من بستان النبوّة

> إعداد/ هاشم الخضر السيّد

> قال رسول الله ﷺ: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وشبك بين أصابعه»، رواه البخاري.
فهذا تبيين من النبي ﷺ يفيد الحث على معاونة المؤمن لأخيه المؤمن ونصرته وأن ذلك أمر لابد منه، فهو شيء متأكد، كما أن البناء لا يتم ولا تحصل فائدته ولا يتحقق الغرض منه إلا بأن يكون بعضه يمسك بعضًا، بحيث يشد بعضه بعضًا ويقويه، وإلا تنحل أجزاؤه، وينفرط نظامه ويختل بنيانه، ولذلك تجدون أن الذين يبنون يخالفون فيما يضعونه من اللبِن ونحوه، بحيث يكون ذلك أدعى إلى قوته، حتى إنهم لربما إذا بالغوا في تقويته وضعوا الرصاص فيما بين تلك الأحجار، وهذا أحد المعاني في قوله -تبارك وتعالى: كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ [الصف:4]، قال بعض أهل العلم: كأنهم بنيان مرصوص أي: شُد بالرصاص، وبعضهم فسره بالظاهر المتبادر مرصوص أي يرص بعضه بعضًا ويقويه.

فالمؤمن كالبنيان لا يستقل بأمور دينه ولا بأمور دنياه، ولا تقوم مصالحه على الوجه المطلوب إلا بالمعاونة، والمعاضدة بينه وبين إخوانه، فإذا لم يحصل هذا وانشغل كل واحد بنفسه فإن ذلك مؤذن بتفكك الأسرة والمجتمع، وكم رأينا كثيراً من المشكلات التي تشيب لها المفارق، ولا تقوم الجبال لحملها، ولربما عجز الناس عن حلها، والسبب أن هذه الأسرة التي وقعت لها هذه المشكلة لا يعرف بعضهم بعضًا، فهذا أحدهم يصارع الهموم والأحزان والآلام ولا يجد معيناً ومساعداً من أسرته.

وفي كل يوم نسمع أشياء عجيبة من هذا الباب، تجد أحدهم فتسأله أليس لك أب، أو أخ، أو أقرباء؟، فيقول: أسرتي مفككة وممزقة، كل واحد مشغول بنفسه، فلا شك أن بعضًا من هؤلاء يرتمي في أحضان الشياطين، فيقع في المخدرات، والفتيات يكنّ فريسة للذئاب البشرية، والزوجة قد تقتل نفسها، أو تبيع عرضها ولو نكاية بأهلها الذين ضيعوها وأهملوها، ولم يسمعوا منها مشكلاتها، فهي بحاجة إلى أن تفرغ عن بعض مكنونات نفسها، فلا تجد أحداً يسمعها إلا ذئباً من هذه الذئاب البشرية، فيظهر لها الشفقة والعطف والمحبة وما أشبه ذلك حتى يوقعها في حباله، لكن إذا كانت الأسرة مترابطة مع بعضها، فيسمع الأب لأولاده البنين منهم والبنات، وكذلك الأم، والجار يتفقد جاره ويعرف حاله، حصل بذلك أمن للمجتمع، وقُطع الطريق على شياطين الإنس والجن الذين يأتون ويصطادون في مثل هذه البيئات المفككة ويجدون بغيتهم فيها.

المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، فهذا الحديث فيه تصوير وتوضيح لهذا المعنى بصورة حية ظاهرة يدركها كل أحد، فهي تقرب المعنى المعقول بالصورة المحسوسة، فينبغي للعبد أن يعرض نفسه على هذا الحديث، هل هو لإخوانه كالبنيان يشد بعضه بعضًا أو لا؟.​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى