غزوات وأحداث رمضانية

> إعداد/ هاشم الخضر السيّد

>
فتح الأندلس
لما أتمَّ المسلمون فتح بلاد المغرب «كان فتحُ العرب الأندلسَ امتدادًا طبيعيًا بعد أن تمّ لهم فتحُ الشمال الإفريقي». فكان دخول الإسلام في أرجاء شمال أفريقية إشارةٌ واضحةٌ على انطلاق حركة الفتح الإسلامي لاحقًا إلى الضفّة الأخرى، إلى شبه جزيرة إيـبـيريا التي عُرفت لاحقًا بمسمّى الأندلس.

بدايات فكرة فتح الأندلس
كانت فكرة الفتح الإسلامي للأندلس تعودُ إلى زمن الخليفة عثمان بن عفّان رضي الله عنهُ؛ وذلك أنّ عقبة بن نافع الفهري كان يفكّرُ في اجتياز المضيق من أفريقية إلى إسبانيا لو تيسّرَ لهُ ذلك.
كما أنّ موسى بن نصير قبل فتح الأندلس بسنوات كانَ قد أرسلَ ابنه عبد الله سنة 89هـ ففتح جزائر الأندلس الشرقية أو جزر البليار: ميورقة، ومنورقة، فكان هذا الفتحُ المبكّرُ أيضًا أحد عوامل تيسير فتح الأندلس لاحقًا.

سرايا ما قبل فتح الأندلس
ولـمّا شرعَ المسلمونَ في فتح الأندلس سنة 92 هـ بقيادة طارق بن زياد، ثمّ بمعية موسى بن نصير لـمّا دخلَ لاحقًا، كان أن أرسلوا سرية استكشافية بقيادة طريف بن مالك في رمضان سنة 91 هـ كان المقصدُ منها سبرُ الأحوال والأوضاع قبل دخول الأندلس. وقد عُرفَ الموضعُ الأوّلُ الذي وطأتهُ أقدامُ هذه السريّة بـ(جزيرة طريف) نسبةً إلى قائد هذه السرية، وتعرفُ إلى اليوم بـ (Tarifa)، وكانت سريِّتهُ مكونةٌ من 400 رجل معهم 100 فرسٍ عبروا المجاز في أربع مراكب.

العبور الأول لجيوش المسلمين
كان طارق بن زياد آنذاك واليًا على طنجة، فعبرَ بمن معهُ من المسلمين في سبعة آلاف رجل متّجهًا إلى الأندلس في رمضان سنة 92هـ، وذلك بعد نجاح سرية طريف بن مالك، وذلك بعد إذنٍ لهُ من موسى بن نصير بدخول الأندلس.
وكان أوّلُ منزلٍ نزلهُ في الأندلس عند المضيق على جبلٍ صخريٍ سمّيَ (جبل طارق = Gibraltar)، وما زالَ هذا المضيقُ يحملُ هذا الاسم الذي سجّل لهُ في تاريخ المسلمين صفحات مشرقة، كما عرفَ هذا الجبلُ باسم (جبل الفتح).

وتسمّى المنطقةُ الواقعةُ بين أوروبا وشمال أفريقية أيّ منطقة المضيق (مضيق جبل طارق) بـ المجاز أو الزّقَاق.
وقد بلغَ عددُ جيش طارق بن زياد 7 آلاف مقاتل أكثرهم من البربر، مع وجود بعض العرب في الجيش الداخل إلى الأندلس.

وذهبَ بعضُ المؤرّخينَ كالإدريسيّ إلى أنّ طارقًا قد أمرَ بإحراق السفن فور عبوره المضيق تشجيعًا لجيشه على مقارعة العدو، وقد ذهب عددٌ من المؤرخين المعاصرين إلى أنّ ذلك لا يصحّ.

أوّلُ الفتوح
وكانت أوّل مدينةٍ افتتحها طارقُ قبلَ لقائه بلذريق (قرطاجنّة)، قيل اسمها «قَرطاجة».
وكان أن علم لذريق ملك القوط بدخول المسلمين بلاده عن طريق أحد أمرائه المعروف بـ (تدمير) المنسوبُ إليه إقليم تُدمير شرق الأندلس، فسارع للقاء طارق وجيشه قبل توغلهم في البلاد؛ فحشدَ جيشًا كان عدادهُ قريبًا من مائة ألف، فلمّا علم طارق بما حشدهُ من المقاتلين إلاّ أن أرسل إلى موسى بن نصير يطلبهُ المددَ، فأرسلَ إليه خمسة آلاف مقاتل. ويعدّ هذا المددُ هو العبورُ الثاني لجيوش المسلمين.

