العقوبات على إيران.. تقليل للهجمات في الخليج أم مضاعفة لها؟

> رائد الحامد

> تخوض الولايات المتحدة وإيران صراعاً في منطقة الخليج العربي متعدد الأبعاد؛ برز البعد العسكري منه مؤخراً بعد إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة كنوعٍ من المواجهة المباشرة بينهما بعد أن ظلّت إيران تخوض حربها مع الولايات المتحدة عبر قواتٍ حليفةٍ لها في العراق واليمن بشكلٍ خاص.
ظلّ الصراع المباشر في إطار مضي الولايات المتحدة بخطة العقوبات "حملة الضغط القصوى" على أمل تراجع إيران عن دعم وتمويل الجماعات الإرهابية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لعددٍ من دول المنطقة، وهي الاتهامات الأمريكية التي ترفضها إيران رسمياً.

تردُ طهران على العقوبات الأمريكية بتحدٍ واضحٍ أنّها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام "الاستهداف العدائي" لاقتصادها، وأنّها إذا لم تستطع تصدير نفطها فلن تسمح لغيرها بالتصدير، مهددةً بإلحاق خسائر فادحة بمصالح الولايات المتحدة والدول الحليفة لها في المنطقة، السعودية والإمارات، وإسرائيل في بعض الأحيان.

في الحقيقة، فإنّ كلاً من الولايات المتحدة وإيران متفقتان على تجنّب الحرب، وعدم الرغبة في الدخول في صراعٍ مسلحٍ "قد" يؤدي إلى إدخال المنطقة في حالةٍ من الفوضى وعدم الاستقرار سواء بحربٍ مفتوحةٍ، أو من خلال القوات الحليفة لإيران والتي تبسط نفوذها الأمني والعسكري في عددٍ من دول المنطقة؛ لكنّ هذا لا ينفي احتمالات حرب "تحت السيطرة"، "محدودة" النطاق.

طيلةَ سنوات، زوّدت إيران القوات الحليفة لها، الحشد الشعبي و "حزب الله" اللبناني وجماعة الحوثي أسلحة متطورة مثل الصواريخ البالستية قصيرة المدى وصواريخ كروز والطائرات المسيّرة لتهديد الولايات المتحدة والدول الحليفة لها، مثل السعودية التي تتعرض لهجمات متواصلة بصواريخ كروز والطائرات المسيرة.
أعطت القدرات الإيرانية من خلال الاستثمار في القوات الحليفة لها تفوقاً تكتيكياً وثقةً لدى القيادات الإيرانية بمواصلة تهديد المصالح الأمريكية لممارسة المزيد من الضغوط على الإدارة الأمريكية لإرغامها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات حول الملف النووي والعقوبات الاقتصادية دون تنفيذ الشروط التي أعلنها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أو استمرار المناورة لكسب الوقت دون الدخول في مواجهة مفتوحة على أمل عدم التجديد للرئيس الأمريكي في الانتخابات القادمة في نوفمبر 2020.

ومع التغيرات التي طرأت في مراكز صنع القرار الأمريكي باستبعاد وزيري الخارجية والدفاع ومستشار الأمن القومي ومدير وكالة المخابرات الأمريكية السابقين، وتعيين بدلاء عُرف عنهم مناهضة السياسات الإيرانية والدفع باتجاه تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة والحرب إلى حد ما، مايك بومبيو ومارك إسبر وجون بولتون وجينا هاسبل، فإنّ الرئيس الأمريكي وجد نفسه أمام تبني خيارات الحرب مع معارضةٍ واضحةٍ من كبار العسكريين في وزارة الدفاع وقيادات الكونجرس.

في مايو الماضي، وبعد هجمات تعرضت لها ست ناقلاتِ نفطٍ سعودية وإماراتية ونرويجية في ميناء الفجيرة بالقرب من مضيق هرمز، أعادت الولايات المتحدة نشر أربع قاذفات استراتيجية في المنطقة واستقدمت حاملة الطائرات إبراهام لينكولن إلى الخليج العربي بالإضافة إلى نشر 1000 جندي إضافي منتصف يونيو لتعزيز الحشد العسكري الأمريكي في المنطقة.

ستظل إيران على استعداد لتنفيذ ضربات تستهدف جنود ومصالح أمريكية في العراق بعد أكثر من تسعِ هجماتٍ في مناطق مختلفة من العراق استهدفت مواقع انتشار الجنود الأمريكيين في معسكر التاجي شمال بغداد وقاعدة بلد الجوية ومحيط السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء بالعاصمة، وهجماتٍ أخرى على شركات نفط أمريكية في البصرة جنوب العراق، تتهم الولايات المتحدة بالمسؤولية عنها جماعاتٍ شيعية مسلحة منضوية في هيئة الحشد الشعبي الذي بدوره أصدر عدّة بياناتٍ ينفي التُهم الأمريكية.

كما أن جماعة الحوثي، الحليف الأقوى لإيران في منطقة مضيق باب المندب، تواصل تنفيذ هجمات تستهدف مصالح نفطية ومطارات مدنية ومواقع عسكرية في العمق السعودي، بالإضافة إلى "اتهاماتٍ" غير مؤكدة بدورٍ ما لعبته في الهجمات على أربع ناقلاتِ نفطٍ في ميناء الفجيرة الإماراتي خلال شهر مايو الماضي.

تعوّل إدارة دونالد ترامب كثيراً على الآثار المترتبة على العقوبات وتشديد الخناق على الاقتصاد الإيراني لإرغام إيران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات لصياغة اتفاق نووي جديد وفق الرؤية الأمريكية التي تشدد على حرمان إيران من أيّ فرصةٍ لامتلاك السلاح النووي، بالإضافة إلى وقف تطوير برنامج الصواريخ البالستية وتعديل السلوك الإيراني وفق سلوك "الدولة الطبيعية" التي لا تشكّلُ تهديداً للأمن الإقليمي والدولي والتوقف عن دعم وتمويل ورعاية الإرهاب في العالم.

وفي سلسلةٍ من حزمِ العقوبات، كثّفت الإدارة الأمريكية ضغوطها على إيران في محاولةٍ منها لضمان وقف تخصيب اليورانيوم، بالإضافة إلى أسبابٍ أخرى أقلّ أهميةٍ مثل وقف تطوير برنامج الصواريخ البالستية والحدّ من دعم القوات الحليفة التي تخوض حروب إيران بالوكالة في عددٍ من دول المنطقة وتهديد المصالح الأمريكية ومصالح الدول الحليفة والشريكة في منطقة الخليج وإسرائيل وتهديد أمن وسلامة الشحن البحري ومرور الطاقة إلى السوق العالمية.

في 24 يونيو أصدر الرئيس الأمريكي أمراً تنفيذياً بفرض عقوباتٍ جديدةٍ تشمل تجميد الأصول المالية لعددٍ من كبار المسؤولين الإيرانيين، مثل وزير الخارجية الإيرانية وثمانية من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني وعقوباتٍ جديدةٍ على مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي، بالإضافة إلى تجميد مليارات الدولارات لزيادة الضغط الاقتصادي على إيران التي شدّد دونالد ترامب على أنّه "لا يمكن أبداً السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي"، وهو الهدف الأهم الذي بات ترامب يركز عليه بعد تصريحاتٍ تراجع فيها عن أولويات حماية الممرات المائية وأمن الطاقة في المنطقة.

ووفقاً لمسؤولين أمريكيين، ستؤدي العقوبات الجديدة إلى "حجز عشرات المليارات من الدولارات التي تعود لمسؤولين إيرانيين".

مع حقيقة أنّ الأهداف الأمريكية من العقوبات الاقتصادية نجحت إلى حدٍّ ما في تقليل دعم إيران للقوات الحليفة مع آثارٍ سلبيةٍ "قليلة نسبياً" على القطاع الاقتصادي الذي يعاني من مشاكل متراكمة قبل فرض العقوبات، لا يبدو الهدف الأمريكي في إحداث انهيار اقتصادي قريب المنال إذْ نجحت إيران إلى حدٍّ ما في التكيّف مع العقوبات والتحايل عليها بوسائلَ شتى بمساعدةِ دولٍ ومنظماتٍ حليفة لها.

وإذا كانت الولايات المتحدة قد بنت آمالاً واسعةً على إنّ عقوبات "الضغط القصوى" ستؤدي في نهاية المطاف إلى تراجع التهديدات الإيرانية، فإنّ إيران على العكس من ذلك، عمدت إلى زيادة حدّة التوترات بشنِّ المزيد من الهجمات سواءً عبر قوات الحرس الثوري ضد ناقلات نفط على مقربة من مضيق هرمز في ميناء الفجيرة وبحر عمان، وضد طائرات أمريكية مسيرة، أو عبر قواتٍ حليفةٍ لها في العراق شنّت تسع هجماتٍ خلال الشهرين الأخيرين ضدَّ أهدافٍ أمريكية، أو عبر قوات جماعة الحوثي التي تشنُّ هجماتٍ متواصلة بصواريخ بالستية أو بطائرات مسيرة على أهدافٍ في العمق السعودي بعضها على صلةٍ بالمصالح الأمريكية مثل الهجمات التي تعرضت لها خطوط أنابيب النفط ومحطات إعادة الضخ.

في كلِّ الأحوال فإنّ الآثار المترتبة على العقوبات الأمريكية سوف تضع القيادة الإيرانية أمام خيار استفزاز الولايات المتحدة بمزيدٍ من الهجمات المباشرة أو عبر القوات الحليفة لجرّ الولايات المتحدة إلى مواجهةٍ تُدرك إيران أنّها ستكون محدودة قياساً إلى حجم الحشد الأمريكي في المنطقة، وهو ما يعطي إيران إمكانية إدخال المنطقة ككل في حالةٍ من الفوضى وعدم الاستقرار تُرغم الولايات المتحدة على الجلوس إلى طاولة الحوار دون شروطٍ مسبقة، أيْ بعيداً عن شروط وزير الخارجية مايك بومبيو التي ترفضها إيران بشكلٍ قاطع.
"صحيفة الاستقلال"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى