممتد من خمسينيات القرن الماضي، وساهم عبر رواده وأصحابه في رفد كافة الأنشطة الاجتماعية والسياسية والثقافية والتعليمية والرياضية من خلال إقامة الندوات واستضافة الشخصيات التي أسهمت في صناعة القرار السياسي والاقتصادي ودعم  إقامة العزف الشعبية واستضافة المناسبات الاجتماعية المتنوعة، كما تقام ندوات لتقيم جديد الكتب وتدارس تأثير المستجدات على الساحة الإقليمية والدولية وأثرها على الساحة المحلية، وغيرها من الأنشطة، وأهم ما تقدمه المنتديات هو جمع الناس ولم شملهم، مما يساهم في زيادة تعارفهم ومناقشة همومهم اليومية”.

وأضاف عمر عبدالله عباد، وهو عضو في منتديي “يابلي والطيب” بالقول: “المنتديات ظاهرة في عدن موجودة منذ فترة طويلة، وهي ظاهرة إيجابية يتم من خلالها مناقشة قضايا المجتمع ولها دور كبير في كثير من المجالات، فضلاً عن التعاون في مناقشة التعليم ومؤازرة الآخرين في طريقة حل قضاياهم عبر رفد الكوادر التعليمية والنخب بكثير من الأفكار والآراء التي تعزز من قيم أعمالهم”.