وكان أن تقابلَ الجيشان في موضعٍ اسمهُ وادي لكّة في 28 رمضان سنة 92 هـ؛ فكان أن انتصرَ المسلمون على القوط انتصارًا ظافرًا، وقد أسفرت هذه المعركة الفاصلة عن مقتل لذريق أو غرقه، وانقسام جيشه بين مقتولٍ ومأسورٍ وفارٍ، فكانت هذا المعركة سببًا لحسم أمور فتح الأندلس، وحول ذلك يقول الدكتور محمود مكّي: «وبهذا الانتصار انفتحت أبواب الأندلس لطارق بن زياد».
وبادر طارق فور انتصاره إلى مهاجمة مدينة إستجة فتقاتل مع حاميتها ومن فرَّ إليها من المنهزمين، فتمكّن من هزيمة من بها وفتح هذه المدينة.

وكان قبل فتحه لإستجة قد فتح عددًا من المدن الأندلسية الجنوبية؛ وهي: شذونة وقد فتحها بعد حصارٍ قصيرٍ، مورور، قرمونة، إشبيلية وكان أن فتحها صلحًا دون قتال.
ومن إستجة أرسل طارقُ مغيثًا الرومي في 700 رجل لفتح قرطبة ففتحها. كما أرسل سرايا لفتح كلٍّ من: مالقة، وغرناطة، ومُرسية، فتمّ للمسلمين فتحها بكلّ سهولة.

توّجهَ طارق بعد ذلك إلى طليطلة عاصمةُ القوط، فوجدها شبهَ خاليةٍ من أهلها الذين فرّوا من المسلمين، فاستولى عليها ثمّ فتح كلاًّ من: وادي الحجارة)، ومدينة المائدة، ويرى الدكتور عبد الرحمن الحجّي أن مدينة المائدة لعلها قلعة هنارس) المعروفةُ أيضًا بـ(قلعة عبد السلام). ثمّ رجعَ طارق بعد ذلك إلى طليطلة.

العبورُ الأخير لجيوش المسلمين
وكان أنْ دخلَ موسى بن نصير الأندلسَ في رمضان سنة 93 هـ ومعه 18 ألفًا، وقد عُرف الموضعُ الذي انطلق منه في المغرب نحو الأندلس عند دخولها بـ(جبل موسى) وقيل (مرسى موسى). وبعد أن لقي طارق بن زياد توجها سويةً إلى سرقسطة لفتحها وفتح ما حولها من المدن، ثمّ حين أمرهُ الوليدُ بالعودة؛ رجعَ منها ومعهُ طارق.
وكان أوّلَ فتوح موسى في الأندلس مدينة شذونة، افتتحها عنوة، ثمّ فتحَ قرمونة عنوةً أيضًا، ثمّ فتحَ إشبيلية بعد أن حاصرها أشهرًا، ومنها انطلقَ غربًا إلى ماردة فافتتحها بعد حصار وحروب في شوّال سنة 94 هـ، ثمّ ثار أهل إشبيلية على من بها من حامية المسلمين فقتلوهم، فأرسل موسى بن نصير ابنه عبد العزيز فأعادَ افتتاحها وقتل من بها، كما قامَ عبد العزيز أيضًا بفتح لبلة.

لقاءُ موسى وطارق
بعد أن أتمّ موسى بن نصير فتح المدن السابقة انطلق إلى طليطلة يريدُ طارق بن زياد، فخرج إليه طارقٌ فلقيه في طلبيرة، ثمّ انطلقا من طليطلة إلى سرقسطة فافتتاحاها وما حولها من المدن في الثغر الأندلسي الأعلى.
وبعد أن أتمّا فتح أكثر بلاد الأندلس خرجا منها إلى الشَّام بعد أن أمرهما الخليفة الوليد بن عبد الملك بالعودة، فاستخلف موسى ابنهُ عبد العزيز فكانَ أوّلَ ولاة الأندلس بعد حركة الفتح، وكان أن اختار إشبيلية قاعدةً للأندلس، وقد قام ثالثُ ولاة الأندلس: الحرُّ بن عبد الرحمن الثقفي بنقل مقرِّ الإمارة من إشبيلية إلى قرطبة.

فتوحات عصر الولاة
ولم تتوقّف حركة الفتح الإسلامي في الأندلس بمجرّد خروج موسى وطارق، فقد قام بقية ولاة الأندلس باستكمال حركة الفتح الإسلامي فيما وراء الأندلس في سهول فرنسا وما جاورها، أمّا في الأندلس (وهذا الذي يعنينا) فقد استشهد والي الأندلس السمح بن مالك الخولاني سنة 102هـ في إحدى غزواته عند طرسونة.
وهذا والي الأندلس عقبة بن الحجّاج السَّلولي الذي وليها سنة 116هـ قد فتح بنبلونة وجلِّيقية «وعمّتْ فتوحاتهُ جليقية كلّها غيرَ الصخرة».​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى