"عرجاء حير مائة كلب"

> منصور الصبيحي

>
منصور الصبيحي
منصور الصبيحي
العرجاء في قاموس اللغة العامية بلهجاتها الدارجة المحلية تعني "أنثى الضبع"، وعلى حسب ظني أنها تحريف للفظ المتداول في اللغة العربية الفصحى الأم (عرفاء)، سميت بذلك نسبة للعرفِ الممتد في أعالي الظهر من الرأس حتى الذنب، المتميزة به كخط يكون أقرب بين البياض والسواد عن باقي لونها المعروف، وقد ذُكر ذلك اللفظ في بيت من "لاميًة العرب" للشاعر الصعلوك في العصر الجاهلي (الشنفرى) بقوله:
ولي دونكم أهلون سيد عملس
وأرقط زهلولٍ وعرفاء جيألُ
 
ولسبب القول، وما جرّنا لذلك، وضع الشرعية المتشابهة مع وضع العرجاء التي تتصف، نوعاً ما، بالضعف مجاراة مع غيرها من الحيوانات المفترسة الأخرى، فهي لا تقوى على الملاحقة بمفردها وما تصرعه فقط يكون من الحيوانات التي لا تتميز بالسرعة والقوة. وجرت العادة أن تكون ممتلكات المزارعين في الأرياف اليمنية من الضأن والماعز عرضة لفتكها، ولأنها كثيرة الشهرة ثم التواجد على واقع اليمن، وقد صنعت حولها العديد من الحكايات والأقاويل، حتى قيل في المثل الشعبي (عرجاء حير مائة كلب) وذلك لأنها تقوم بشكل انفرادي بالهجوم الليلي متسللة إلى عمق أطراف القرى في الريف كي تضفر بصيد ثمين يتناسب مع وضعها لمجترة صغيرة تفلتت من زريبة مالكها أو جيفة لحيوان نافق أو حتى مخلفات السكان المرمية من طعام يتوافق مع غريزتها وسلوكها، ولكن ترى الكلاب عندما ترصد ريحها وتحركاتها تقوم للتو بالتجمع لدفعها بالنباح، محاولة إخافتها وإيقافها عند حددها من التقدم، وبالمقابل لا تجرؤ على مهاجمتها. لهذا يكثر نباح الكلاب وهي غير مذعنة لهم لا تمتثل ولا تبالي بنباحهم. ولو تشجعوا على كثرتهم لمزقوها إرباً إرباً، وخلصوا الرعية والسكان منها ثم من شرورها.

هذا شأن العرجاء وشأن الشرعية الضعيفة بتوافق مع المثل السالف الذكر، فالعرجاء المسكينة بين أقرانها من لا تتغذى إلا على مخلفات المفترسات من السباع الكبيرة أو ما أتيح لها، شأنها شأن الشرعية الضعيفة التي هي عالة على دول أخرى تتسلل كي تضفر هي أيضاً ما أتيح لها الضفر به وأيضاً يكثر المناوئون لها بالنقد والتحليل والسب والشتم ولطيلة تواجدها سياسياً على الساحة اليمنية وبالمقابل لم يجرؤ أحد بالتقدم إليها للانقضاض والفتك بها، ولو تشجعوا حتماً ستكون في ساعات قليلة أثراً بعد عين، ولكن قُدّر لها أن تبقى مواصلة عادتها كالعرجاء، مراوحة مكانها حول ما قدر لها عليه أن تكون حتى يخال إليك لما تلاحظه وتتوقعه من سلوكها وما يقابله من سلوك لما حولها من صياح، أنك ستجدها في يوم ما، حين تصحو، لا أثر يذكر لها سوى ذكريات شرعية، ولكن في الأخير كأن الأمر لم يكن، والأمور لم تزل على ما هي عليه. بمثيلتها العرجاء حين يكثر حولها النباح لمئات الكلاب إزعاجاً لجميع من هم بالمكان وحول المكان حتى يخيل لك أنك ستجدها جثة ممزقة في صبيحة اليوم التالي من قِبل الكلاب وأن كل واحد قد أخذ نصيبه منها وخلص الجميع من أذاها وشرورها، ولكن ما إن تقوم بالتعرف على طبيعة المكان والمشهد، فلا تجد أثراً لدماء أو صراع وعراك، فكل ما في الأمر مجرد زوبعة حتى تعود الممانعة في الليلة الأخرى من جديد، وهكذا تستمر حكاية العرجاء ويستمر النباح، وتستمر قضية الشرعية ومن يقفون يصيحون في وجهها. و "عرجاء حير مائة كلب".​

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى